هل نقف على حافة نهاية عصر المضادات الحيوية؟ نشرة التشريعات في أسبوع البريدية - العدد #111

24 نوفمبر 2025 بواسطة عبدالعزيز ال رفده #العدد 111 عرض في المتصفح
كيف تحولت معجزة فليمنغ إلى تهديد عالمي يهدد مستقبل الطب الحديث؟

***

«الغذاء والدواء» تنظم ملتقى علميًا وطنيًا للتوعية بمقاومة مضادات الميكروبات وتعزيز الشراكات الصحية

نظّمت الهيئة العامة للغذاء والدواء، بالتعاون مع جمعية وعي لصحة المجتمع، ملتقى علميًا بعنوان «المعرفة مسؤولية.. نحو وعي وطني يحدّ من مقاومة المضادات» في مقرها الرئيس بالرياض، بمشاركة عدد من الجهات الحكومية والجمعيات الصحية ذات العلاقة، بهدف تعزيز التوعية بمخاطر مقاومة مضادات الميكروبات وتنسيق الجهود الوطنية المشتركة.

وتضمّن الملتقى جلسات علمية وورش عمل ركزت على تحليل الوضع الراهن واحتياجات المجتمع في مجال مقاومة مضادات الميكروبات (AMR)، واستعراض فرص التكامل بين القطاعات الصحية والبحثية والتوعوية لضمان أثر فعّال ومستدام.

كما ناقش المشاركون أحدث التطبيقات القائمة على الذكاء الاصطناعي الداعمة لجهود التوعية، واستعرضوا تجارب وأبحاثًا متخصصة صادرة عن الهيئة، إضافة إلى ورشة عمل تفاعلية لصياغة حلول عملية وتطوير نموذج وطني توعوي مشترك.

واختُتم الملتقى بعرض توصيات رسمت خارطة طريق لتعزيز الوعي المجتمعي، بالتزامن مع برنامج تدريبي امتد ثلاثة أيام للجهات الحكومية المعنية.

«هيئة المحتوى المحلي» تبحث مع «نوفارتس» توسيع التعاون في الدراسات السريرية وتوطين الأدوية المبتكرة لتعزيز القدرات الوطنية

عقدت هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية اجتماعًا برئاسة المهندس سامي الحجيلان، نائب الرئيس التنفيذي للتطوير، مع قيادات شركة نوفارتس ممثلين بالدكتور محمد عز الدين المدير الإقليمي لمنطقة الخليج، والدكتور أمير عبدالعزيز رئيس شركة نوفارتس الدوائية في المملكة، وذلك لبحث تعزيز التعاون في القطاع الدوائي السعودي وتطوير شراكات استراتيجية تسهم في دعم الصناعة الوطنية.

وناقش الجانبان فرص التعاون في الدراسات السريرية وبرامج توطين الأدوية المبتكرة، إلى جانب تسريع إتاحة العلاجات الحديثة في السوق السعودي بما يعزز جودة الرعاية الصحية ويفتح المجال أمام قدرات بحثية محلية متقدمة.

كما تطرق الاجتماع إلى تعزيز المحتوى المحلي في الصناعة الدوائية، واستعراض فرص نقل المعرفة والتقنيات المتقدمة وبناء كوادر وطنية مؤهلة، بما يسهم في خلق بيئة استثمارية تنافسية داخل قطاع دوائي يشهد نموًا متسارعًا.

وتأتي هذه الخطوة ضمن توجه الهيئة نحو الشراكة مع الشركات العالمية الرائدة تحقيقًا لمستهدفات المملكة في بناء قطاع دوائي قوي قادر على المنافسة إقليميًا ودوليًا.

