الـخمسـون - العدد #50

14 أغسطس 2025 بواسطة عهد #العدد 50 عرض في المتصفح
«إني حان إبحاري»

أكتب هذه النشرة وعلى بالي مطلع قصيدة (حديقة الغروب) للراحل غازي القصيبي -رحمه الله- 

«خمسٌ وستُونَ في أجفان إعصارِ.. أما سئمتَ ارتحالًا أيّها الساري؟»

خمسون حلقة.. وجِبت الاستراحة

قبل عشرة نشرات احتفلت مبكرًا بالوصول لأربعين نشرة متنفس؛ فلم تكن المواضيع التحدي، بل كانت الاستمرارية ندّي. واليوم، أكمل ما يقارب الثمانية أشهر من الكتابة والنشر المستمرين منذ انقطاعي عن البدايات، واتسائل بهمسٍ في داخلي «هل حانت الاستراحة؟»

والحقيقة، أن نشرتي غيّرت فيني؛ فمعها أصبحت مُطلعةً أكثر، وباحثةً أدق، والمستمتعة الأولى بها، وعلى بالي نصيحة المؤلف ويليام زينسر وهو يوصي الكتّاب «بأن تكون أنت جمهورك».. فما الغرض من الكتابة إن لم تعجبني أنا؟ وكيف تثري إن لم أكون فيها صادقة مع نفسي والآخرين؟ ولم أعوّل على عدد القارئين بقدر تعويلي على فائدة ملموسة ولو لقارئٍ واحد.. فالأثر الطيب وإن صغر يظل أثرًا يحتفى به.

توفيت قبل عدة أيام أحد الزميلات اللاتي تعرفت عليهن في عالم كتابة المحتوى على إكس، وقد جمعتني معها مشاريع وفرص وتقاطعات لمست فيها إخلاصها وموهبتها، وحال معرفتي بالخبر عُدت اتصفح حسابها بنظرةٍ مختلفة، نظرة التي رحلت ولم يبقَ منها سوى ما خطّت من حروف، وشاركت من نهل معرفتها.. وعلّ هذا ما أثر فيني بعمق. وجدت بقايا أفكار إنسانةٍ واعدة، شيءٌ من روحها وهُويتها -عسى أن يتغمدها الله في واسع رحمته ويعوضها بالجنة- لـتثير تساؤل من الأعماق: 

أي أثرٍ سأترك أنا؟

الإبحار

الإبحار

«وفيك انطوى العالم الأكبر» 

رمتني أمواج الحياة المتقلبة في ركبٍ من الرتابة والملل، أليس هذا ما تؤول إليه حياتنا التي تفتقر للمعاني والتفاصيل الصغيرة والعيش بعفويةٍ وامتنانٍ للحظة؟.. صعدنا مراكبها وانخرطنا في أنفسنا ومشاكلنا للقدر الذي أنسانا حقيقة ادوارنا. 

يقول صلّ الله عليه وسلم «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها.» أن تساهم ولو بقدر فسيلة، والفسيلة هي النبات الصغيرة التي تقلع من الأم لتغرس من جديد. أن يكون لك دورًا قيمًا يفوق أي مردودٍ مادي ولو في عينك صغر. إن الأثر ليس مختزلًا في بيتٍ يورثه الأب لابنائه، أو تربيةً صالحة ينشأ عليها الصغار، ولكنه مفهوم يصل لكل أطراف الحياة ولكل الناس مهما علت شؤونهم أو جُهِلت، فتظلم نفسك لو انتظرت ذلك المنصب القيادي لتغير وتحدّث وتؤثر؛ فكل النتائج العظيمة في الحياة بدأت عبر مبادرات صغيرة، ولفتاتٍ لطيفة. 

اسأل نفسي «أي أثرٍ سأترك أنا؟» واظلمها ما أن ظننت أن الأثر لابد أن يكون عظيم، والأحرى أن اعلمها أن الكلمة الطيبة التي تترك في النفس بصمة وتنير في العقل فكرة أثرٌ طيب، أن أكظم الغيظ وأحفظ الود أثرٌ طيب، أن أسنّ سنةً حسنة في عملي كـإخلاصٍ في تأدية الأمانة وتكريم هذه النعمة بتقدريها حق تقدير أثرٌ طيب، أن أنثر فتات الخبز للطيور أثرٌ طيب، أن أعدّ العشاء لوالداي ما أن يحين الليل أثرٌ طيب، أن أترك المكان أفضل مما كان أثرٌ طيب، أن أنصح من أحب نصيحة محبة أثرٌ طيب. أن اعلمها بأن كل فعلٍ وتصرف محمودان يعودانِ بالخير علي وعلى الآخرين أثرٌ يُذكر.

«لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طليق.»

المصطفى عليه السلام

 بدأت نشرتي وكان الهدف مجرد الكتابة، ثم تطورت لأعلم أن كل حرفٍ وكلمة أمانة، وإن لم يحمل ذاك العدد قيمة فلا يجب أن يحمل خطيئة.. إدراك تجلى من منطلق أن الرحيل سنّة، والكلمات تُخلّد لا تموت.

ختامًا، تذكر أنه لطالما تعيش وتتنفس فـ لك وجود ثمين في دائرة حياتك، وأثرٌ ملموس احرص أن يكون طيبًا. وكما قال أحمد شوقي «فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها... فالذكر للإنسان عمر ثانِ.»

لا أقول وداعًا، ولكن حانت الاستراحة لبرهــة..

إن أحسنت في الخمسين نشرة فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان. 

كاتبكم المعهودة بخالص الود والمحبة: عهد🌷

*إذا أعجبتك هذه النشرة أطّلع على أخواتها السابقات(:

العودُ الأحمدُ - العدد #23 - نشرة نَجوى عهد | هدهد

ماذا لو عدت معتذرة؟
gohodhod.com

الـغرور - العدد #49 - نشرة نَجوى عهد | هدهد

نشرة تحتاجها
gohodhod.com
أروى عبد السميع1 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة نَجوى عهد

نشرة نَجوى عهد

نشرة خميسية تضم تأملاتي الذاتية والكونية وحتى التهكمية!

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة نَجوى عهد