دِربيل - العدد #56 |
| 6 نوفمبر 2025 • بواسطة عهد • #العدد 56 • عرض في المتصفح |
|
تقدر تبرمج عقلك؟
|
|
|
|
في صغري كنت دومًا أصحو مبكرًا مع والدتي وهي تُعدّ إفطار إخوتي للمدرسة، وعندما يغادر الجميع كنت أعود معها لنقيّل سويًا. وكلما أهمّ في النوم كانت زقزقة العصفورة تؤرقني، فاسأل ببراءة «ليش صوت العصفورة كذا؟» لترد ببراءة تفوقني «تنادي أطفالها اللي سرحوا للمدرسة». |
منظور |
|
«الإطار الأكبر، ما خلف السطور، ما وراء الصورة..إلخ» كلها مصطلحات تُشير إلى تفاصيل الأمور والأسرار الخفية، والزوايا المختلفة التي لم تلمس دفئ النور بعد. فالمكان الذي يلجأ إليه والدك مثلًا في نهاية الأسبوع، ليس مجرّد مكان، بل بقعة هادئة يرتاح فيه من «الصجّة». والمقهى الذي يرتاده صديقك دائمًا ليس مجرد مقهى، إنما مكان يساعده في التفكير والعمل. والطبق الذي تعدّه والدتك باستمرار، ليس لمجرد الطهي، إنما طبقٌ دافئ يجمع اسرتها دومًا حول السفرة. والمسلسل الذي لا تبرح عن إعادة مشاهدته مرةً تلو الأخرى ليس لذاته بل لذكرياته. |
|
كل اللحظات وكل العادات، لها منابع من القلب والعقل، نختارها ونميلُ نحوها لأنها تلمس شيئًا خفيًا في دواخلنا.. لكن السؤال هو: |
|
هل نحن بهذا التسامح تجاه حيواتنا؟ بمعنى.. عندما يحدث لنا موقف ما هل نطلق الحكم مباشرة أم نتروى ونتمهل لنرى الزوايا الخفية؟ |
الاستشكاف! |
التروي |
|
أذكر أستاذة الدين بالخير، التي شرحت لنا مرة عن نظرية «الكأس الممتلئ ونصفه الفارغ» مشيرةً إلى وجوب رؤية الأمور الجميلة عوضًا عن السيئة. المثير أنني كنت لئيمة وأقول «بس النص الفارغ ليش فارغ؟! يناديني أركز عليه أكثر من المليان». وبغض النظر عن نسختي المراهقة، إلا عن هذا النظرية هي أبسط مثال حي على قدرة الناس في التعاطي مع أمور حياتهم. |
|
على قدرة مرونة الشخص في تقبل المعطيات، وليس التقبل لوحده بل حتى تقييم الأمور يساعده بأن يستمر في حياته، ويقوي عزومه، والأكيد أنه يغلب شيطانه. وأبليس عمومًا يسعى دومًا إلى تعظيم المفقود. هل مرت عليك تلك الصورة لأربع أشخاص، الأول يمشي على قدميه ويغبط راعي الدراجة، وراعي الدراجة ينظر بحزن لراعي السيارة، وصاحب السيارة ينظر بحسد راعي الطيارة. المفاد، أن الإنسان سيبحث عما ليس عنده، عوضًا عن الامتنان لما عنده. |
|
المسألة ليست مثالية أو إيجابية زائفة، بل أنها تكمن في تهذيب الذات وتأنيبها على القناعة والرضا، وهذا على فكرة لا يتعارض مع طموحات الإنسان لحياةٍ أفضل. قد أملك سيارةً اليوم وأكون حامدة وشاكرة، ولكن هذا لا يعني حسن ظني أن امتلك سيارةً فارهة يومًا. الجانب الممتلئ من الكأس لا يتعارض مع رغبتي في ملىء الفارغ .. فهمت علي؟ |
برمجة العقل |
|