***

أبحاث علمية منشورة 💡

  1. المعرفة والموقف والممارسة والعوائق تجاه التيقظ الدوائي بين موظفي مبيعات وتسويق الأدوية في المملكة العربية السعودية: دراسة مقطعية
  2. السلامة والفعالية في العالم الحقيقي لإيفولوكوماب evolocumab لدى مرضى ارتفاع الكوليسترول الأولي أو الاختلال الدهني المختلط في السعودية
  3. تقييم اتجاهات الإبلاغ والآثار السلبية لمنتجات التجميل "cosmovigilance " في المملكة العربية السعودية استنادًا إلى بيانات اليقظة التجميلية الخاصة بالهيئة العامة للغذاء والدواء
***

تزامنًا مع الأسبوع العالمي للتوعية بالمضادات الحيوية (18–25 نوفمبر 2025)، تشرفت مؤخرًا بالظهور عبر قناة الإخبارية للحديث عن واحدة من أخطر الأزمات الصحية الصامتة التي يواجهها العالم اليوم، ألا وهي مقاومة المضادات الحيوية.

ورغم أن الظهور الإعلامي كان مساحة مهمة لإثارة النقاش، إلا أن إعداد هذا اللقاء دفعني إلى رحلة بحث عميقة امتدت عبر التاريخ والعلم والواقع الصحي المعاصر؛ بدايةً من قصة اكتشاف البنسلين بالصدفة، مرورًا بأول موجات المقاومة، ووصولًا إلى الأرقام العالمية، والمشهد المحلي، والمجهودات الوطنية والحلول المقترحة.

لم يكن هدفي استعراض معلومات متفرقة، بل بناء فهم متكامل يربط الماضي بالحاضر والمستقبل، ويضع القارئ أمام صورة كاملة لما يجري، وما الذي يمكن أن يعنيه استمرار هذا المسار للعالم وللأنظمة الصحية وللمريض الواحد.

والآن لنرجع إلى لحظة فارقة في التاريخ الطبي.

ما هي قصة اكتشاف أول مضاد حيوي في التاريخ؟ 

كان العالم ألكسندر فليمينج منغمِسًا في إجراء أبحاثه في مجال الأحياء الدقيقة تحديدًا بمستشفى سانت ماري في لندن، حيث كان جلّ تركيزه في ذلك الوقت نحو عالم البكتيريا، ففي ذلك الوقت كان ينمّي العديد من الأطباق المخبرية مستعينا بالمخلوقات الحية الدقيقة البكتيرية، ويعود سبب ذلك الجهود المقصود من أجل معرفة السبب الكامن وراء الحمى المصاحبة للبكتريا التي تدعى Staphylococcus aureus.

ولأن العمل كان مُجهدًا لألكسندر فليمينج فقد قرر أن يأخذ إجازة في العام 1928 م، وبعد عودته للمختبر ووسط كومة كبيرة من الأطباق المخبرية التي كانت بحاجة للإتلاف، كانت عادة فليمينج قبل عملية إزالة الأطباق أن يلقي عليها نظرة خاطفة وسريعة قبل أن تواري ملاذها الأخير نحو القمامة الطبية، ولكن لفت انتباهه شيء مثير للإعجاب!

لقد لاحظ نموّ عفن في الأطباق المخبرية، عندها لم يتأخر لحظة واحدة فقد قام مباشرة بإخلاء مزرعة البكتيريا، وبعد عزل الفطر المسؤول اكتشف قدرة العفن على قتل البكتيريا، وقد كان اسم هذا الفطر Penicillium، وبهذه اللحظة الطبية التي خلدها التاريخ طار بالفرح ألكسندر فليمينج بهذه الملاحظة البحثية المثيرة للإعجاب، ليكون هدفه نشر هذا الخبر في مؤتمر الأبحاث الطبية في العام  الذي يليه 1929 م، ولكنه عاد خالي الوفاض حينما لم يأبه لملاحظته أحد، ورغم  ذلك لم يستسلم!

تواصل فليمينج مع العديد من علماء الكيمياء في بريطانيا تحديدًا بهدف تنقية المستخلص الذي أطلق عليه اسم "Penicillin  بينيسليين" ليتمكن من إنتاجه بكميات أكبر، ومع العديد من المحاولات المتفرقة في ذلك الوقت، نجح العلماء في جامعة أكسفورد في العام 1939 م في الذهاب بعيدًا بخطوات إلى الأمام وتحصلوا على نتائج مذهلة وافقت في ذلك الحرب العالمية الثانية التي دارت رحاها في الأعوام 1939 - 1945 م.

