تراكم الكتابات الناقصة، ديسمبر وهَمُّ المشاريع غير المكتملة📑🙄 نشرة مرجع التدوين البريدية - العدد #14

هل يمكنك أن تتخيل معي هذا المشهد؛ حين تندفع فيه كم الرسائل كسيل جارف بمجرد فتح صندوق البريد؟ هذا هو الشعور الذي اختبرته بداية الأسبوع الماضي، حاولت لأسبوعين متتالين الهرب من عملية فتح صناديق "مشاريعي الكتابية غير المكتملة" والتي تراكمت في كل مكان مع نهاية 2023م ؛ مسودات تدوينات، مسودات أعداد من نشرة بريدية، ملفات معنونة لأفكار مقالات أنوي كتابتها…

 وطيلة الفترة الماضية حملت همها في اللاوعي، وصارت تحاول الطفو لسطح تفكيري باستشعاري انتهاء السنة، أعلم أن أعداداً كبيرة من المسودات والأفكار المتدافعة والمكتظة قد تهجم عليّ نفسياً وذهنياً في أي لحظة لتستهلك وقتاً في إكمالها مما قد يعيقني عن إكمال بقية مهامي المرتبطة بأهدافي السنوية، لذا فقد أخذت أتهرب منها حتى فعل التسويف فعلته، ولم يحرك ساكناً غير جهازي الذي يكاد ينطق من تقلص مساحة ذاكرته، لقد ضرب وتراً حساساً ساكناً في غياهب ذاكرتي بإشعاراته المتتالية.

لا شيء يضاهي حمل هم المشاريع الكتابية غير المكتملة! يشبه الأمر شعورك بالغرق وسط المسودات المهولة، والإحساس بها وكأنها تلتهمك!!

ولأني كدت أفقد صوابي في محاولة ترتيبها وتصنيفها بين ما سيحذف وبين ما سيلقى بعض اهتمامي في الأيام المقبلة، كان لزاماً عليّ أن أنفرد بنفسي لمحاسبتها، كيف وصلتُ إلى هذا الوضع الجنوني دون أشعر؟! والحق يقال؛ لقد أمطرت أعذاراً متنوعة، لا يمكن أن أنكر أن بعضها كان خَدّاعاً بالفعل!

أفكار خادعة تُراكم المسودات غير المكتملة:

الخدعة الأولى: دع فكرتك تختمر:

دعي الفكرة تنضج، هكذا أخبرتني معلمة اللغة العربية بعد أن لمحت فيّ موهبة الكتابة، وإثر ذلك يقول الكاتب أحمد العساف، دع عملك في درج مكتبك وعُد له بعد فترة حتى تقيس صلاحيته للنشر، لكن لننتبه جيداً بعد تبني هذه الفكرة، تنضج الأعمال المكتملة قبل نشرها وليست الأعمال الناقصة التي لم  تكملها بعد! 

أحياناً يبدأ الأمر بشكل مقنع ومبرر؛ حينما تشعر بالتكاسل في إكمال مقالة أو مشروع كتابي، يبدأ عقلك بالتسويف بشكل احترافي، قد يقول لك : "دع الفكرة تختمر قليلا، دع الفكرة تنضج، توقف عن إكمال المقال ولا تضغط على نفسك"وهذا هو الفخ:

عدم التفريق بين اختمار الفكرة المكتملة وقابلية عطب الفكرة الناقصة.

الخدعة الثانية: عبقرية الأعمال غير المكتملة:

العديد من العباقرة والمبدعين ساروا على نهج إسحاق نيوتن، فقد ترك كتابات غير مكتملة في الرياضيات والطبيعة والفلسفة، كذلك فعل ليوناردو دافنشي مع لوحة الموناليزا، لذا يروج البعض عبقرية هذه الأعمال في عدم اكتمالها! 