تحدثت في أحد النشرات السابقة عن مفهوم «برمجة العقل» وهو مفهوم يُعامل العقل بكونه جهاز له مدخلات ومخرجات، وعملية التهذيب التي نتحدث عنها دائمًا، هي ببساطة رعاية تلك المدخلات وفلترتها باستمرار. وأن يحكّم الشخص عقله وأفكاره وهواه وليس العكس. |
|
كيف ممكن أبدأ هذه الرحلة الشيقة؟ |
|
- عوّد نفسك على تغيير منظورك، كلما حلّ بك موقف سيء وبدأت تلوم الحظ والحياة والأقدار، توقف فورًا وأذكر نقطة إيجابية واحدة. مثل أن تتعطل سيارتك وتقول «بس الحمدلله أنا بخير» أو تطلب وجبة معينة ويُلغى طلبك وتقول «الحمدلله على كل حال كان ممكن أتسمم». الخــيـــرة بحد ذاتها مفهوم شاسع ورائع وسبّاق في مجال البرمجة والإيجابية وغيره. هي الإيمان المطلق الواثق الراضي القانع أن ما حدث كان بأمرٍ من الله، أنا اجتهدت وعملت بالأسباب ولكن هكذا آلت الأمور. وللوصول إلى هذا المفهوم ينطلق من التهذيب على تغيير الزاوية حتى يصبح الأمر تلقائيًا. لشرح اعمق.. |
|
- أوقف الأسطوانة المشروخة، لا يستطيع الشخص التحكّم بالكامل في أفكاره وقناعاته السلبية، وأراه ضرب من الجنون أن يقول لي أحد «لا تفكرين بسلبية» لكن الموضوع غالبًا تلقائي وإلا ما يحدث، ولكن السؤال كيف أضع له حدود؟ أبسط الحلول، كلما فكّرت بفكرة سلبية، مخيفة، مقلقة أنبه نفسي على الفور عبر نشاطٍ جسدي. لاحظت أنك غرقت في فكرة سلبية فجأة، قِف على قدميك، طقطق أصابعك، امش، استغفر، تحدث بصوتٍ مسموع. وعمومًا قد غطا ديننا الحنيف هذه الفكرة، حيث أمر الرسول صلّ الله عليه وسلم بالتعوذ من الشيطان، الوضوء، تغيير الجلسة، الخروج من المكان. كلها في السبيل التأني والتروي. |
|
- توكّل على ملك الملوك، تزمتنا تجاه وجهةٍ معينة غالبًا ما يكون لتمكسنا بما نعرف وما تخزن في عقولنا، ولكن الصحيح أن الحياة شــــــــــاســــــــــعــــــــــــة وأكبر من ظنوننا. وصادق التوكل يزيح عن الصدور الحِمل الأكبر ويذكر الإنسان بما هو تحت يده ليعمل بالأسباب ويترك النتائج على الخالق. |
|
ختامًا، تهذيب الأطباع موضوع قيّم ولا مانع في ذكر جوانبه المختلفة من حينٍ إلى آخر. وليس مهم أن نكون إيجابين ومتفائلين 24/7 ولكن الحياة أقصر من أن تُقضى في النوح والتأنيب والخوف والقلق. واستذكر البيت الذي يقول «ما يزيد في العمر مدح الحياة وذمها» مشيرًا إلا أن النتيجة واحدة ولكن الانسان من يختار كيف تكون الرحلة. |
|
تشاركني في نشرة اليوم وفلسفتها؟ شاركني رأيك بالتعليق على النشرة أو الرد على الإيميل. |
|
كاتبتكم المعهودة اللي ترجو تهكير عقلها وعواطفها: عهد🌷 |
|
*إذا اعجبتك هذه النشرة أطّلع على أخواتها السابقات (: |
موعد غرامي- العدد #32 - نشرة نَجوى عهد | هدهد
بلا خوف! بنلتقي..
gohodhod.com
|
التفكّر - العدد #33 - نشرة نَجوى عهد | هدهد
عن مدّ النظر في الحياة 3>
gohodhod.com
|



التعليقات