فقد كانت العقبة الرئيسية التي اعترضت العلماء هي إنتاج كميات كبيرة من دواء البنسلين، خصوصًا في ذروة الحرب العالمية الثانية، لتخرج فكرة البنسلين من بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا في مركز الزراعة الأمريكية بإلينوي، والذين بدورهم تمكنوا من صنع كميات أكبر عن السابق من مستخلص البنسلين وذلك لأكثر من 200 لتر.

هذه الكميات الوافرة كانت تعني إمكانية القيام بالتجارب السريرية بأريحية أكبر، عقبها تهافتت كبرى الشركات من أجل الحصول على حق تصنيع البنسلين، وقد كانت الشركة الدوائية التي فازت بهذا السبق هي شركة فايزر في العام 1943 م، فبسبب هذه الكمية الوافرة من المضاد الحيوي البكتيري الجديد في العالم في ذلك الوقت، عنت بأن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها أصبحوا في حالة اكتفاء عند خوضهم الحرب العالمية الثانية، وانتصارهم على خصومهم.

فعند العام 1947 م وُفّقت هيئة الدواء والغذاء الأمريكية على الدواء المصنع البنسلين الذي قامت به شركة فايزر الأمريكية كدواء لعلاج الالتهابات البكتيرية، وتم تتويج هذا الإنجاز بحصول ألكسندر فلمينج على جائزة نوبل بهذا الإنجاز الفارق في الطب.

لكن هل انتهت القصة هنا؟ أم أن لحظة الانتصار نفسها كانت بذرة أول هزيمة؟

ما هي أول سلالات المقاومة للمضادات الحيوية التي ظهرت في العالم؟

بعد اكتشاف البنسلين تمت ملاحظة بدايات أول مقاومة للمضادات الحيوية في العام 1943 م للبكتيريا Staphylococcus aureus ولكن لم يُؤبَه لها كثيرًا، فبعد اختراع البنسلين ظهرت هناك أساليب استعمال مفرطة أدّت لأن يكون الغرض من البنسلين يُصرف لكل شيء، مما أدى لسوء في الممارسة الصحية.

فبعد اكتشاف البنسلين ظهرت في الفترة ما بين 1940-1960 م العديد من المضادات الحيوية الأخرى مثل (Methicillin و Streptomycin و Vancomycin)، ولكن مع العام 1961 م جاءت أول ظاهرة حقيقية لمقاومة دواء Methicillin لبكتيريا Staphylococcus aureus وقد تم تسمية هذه المقاومة اختصارًا MRSA "Methicillin-Resistant Staphylococcus Aureus".

ما تم التوصل إليه في تلك الفترة أن المضادات الحيوية ومقاومتها هي ظاهرة بيولوجية وطبيعية، حيث إن أشهر الإنزيمات التي تقف حجر عثرة في نجاح المضادات الحيوية هي ما تنتجه هذه البكتيريا مع إنزيم Beta-lactamase خصوصًا لتلك المضادات الحيوية التي تعمل على جدار الخلية، فبهذا التدخل الإنزيمي يصبح الدواء غير فعال.

وقد شهدت السنوات اللاحقة ما بين 1970-1980 م ركودًا كبيرًا من قبل الشركات الدوائية العالمية، بسبب التكلفة الضخمة التي يستهلكها وصول دواء واحد للسوق الدوائي المقدر (10-15) سنة، والعائد القليل الذي سوف تتحصل عليه الشركات مقابل ذلك بسبب وجود أنواع مختلفة من آليات مقاومة المضادات الحيوية إما (بتعطيل عمل الدواء، أو إخراجه خارج الخلية، أو تغيير موقعه، أو تقليل تركيزه... إلخ).

