"تقدير الذات" سبباً للهشاشة النفسية 🥺 و"فن اللامبالاة" معيبة نفسية! | نشرة أصباح وأمسية البريدية - العدد #7

لا زلت أتذكر بداية انتشار البرمجة العصبية عن التنمية البشرية وازدياد شعبيتها بشكلٍ عجيب، كان هدفها تصيير المستحيلات إلى وقائع، وتحويل الضعف إلى قوة، والفقر إلى غنى، بادعاء أن لها أُسساً علمية (تم ربطها ببعض مفاهيم علم النفس)، عيبها أنها كانت في معظم الأحيان مطالب متطرفة النتائج بشكل تعجيزي، لكن تنميقها من قبل مدربيها كفيل بأن يطلق في بطنك سيل من الفراشات المرفرفة 🦋، وفيها تقريع وتحذير إذا عجزت أوتراخيت في تحقيق نجاحك!

بيعت الكتب في دُرجة وقتها، وأقيمت الدورات التدريبية، كيف تصبح ناجحاً؟ وكيف تدير وقتك؟ وكيف تعيش غنياً؟ إلى أن تململ الناس وضجروا فتركوها بشكلها الكلاسيكي الذي عُرفت به. تبعها بعد ذلك العديد من المفاهيم الجدلية الناتجة عن الحركات الغربية لتطوير النفس تارة وتحميلها العواقب تارة أخرى، واليوم استقرت عند علوم الطاقة والفلسفات الوثنية الشرقية، كيف تجذب المال والنجاح والرزق إلى حياتك!(والأخيرة ليست حديثنا اليوم فالموضوع فيها يطول).

كم مرة سمعت هذه العبارات؟  "حب نفسك، ارفق بنفسك، كن لنفسك كل شيء، فأنت تستحق "إلى أي درجة ترى هذه العبارات مألوفة؟! ماذا عن مصداقيتها وفعاليتها وصحتها؟ الأثر الذي تتركه فيك؟ كيف تحب نفسك أصلاً؟ هل تكتفي بأكل ما لذ وطاب لك (حتى لو كان مضراً بصحتك)؟ هل تسافر وتجوب العالم لكنك تحتاج ميزانية! بعض الاستقلالية، وربما الكثير من الوقت، ماذا لو لم تمتلك كل ذلك؟ ألن تستطيع أن تحب نفسك؟

أما في إطار العلاقات فلا أقوى ممن ينصحك بـ"اعتزل ما يؤذيك"!

هل يكفي أن تقطع علاقاتك التي تؤذيك؟ ماذا لو كان الذي يؤذيك والداك؟ يكثران من تقريعك ونقدك ولومك، أو زوجتك تكثر من التذمر والتطلب؟! أو ربما أطفالك أو إخوتك؟

ولا يمكنني أن أذكر العلاقات دون أن أتطرق لدُرجة اليوم اللي بات يستهلكها الشباب بشغف وإقبال أكثر من شرب الماء والقهوة: فن اللامبالاة! سمعت عنوان هذا الكتاب مؤخراً أكثر من اسمي! في السوشال الميديا وتطبيقات الكتب المدفوعة، وفي الإعلانات ومجموعات منصات التواصل المعنية بالقراءة! ولا أكذبك القول بأني قرأت الكتاب وغصت فيه، ولكن عنوان الكتاب بحاله يثير في عقلي الكثير من التساؤلات التي جرجرتها مسبقاً إلى سطح تفكيري: دعوى الفردانية في الحياة والعيش حول نفسك، وأن تعتزل ما يؤذيك، وكن لنفسك كل شيء .. إلخ 

أعلم أني -حتى الآن- أسرد لك تصوراتي الخاصة وأرسمها بعيني وتجربتي الشخصية، وربما من هذا المنطلق لك الأحقية في الاعتراض والنقد والجدال، لكن :

ماذا يقول علم النفس عن حقيقة هذه المفردات؟ وهل هذه دعاوٍ صحية نفسياً واجتماعياً فعلاً؟

تقدير الذات وحب النفس :

في إحدى حلقات بودكاست سكينة مع د.خالد الجابر- استشاري طب الأسرة والعلاج النفسي- بعنوان هل تعرف نفسك، تحدث د.الجابر عن علم النفس الإسلامي، ليخبرنا بحقيقة مصطلح حب النفس وتقدير الذات وهي أنها سبباً للهشاشة النفسية! حيث أن حب النفس ماهي إلا نتيجة متطرفة عن دعوى غربية لحركة الكنيسة، والتي نادت إلى تكبيد النفس العناء والخضوع وقبول العذاب من الغير للتطهر من الذنوب، نتجت عنها حركة مضادة متطرفة في الدعوى إلى حب الذات وتقديرها ورفع استحقاقها. "والحقيقة أن هذا التعامل مع الذات ماهو إلا طريق مثالي لجعلها هشة رخوة غير قابلة للصمود أمام طبيعة الحياة، وهكذا تصير غير قادر على التحمل، وتنتج نفسيات تطلب ولا تعطي، تنكسر من أدنى إصابة ومن أصغر جرح، لأنها متعودة على الإشباع، التقدير، الاحترام، وهذا ليس علم نفس مفيد في رعاية الذات!"

أما عن اللامبالاة:

فقد تحدّث أنس أصيل - مؤسس "سوا" للعلاج النفسي- ماجستير في علم النفس الإيجابي بمدريد:"عندما نصل لمرحلة اللامبالاة فهو مؤشر غير صحي، إما يدل على اضطرابٍ نفسي، أو أنه دليل على أننا نطور ميكانيزم الدفاع عن النفس من الألم؛ فنعزل أنفسنا شعورياً بشكل لا إرادي لأن ليس لدينا القدرة على تحمل الألم ومواجهة الواقع، ليست اللامبالاة هي من تصنع إنساناً راضياً عن حياته! " 

لايمكنني استيعاب نِتاج الخليط الملغم من "حب الذات" و" اللامبالاة" ولايمكنني تفسيرها بغير الهروب من المواجهة، وقابلية التصدأ النفسي الذي لا يجعل منك شخصاً مؤهلاً للاستناد أو الاعتماد عليه، بالإضافة للتأكيد على عيش الفردانية والتمركز حولها قطعاً؛ وهكذا يتم سلب الإنسان حقيقته الاجتماعية!

كيف أتعامل مع ذاتي؟ 

من الصعب اختصار الإجابة، ولكن ملخصها وفقاً لعلم النفس الإسلامي: أن تعرفها، فترفق بها في المواقف التي تدعو للرفق وتردعها في مواطن الردع، وتظل تحافظ عليها وتزكيها وتجاهدها حتى تصل إلى مراحل الرضا المحمود.

أما بالنسبة لفن اللامبالاة فلا بأس باستبداله بفن المخالطة:

لا تصادق السام ولكن لا تقاطعه البتة، فأن تمتلك حصانة كافية للتعامل معه في إطار علاقتكما السطحية، جدير بتأهيلك وتحصينك ضد كل سُمّيةٍ في العلاقات التي قد تضطر للتعامل معها مستقبلاً!

🗃️ لقراءة الأعداد السابقة: