التفكّر - العدد #34 |
بواسطة عهد • #العدد 33 • عرض في المتصفح |
عن مدّ النظر في الحياة 3>
|
|
يطري على بالي قبل عدة أيام الجنة التي يعيش فيها أهل الدول الإسكندفانية، وأتخيل لو كنت هناك اتنعم في الجو العليل والمنظر الجليل، ثم أخذت أفكر كيف أنه منظر بديع لا يراه قلب مؤمن لطمع في الجنة وتسائل عنها، هذا التأمل الذي يدفع للتساؤل عما حولنا، والتفكّر فطرة إنسانية بل حتى نهجٌ نبوي؛ فـيتيح لك الغوص في أعماق الحقائق. |
![]() *التأمل* |
تأمل الرُسل |
دائمًا استذكر قصة توحيد نبي الله إبراهيم عليه السلام، ويقشعر جسمي كلما طرت علي. علِم إبراهيم في قرارة نفسه أن الصنم التي يقدسها قومها باطلة، لم يعرف حينها الوجهة الأوحد والأحق بالعبادة، لكنه أعطى نفسه المساحة للتفكر فيما وجد عليه أبوه وجده. ثم حين أيقن اليقين التام بعبثيتها، رحل يبحث عن السر وراء هذا الكون الشاسع، القدرة الهائلة التي تسع الدنيا بما حملت. وربما أكثر ما كان لافتًا في قصة إبراهيم عليه السلام ترويه في الأمور قبل قطع الشك باليقين.. فكيف غير التأمل والتفكر حياته؟ |
رحلة البحث عن الحقيقة مضنية، خصوصًا إن لم يكن للقلب مرساة تثبته، خرج إبراهيم يبحث عن شيء لا يعلمه، لكنه يدرك أهمية المعرفة ولو كان يجهل الطريق. سرى في دجى الليل ليرى كوكبًا بعيد المنال، تأمل حجمه وبُعده ثم قال ﴿هَذَا رَبِّي﴾ لكن لأن التأني صفته، تأمل ربه المزعوم ليراه يرحل، ففكر في قرارة نفسه بكيف يرحل الرب؟ ليقول ﴿لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ﴾. رحل الكوكب وبزغ القمر، بنوره وجماله، فتأمله بدوره وتكررت الكرّة ﴿فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾. لم يلقى سيدنا إجابته، وطالت الليلة ولكن زاد عزمه، من خلق الكوكب والقمر ثم أمرهم بالرحيل؟ لتشرق الشمس بنورها، مشعةً تملئ أركان الأرض نورًا ﴿فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ﴾ ولكن الشمس كالقمر، راحلة! ليدرك حينها أن ربه باقيٍ لا يرحل، هو الذي يسخر الكواكب والنجوم والشمس، كلها تحت أمره ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾. |
ولم يكن إبراهيم عليه السلام الوحيد الذي أدرك أهمية التفكّر، بل لنا في رسولنا صلّ الله عليه وسلم مثال، قبل أن يأتيه الوحي كان يعتكف في غار حراء، بقعة صغيرة بالكاد تكفي تأملاته الكونية في كل زاويةٍ في حياته، حتى اتته أخيرًا الإجابة في ذات المكان، وفي ظلمات الحوت جلس يونس عليه السلام مع نفسه جلسة تأملٍ في حاله ووضعه ليدرك خطأه ويسبح ربه. |
مدّ النظر |
لا يقصد في التأمل الجلسة الهادئة بجوار شمعةٍ عطرية وهمهمة متتالية، ولكن يُقصد نظرةٌ شموليةً أكثر. منّ علينا بالإيمان وهذه مرساة تثبت القلوب، لكن عدم التأمل في هذا الإيمان ودوافعه يُضعف المرساة ولو كانت من حجر. والتدبر منهجٌ رباني، ولو استذكرت قصص الرسل لرأيتهم يحثون أقوامهم على التأمل، سواءً في أنفسهم وحسن خلق الخالق، أو في حال الكون وكيف خُلِق، أو في حال ممن سبقهم بالمعصية حتى ولو كانوا آبائهم وآجدادهم. |
والتأمل في أمورنا وأحوالنا وتصرفاتنا ودنيانا يجعلنا أكثر يقظة، فالذي رفع السماء بغير عمد قادرٌ لا محالة أن يرفع الهم ولو استحال، ومن أبدع في رسم ألوان الغروب، تمتزج بعذوبةٍ في السماء كلوحةٍ رسمت تفاصيلها بتأني قادرٌ على جعل أقدارنا أجمل مما نرجو. فالتفكّر بتأني كلما سنحت الفرصة يسقيك عذوبة الإيمان الخالص، ويغذي امتنانك لله وشكره، ويدفع بصيرتك لترى الأمور كما هي، وتقيمها تقييمًا واضحًا راسخًا لا يتأثر بكل موجةٍ تمره وتميله. و«تقييم الأمور» عملية تأتي بتهذيب الذات علي التأني قبل قطع الأحكام، تستلزم التفكّر في كل جانب. هذا التقييم والتأمل اللذان يحميك من الوقوع في شباك زيف ومبالغات الشيطان، وخطر الإمعة والقطيع، بشكل ٍ أبسط وتافه تأمل «الترند وهباته» تلك التي تمس الفكر والروح والعقيدة، هل حقًا كان توفيقي نتاج تردداتي مع الكون أم أن الله وفقني وسخرني وسخر لي؟ هل حقًا اعاني من جروح الطفولة التي تمنعني من التقدم أم أنني في روايةٍ أخرى جبان/كسول؟ والقائمة تطول وتساؤلات المتأمل في ذاته وحياته وتدوم. |
ختامًا، التأمل والتدبر عادةٌ لنفسك الحق أن تنتهجها(: |
تصلكم هذه النشرة ورمضان على الأبواب، جعلنا الله وإياكم من صوامه وقوامه، وكل عام وأنتم بخير🌙 |
كاتبتكم المعهودة التي لا تفوت فرصة التأمل في السماء والأرض وما بينهما: عهد🌷 |
التعليقات