فعند اكتشاف دواء Vancomycin في العام 1972 م تم رصد المقاومة له في العام 1988 م، أما دواء Imipenem الذي اكتُشف في العام 1985 م فقد ظهرت المقاومة الأولى له في العام 1998 م، بينما دواء Daptomycin الذي اكتُشف في العام 2003 م فقد رُصدت مقاومته في العام 2004 م أي بعد عام واحد فقط من اكتشافه، وهذا يجعل السبب واضحًا في عجز الشركات الدوائية عن ضخ مبالغ ضخمة دون وجود ربحية ممكنة بسبب المقاومة السريعة للأدوية الجديدة!

فإذا كان التطور البكتيري أسرع من تطور الدواء، فما الذي حدث بعد ذلك؟

ما هو موقف منظمة الصحة العالمية تجاه الأزمة العالمية لاستخدام المضادات الحيوية؟

في ورقة نُشرت في العام 2023 م من قبل منظمة الصحة العالمية تحدثت فيها عن مقاومة المضادات الحيوية Antimicrobial resistance، أوضحت بأن العديد من المخلوقات الحية الدقيقة من (البكتيريا، والفيروسات، والفطريات، والطفيليات) لا تستجيب للمضادات المختلفة، مما جعل هناك صعوبة بالغة في علاجها بسبب انتشارها، وزيادة معدلات خطرها على المجتمعات.

فمقاومة المضادات الحيوية Antimicrobial resistance كانت مسؤولة عن وفاة مليون ومئتي ألف إنسان في العام 2019 م، وقد أجملت العديد من الأسباب لهذه المقاومة منها (فرط الاستخدام للمضادات الحيوية، ونقص الموارد النظيفة في التربة والزراعة والمياه والحيوان والتغذية) حيث أثرت مقاومة المضادات الحيوية على الدول منخفضة ومتوسطة الدخل بشكل أكبر.

التهديد الحقيقي الذي تمثله مقاومة المضادات الحيوية Antimicrobial resistance هو تأثيرها على الطب اليوم في الجراحة، وعلاج السرطان، وعمليات زراعة الأعضاء، لتصبح أكثر خطورة عمّا هي عليه في يومٍ من الأيام، مما يعني فشل التطور الطبي في مواجهة مقاومة المضادات الحيوية ورجوعه لأكثر من 80 عامًا للوراء!

لكن ما هي الحلول؟

اقترحت منظمة الصحة العالمية العديد من الحلول لمواجهة هذا الوحش الكاسر الذي يمتد بشكل يومي، وذلك بالتركيز على فكرة "صحة واحدة للجميع One Health"، ويعني ذلك الاهتمام بالثروة الحيوانية والزراعية والمياه، لأن كل ما يتناوله الإنسان هو من هذه المصادر الأساسية، كذلك هذا من شأنه تقليل فرص مخاطر الجوائح والأوبئة مع السيطرة على الأمراض المستوطنة والمهملة مثل (داء الكلب، والحمى المالطية)، ووجود خطط وطنية عاجلة من أجل التصدي لمقاومة المضادات الحيوية، ومن ذلك وجود منصات رصد وطنية وإقليمية.

أيضًا من المهم ممارسة المستشفيات دورها في حوكمة الصرف الرشيد للدواء تحت مسمى Antimicrobial Stewardship، وممارسة الاستثمار في رأس المال البشري في القطاع الصحي وتوعيته عبر فريق متعدد التخصصات من (أطباء، وصيادلة، وتمريض، وأخصائي مختبر) بوجود مؤشرات تتبع وبروتوكولات وأنظمة مراقبة من أجل الاستخدام الآمن والسليم للمضادات الحيوية، مع الحرص على أدوات التعقيم والنظافة، والمداومة على أخذ اللقاحات، كل ذلك من أجل تقليل وطأة مقاومة المضادات الحيوية التي تعصف بالعالم.

