الـروح - العدد #52

في طيّات ذاكرتي، يطري علي جلستي مع جدتي في صيفيات أغسطس قبل عدة أعوام. على سفوح جبال السروات، في الدكة الخارجية لمنزلنا الصيفي، ننظر للسماء والمزن متلبدة في كبدها.. أكسر صمت التأمل وأقول «يا جدة بيجي مطر!» لترد بقلبٍ قد كساه الإيمان «عند الله كل خير». 

النفسُ الرقيقة

يصادف الغد 10 أكتوبر اليوم العالمي للصحة النفسية، ولو أن نشرتي ليست محلًا للاحتفاء بالأيام العالمية في العادة؛ إلا أنه يومٌ يستوقفني، فكل ما أكتب من تأملاتٍ ونقاشات تعرجُ بشكل أو آخر على الصحة النفسية. 

فـماذا يعني هذا اليوم؟ 

في رحلتي الحياتية، لم تكن الصحة النفسية أحد ركائزها الأساسية، هل هو تقصيرٌ من البيت أو المدرسة أو من وعيي الذاتي؟ لا أعلم. لكن الأكيد أنني وعيتُ على ضرورته، فمثلما تُسقم الأبدان، تتعب الأرواح، ولكلٍ داءٍ دواء. 

لا استطيع الجزم بمستوى وعي يصل للكمال، ولكن عندما بدأت بإدراك ضرورته نحو عيش نمط حياةٍ صحي -أو على الأقل المحاولة- لمست فرقًا واضحًا أثّر في جودة حياتي للأفضل. 

عندما نتحدث أنا وأنت عن الصحة النفسية ندرك تمامًا أننا لسنا اخصاء نفسيين، ونعي جهلنا في الأمور المعقدة التي تستلزم المشورة من أهل الخبرة. ولكن، لا يعني ذلك أن لا نقتبس من نوره ولو شراراتٍ صغيرة تُنير دروبنا. 

الصحة النفسية بالنسبة لي، تجلت عندما أوليت لمشاعري المساحة الكافية لـتكون أمام ناظري، حقيقة، مسموعة، مفهومة. ولم يتحقق ذلك لولا أن هداني الله للصدق مع ذاتي. أتذكر نشرتي «الغرور العدد #49»؟ ناقشت فيها مطولًا أن أغلب مشاكلنا تنبع من قلة الصدق مع ذواتنا. أن نترك الكبرياء/ الخوف على جنب، ونلمس الأفكار المرتعشة، والجروح المفتوحة، والمشاعر المرتبكة. أن نعي وندرك ونلمس مكنوننا قبل انتظار أي كائنٍ من كان، دون اللوم أو تأنيب الضمير. 

الوعي الذاتي 3>

«إنَّ لربِّكَ عليك حقًّا، وإنَّ لِنَفسكَ عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ» - الصحابي سلمان الفارسي -رضي الله عنه-.

هذه الروح الرهيفة تحتاج الرعاية، ومثلما نهتم بأغلى الأشخاص، يتعين علينا رعاية ذواتنا. فلا يقتصر الأمر على فهم المشاعر، ولكن تهذيبها والسيطرة على حدتها، بل حتى الوقاية من تبعاتها -قدر الاستطاعة-. وتتعدد سُبل العناية بصحتنا النفسية ولكنها تُجمع على:

- ضرورة الرياضة فـ «الحركة بركة».

- التغذية الجيدة والنوم الجيد «النوم سلطان».

- ممارسة نشاطات للاسترخاء، كتحديد وقت للقراءة والتنزه.

- تحديد أهداف حياتية على المدى القصير والطويل.

- تعلم الامتنان، وهو بــــــــــــــــاب في حسن الظن بالله والتوكل عليه. 

«لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا» البقرة، الآية 286 

هذه الآية إشارة صريحة للطف الله بنا ورعايته، ولكنها كذلك تحمل زاويةً أخرى تُذكر.. فما هي؟ 

لا يكلف الله النفس هذه التحديات والامتحانات لمجرد التكليف، ولكنها سبيل لصقل هذه الشخصية، والسمو برفقتها في مدارات الحياة. ومهما بدأت الهموم والغموم قاسية وثقيلة، ينقذنا منها حسن الظن بالله، واليسر مع العسر، والفرج بعد الضيق.

«وكّل أمرك للكريم ويسمح أمرك..كلما دكّت على بالك روابـــــــــــــــع..

وافرد همومك على سجّات صدرك..لا تضيقها وحلم الله واســـــــــــــــع» -المرحوم مساعد الرشيدي

ختامًا، تذكّر مهما اشتدت فأنت لست وحدك، وللكل نصيبُ الأسد من المعاناة. وإن ضاقت بك لا تتردد في طلب المساعدة، فـ روحك وإن بدت لك مُثقلة ستجد خفتها بعد التعافي. 

لك عادة زرعت في صحتك النفسية أثرًا طيبًا؟ شاركني بالتعليق على النشرة أو الرد على الإيميل.

كاتبتكم المعهودة التي ترجو لكم حياةً مكسوةً بالطمأنينة: عهد🌷

*إذا اعجبتك هذه النشرة أطّلع على أخواتها السابقات (:

يقين الـ🕊️ - العدد #43 - نشرة نَجوى عهد | هدهد

التفكّر - العدد #33 - نشرة نَجوى عهد | هدهد