هل تذكر الدراسة التي تقول بأنه كلما كانت غرفتك فوضوية فهذا ينم عن عبقريتك؟ 

مع عدم إقتناعي بهذه المقولة في مجملها، إلا أنها كانت سبباً في تعزيز سلوك الفوضوية لدى الكثير من جيلي والأجيال اللاحقة، تشعرهم بأنهم أكثر عبقرية، وعليها يمكننا قياس مايمكن أن تغرسه فكرة "عبقرية الأعمال غير المكتملة" في ذهن كل ممتهن لأي عمل إبداعي.

هذه الفكرة ومثيلاتها من الأفكار التي تُصغّر عندك أهمية المثابرة، هي أفكار نعلم بمضارها في الحقيقة ولكننا دون أن نشعر قد نختار التعذر بها حتى نتكاسل ونسوف.

بعض الحلول المجدية: ولأن نهاية كل عام يعني -بديهياً- بداية عامٍ آخر، كان يتوجب عليّ التعلم من تجربة التراكمات هذه لأبدأ بإصلاحها والوعي لها للسنة القادمة، من خلال التدرب على بعض الحلول المنقذة من تراكم المسودات..

1. فن التخفف: في "فن التخفف" يسعى الشخص للاحتفاظ بما هو مفيد لذا فكرتُ بتطبيق ذلك على الأفكار والمسودات غير المكتملة.
في "فن التخفف" سنفترض وجود ثلاث طرق للتصرف مع كل فكرة أو مشروع كتابي غير مكتمل:

١. سلة المهملات

 ٢. ملف الأفكار (الانتقاء)

٣. المعالجة الفورية

 قبل التخفف، لنجري اختبار صغير للفكرة:هل هي مهمة؟ هل ترغب بإكمالها؟ هل لديك دافع لذلك؟ قبل وضعها في: سلة المهملات أو ملف الأفكار، أو المعالجة الفورية.

2. ملف الأفكار (الانتقاء): ستتحول جميع الملفات إلى ملف واحد فقط يحتوي جميع الأفكار، سيكون من الجيد التفكير في هذا الملف على أنه مكان لانتقاء فكرة واحدة فقط كل فترة للكتابة عنها، يمكنك الاستعانة به حتى في الأوقات الحرجة، أو عند نضوب أفكارك، باعتبار أن معظم الأفكار المجمعة فيه هي كتابات مهمة تستحق أن تفرد لها وقتاً خاصاً.

3. المعالجة الفورية: بعض الأفكار فريدة من نوعها ولا تحتمل التأجيل طويلاً في الوقت ذاته، هذه الأفكار تستحق أن تخصص ربع ساعة من يومك لإنهائها، نشرها وإطلاق سراحها على الملأ، قد يستغرق نشرها ساعة، أي على أربعة أيام، ولا بأس بذلك، حاول أن تجعل المهمة سهلة عليك، لن تكون جميع كتاباتك عبقرية، أحيانا ستكون ممتعة فقط وهذا مكسب بحاله. 

بدأت بتطبيق هذه المنهجية لبضعة أيام، ويبدو أنها مجدية حتى الآن؛ أكملتُ بعض المسودات المنتظرة، وأتوقع إنهاء كتابة عدة مقالات في فترة قريبة.

ملاحظة: جدولة الكتابة وإتمام المهام الكتابية يومياً حل رائع جداً لكل ممتهن للكتابة، لكنها ليست خياراً متاحاً أمامي في الوقت الحالي، لأن الكتابة ليست المهمة الوحيدة ضمن مهام عملي، لذا إن كانت تناسبك فضعها أول حل، مع الالتزام التدريجي بها.

أخبرنا ككاتب، ماهي الأفكار التي تدفعك لإكمال مشاريعك الكتابية غير المكتملة؟ وكيف تنهيها وتتعامل معها؟

كتابة وإعداد: إيمان السقاف

إشراف عام: أحمد قربان

لقراءة الأعداد السابقة من النشرة:

للإعلانات:

[email protected]