بعد استعراضنا لرزمة من الحلول، هل استطاع العالم تعويض الخسائر بإنتاج مضادات جديدة؟ أم أننا دخلنا منطقة العجز؟

لماذا الابتكار في مجال صناعة المضادات الحيوية يواجه مشكلة كبرى؟

في بيان نُشر أيضًا عبر منظمة الصحة العالمية في العام 2022 م كان بعنوان (غياب الابتكار لأدوية المضادات الحيوية من المتوقع أن يقوض أدائها ومكتسباتها الصحية)، ففي العام 2021 م كان هناك 27 مضادًا حيويًا قيد التجارب السريرية، ولكن من جملة هذه الأدوية التي لبّت معايير الابتكار لدى منظمة الصحة العالمية كانت فقط ستة أدوية.

ويعود سبب غَضّ الطرف للشركات الدوائية في المواصلة في حقل ابتكار الأدوية المعنية بعلاج البكتيريا هو -كما ذُكر سابقًا- تكلفتها المادية الكبيرة، وعائدها في المقابل غير المجزي، وذلك بسبب فرص ظهور مقاومة في حال الموافقة على العلاج خلال سنوات قليلة، مما يعني أنه من وجهة نظر الشركات الدوائية تُعد مثل هذه الاستثمارات خسارة مؤكدة.

فقد ذكر التقرير بأن هناك حاجة ماسّة لأن يكون هناك صندوق مشترك ما بين الحكومات والقطاع الخاص لتوسيع العمل على ابتكار المضادات الحيوية، وإعطاء العديد من المميزات للشركات الدوائية، ومن ذلك المكافآت المادية واحتكار الدواء لفترة زمنية أطول، والحصول على الموافقات التنظيمية المبكرة لأجل تحفيز الشركات لمواصلة الاستثمار في القطاع المعني بصناعة المضادات الحيوية.

والآن لنأتِ على سؤال مهم يتعلق بالشأن المحلي، كيف يبدو مشهد المضادات الحيوية في المملكة العربية السعودية؟

ما هي أكثر السلالات البكتيرية مقاومة في السعودية اليوم؟

في تقرير طبي نُشر في العام 2023 م ضمن عدة تقارير طبية عن العبء الصحي الناجم عن استخدام الأدوية المضادة للبكتيريا ومقاومتها Antimicrobial Resistance وقد كان بالشراكة ما بين جامعتي أكسفورد وواشنطن، واستندوا للبيانات المنشورة من الأعوام 1990 - 2021 م.

فقد بلغت الأعداد التي توفيت بسبب مقاومة المضادات الحيوية في المملكة العربية السعودية في العام 2021 م ما إجماليّه 2000 وفاة مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بمقاومة المضادات الحيوية، حيث كانت الفئات العمرية الأكثر تأثرًا هم ما بين 50-69 سنة، أما عن أكثر السلالات البكتيرية مقاومة في المملكة العربية السعودية فهي:

  • MRSA "Methicillin-resistant Staphylococcus aureus" 
  • Acinetobacter baumannii resistant to carbapenems 
  • Streptococcus pneumonia resistant to carbapenems

بينما كانت أكثر الأمراض فتكًا بسبب هذه البكتيريا  كانت العدوى المرتبطة بمجرى الدم، والعدوى التنفسية، والعدوى التي تصيب البطن، أما عن النظرة المستقبلية فقد ذكر التقرير بأن أكبر المستهدفات هي تقليل هذه الأرقام 10% بحلول العام 2030 م، وإن لم يتم اتخاذ الإجراءات التصحيحية فهذا يعني بأن عدد الوفيات بسبب مقاومة المضادات الحيوية سيصل لرقم مرعب يُقدّر بـ 14800 وفاة سنويًا حتى ذلك التاريخ.

ليكون السؤال الآن: هل المملكة العربية السعودية تحركت بالفعل مبكرًا؟ أم أننا ما زلنا عالقين في دوامة أكبر؟

ماذا لو صرف الصيدلي مضادًا حيويًا دون وصفة طبية؟

من أفضل القرارات الطبية التي اتخذتها وزارة الصحة مبكرًا كانت في أبريل من العام 2018 م وذلك بإصدار تحذير بعدم صرف أي مضاد حيوي بدون وجود وصفة طبية حيث إن عقوبة من يقوم بذلك هي المخالفة التي تُقدّر بمبلغ 100 ألف ريال سعودي، بالإضافة إلى السجن لمدة تصل إلى 6 أشهر مع إلغاء الترخيص.

ومن ضمن الجهود التي تقوم بها المملكة العربية السعودية هي ما تقوم به هيئة الصحة العامة "وقاية"، فمن أبرز ما تقوم به في القطاع الصحي هو أنه في تقريرها للخطة الوطنية السعودية لمكافحة مقاومة المضادات الميكروبية، فهي تقوم بجهود حثيثة، وقد نجحت بالتنسيق مع الجهات الصحية الأخرى في:

  1. توسيع مواقع الرصد من 12 مرصدًا حتى وصلت إلى 42 مستشفى في السعودية
  2. إطلاق الحملات التوعوية السنوية. إنشاء اللجنة الوطنية لمقاومة الميكروبات
  3. إطلاق برنامج الاستخدام الرشيد والمحوكم للمضادات الحيوية في المستشفيات Antimicrobial Stewardship 
  4. جمع وتحليل البيانات لاستهلاك المضادات الحيوية.

أما الخطة الجديدة لدى هيئة الصحة العامة "وقاية" ما بين 2022 - 2025 م فتتمركز حول تعزيز التنسيق والحوكمة الوطنية في توحيد التشريعات والقرارات بين مختلف القطاعات، وتطوير النظام الوطني للرصد، مع رفع القدرة المختبرية إلى 15 ألف عينة سنويًا، وإجراء 8 آلاف اختبار جيني، وإدراج مفاهيم مقاومة المضادات الميكروبية في التعليم وبرامج التدريب الصحي بتطوير مواد تعليمية مخصصة.

حيث أن واحدة من أهداف المراقبة هي معرفة استهلاك الأدوية مثل Meropenem , Colistin , Vancomycin بالتحديد مع انخفاض معدلات البكتيريا مثل:

  1. Carbapenem-Resistant Pseudomonas aeruginosa
  2. Carbapenem-Resistant Enterobacterales 
  3. MRSA
  4. C.Difficile

هذه الخطة تهدف في المقام الأول إلى مكافحة مقاومة المضادات بحيث تكون هذه المبادرات المتفرقة تحت مظلة واحدة وبنموذج وطني قائم على أسس محوكمة ورقمية قابلة للقياس، وبمشاركة جميع القطاعات الصحية والبيئية والزراعية.

ماذا علينا القيام به إذن؟ 

في جوهر هذه الأزمة، تتقاطع المسؤوليات ولا ينفع تعليق الأزمة على طرف واحد. فالطبيب يجب عليه ألا يصرف مضادًا حيويًا دون داعٍ أو تشخيص مبنيّ على دليل؛ والصيدلي لا يصرف دواءً بلا وصفة مهما كان الضغط أو المجاملة؛ والمريض لا يفرض على طبيبه وصفة دوائية بمجرد شعوره بالقلق أو لاستعجال الشفاء.

كذلك يجب على المؤسسة الصحية تفعِّل الحوكمة الدوائية الحقيقية، وليست الصورية بمنهج قياس ومحاسبة واضحة؛ والجهات التنظيمية تضبط استخدام المضادات في الثروة الحيوانية والزراعة والمياه بما يتوافق مع مفهوم «صحة واحدة One Health».

أيضا على المجتمع أن يلتزم باللقاحات الموسمية التي تقلل العدوى وتخفض الحاجة للمضادات من الأساس؛ والأهم من ذلك أن يتوقف تداول الأدوية بين الأفراد خارج الإشراف الطبي، خصوصًا المضادات الحيوية التي قد تتحول من علاج إلى سبب مباشر للمقاومة والوفيات.

فالمعركة ليست مع بكتيريا ذكية وحسب، بل مع ثقافة خاطئة متجذرة، ولن نكسبها إلا بانضباط جماعي يبدأ من الفرد وينتهي بالنظام الصحي الشامل.

والآن بعد كل هذا الاستعراض لمختلف المجهودات يأتي السؤال الأهم: إلى أين يتجه العالم؟ وما الذي ينتظرنا في العقود القادمة؟

كيف هو مستقبل المضادات الحيوية؟

في تقرير تم نشره في العام 2016 م قام به جيم أونيل، وتم تقديمه في ذلك الوقت لرئيس الوزراء البريطاني، ودول القادة العشرون G20، والأمم المتحدة، فقد حذّر بشكل واضح بأن الاستمرار في عملية صرف المضادات دون حكمة سوف يعني أن هناك وفيات سوف تصل إلى 10 ملايين وفاة سنويًا بحلول عام 2050 م.

حيث إن التكلفة الاقتصادية لهذا الاتجاه سوف تصل إلى 100 تريليون دولار لمواجهة مثل هذه الموجة العاتية، حيث شدد التقرير على ضرورة التحرك العاجل ووضع الحلول، ومن ذلك (التشخيص السريع للأمراض، والقيام بالتوعية المستمرة للممارسين وأفراد المجتمع، وتمويل الابتكارات الدوائية، وتطوير رأس المال البشري، وضرورة وجود نظام عالمي للرصد مع تحالفات سياسية أقوى في هذا الجانب، والدعوة لتبني اللقاحات).

حيث إن فكرة هذا التقرير تقول بأن المشكلة الحقيقية ليست في الأوبئة الجديدة، وإنما هي في الحقيقة سببها في المقام الأول سوء الاستخدام للمضادات الميكروبية، حيث إن التقرير اقترح وجود صندوق دولي مشترك ممول بمبلغ 2 مليار دولار لمدة خمس سنوات لدعم الابتكار، ووجود حوافز تسويقية للشركات، ووضع مكافآت داعمة في حال حصول أيٍّ منها على الموافقة من قبل الهيئات التنظيمية من أجل الديمومة والاستمرارية.

ليكون السؤال الختامي لنا جميعًا كصناع قرار وممارسين صحيين: هل سننتظر أزمة تعيدنا إلى ما قبل عصر المضادات الحيوية؟ أم نختار طريق الوقاية المبكرة والتشخيص الدقيق والاستخدام المسؤول؟

ما هي الخلاصـــــــــــــــــــــــــــــــــة؟ 

بدأت قصة المضادات الحيوية باكتشاف غير مخطط له حين لاحظ ألكسندر فليمنغ عام 1928 م أن عفنًا أسقط البكتيريا المحيطة به في أحد أطباقه المخبرية، ليقود ذلك إلى تطوير البنسلين الذي أحدث ثورة طبية وغيّر مسار الحرب العالمية الثانية. لكن النجاح لم يدم طويلًا؛ فبعد أقل من عقدين ظهرت أول مقاومة للبنسلين، ثم تلتها مقاومة الـ Methicillin عام 1961 م، لتؤكد أن التطور البكتيري أسرع بكثير من قدرة الإنسان على تطوير الدواء.

مقاومة المضادات اليوم تحولت إلى تهديد عالمي صامت. فوفق تقرير منظمة الصحة العالمية 2023 م، تسببت مقاومة المضادات في وفاة أكثر من 1.2 مليون إنسان عام 2019، وتضع الطب الحديث أمام خطر حقيقي في الجراحة وزراعة الأعضاء وعلاج الأورام. ورغم الحاجة الملحة لمضادات جديدة، لم يكن في عام 2021 سوى 27 مضادًا في مراحل البحث، ستة منها فقط مصنفة كابتكار، بسبب تكلفة التطوير الهائلة وظهور المقاومة السريع الذي يجعل الاستثمار غير مجدٍ.

في السعودية، سجّل تقرير أكسفورد وواشنطن عام 2023 م أكثر من 2000 وفاة مرتبطة بالمقاومة في 2021، مع توقعات انقلابية تصل إلى 14800 وفاة في 2030 دون تدخل جاد. وقد اتخذت المملكة خطوات مهمة كتقييد صرف المضادات دون وصفة، وتوسيع منصات الرصد وبرامج الاستخدام الرشيد بقيادة وقاية.

***

ممتن لوصولك لهذا السطر من النشرة والتي أتمنى أنها عادت إليك بالنفع، ففيها أنقل للقارئ تجربتي في دراسة الماجستير التنفيذي في التشريعات الدوائية بجامعة الملك سعود منذ العام 2023 م ( ‏Executive Master of Drug Regulatory Affairs in KSU) بشكل نصف أسبوعي في صباح يوم الإثنين ☀️ بالإضافة لنقل الخبرات والمقالات والمقابلات التي قد أعمل عليها خلال هذه الرحلة، وهي لا تُعبرّ إلا عن وجهة نظر ناقلها، راغبا بذلك توثيق الرحلة مع الآخرين ومشاركتهم طريق التعلم في أحد أعرق جامعات المملكة العربية السعودية.

ناقل هذه التجربة هو أنا عبدالعزيز آل رفده تجدني في منصة linkedin،أو منصة Twitter (X)  صيدلي بمدينة الملك سعود الطبية وكاتب ابداعي لعديد من المقالات والنشرات البريدية منذ العام 2018م وحتى هذا اليوم.

إن كنت مهتما عن السبب وراء رغبتي في توثيق ونقل هذه التجربة فأود إخبارك بأني قد أفردت لها نشرة سابقة من أعداد التشريعات في أسبوع البريدية والتي كانت بعنوان ( ما هو السبب الذي يجعلني أكتب نشرة التشريعات في أسبوع البريدية؟) وفي نشرة أخرى كذلك كتبت عددا لاقى رواجا كبيرا بين القراء بعنوان (لماذا أنصحك بدراسة الماجستير التنفيذي في التشريعات الدوائية، واستكمال رحلتك المهنية عن طريقها؟)

لإيماني بإثراء المحتوى العربي بشكل عام والصيدلاني بشخص خاص بدأت هذه الرحلة، وقد وصلتني عن نشرة التشريعات في أسبوع الكثير من كلمات المديح والتشجيع سواء من أعضاء هيئة التدريس، أو زملاء الدفعة الدراسية، أو ممن ينتسبون في السلك الصيدلاني بكافة قطاعاته، سعيد بأن سلسلة النشرات البريدية قد نالت استحسانهم، وبإذن الله بأن القادم منها أجمل بهاءْ وحُلّة. 🙏🏼

***

استعد لرحلة مثيرة مع هذين الكتابين اللذين سيغيّران نظرتك حول عالم التشريعات الدوائية

احصل على نسختك الإلكترونية من كتابّي التشريعات الدوائية عبر الرابط الآن
***

 عبدالعزيز آل رفده، هاجر العنزي

***

نشرات مرجعية مهمة من أرشيف نشرة التشريعات في أسبوع البريدية 📌 

***

إن كان هناك أسئلة تتعلق بكل ما ورد أعلاه  أو اقتراحات للتطوير من النشرة بإضافة أفكار لها لا تتردد في مراسلتي عبر البريد الإلكتروني للنشرة من خلال هذا العنوان  [email protected] 

مشاركة
نشرة التشريعات في أسبوع البريدية

نشرة التشريعات في أسبوع البريدية

هنا أنقل لك تجربتي في دراسة الماجستير التنفيذي في التشريعات الدوائية بجامعة الملك سعود 2023 م، وهي لا تعبر إلا عن وجهة نظر ناقلها، أرغب فيها بتوثيق الرحلة مع الآخرين ومشاركتهم طريق التعلم في أحد أعرق جامعات المملكة العربية السعودية، اشترك الآن لمتابعة الأعداد فور صدورها صباح كل يوم اثنين 📤

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة التشريعات في أسبوع البريدية