موعد غرامي- العدد #32

بواسطة عهد #العدد 32 عرض في المتصفح
بلا خوف! بنلتقي..

نشرة جديدة بحلةٍ مختلفة، إذ نجري مقابلة هامة مع أحد الضيوف الأهم في العالم!

خطوات صغيرة

مثلما تكبر أجسادنا، وتطول قامتنا، ويشتد عودنا، ويفصح لساننا؛ تكبر وتنمو وتزدهر المشاعر. وعلى قدر ما نركز على الحب والسعادة والملذات على قدر ما نغفل عن المشاعر التي تطغى في الظلام، بل ونقاومها كلما سنحت الفرصة.. ليه لا؟ فلما نعكر الصفو بلا حاجة ونتوقف عن تخدير ذاتنا بالأوهام؟!

ضيف النشرة هو الخوف، الشعور الذي يمتص الحياة ليترك الجسد بلا روح، الشعور الذي ينمو مثلما ننمو، ويتغذى مثلما نفعل. الخوف الذي يؤرق الأعين، ويُغبش البصائر، ويدفع الإنسان نحو الحافة، ويبين من خلاله المعدن الأصيل من الرديء. لكن أي جرأةٍ اليوم تدفعني نحوه؟ 

كيف بدأ الخوف؟

أذكر تغريدة ساخرة مرت علي لرجلٍ يضحك على رغبة الأطفال بالموت، فكلما تُرك الطفل دون رقابة اندفع نحو الشرفة، أو انطلق للموقد في المطبخ، أو سقط من على السرير، أو أدخل أصبعه في فتحة الكهرباء، أو حتى اتجه نحو أقرب أداةٍ حادة. وأردف القول أن هذه هي الفطرة الطبيعية، فالأطفال يدركون مأساة هذه الحياة التي لم يختاروها. وعلى قدر زاويته المظلمة ونظرته الكئيبة، فلتصرفات الأطفال هذه وجهة نظر مغايرة، فهم ليسوا بهذه الدرامية على أي حال، بل العكس تمام. الأطفال أشجع المخلوقات على الإطلاق، فجهلهم وقلة معرفتهم وخبرتهم الحياتية تعطيهم الشجاعة اللازمة لخوض ما يريدون-بغض النظر عن صحة وسلامة هذه الإرادة-. 

لكن متى يبدأ الخوف يعتريهم؟ بالضبظ مثلما تفكر، عندما يبدئون بالتمييز، وغالبًا وبنسبةٍ عالية يبدأ خوفهم من خوف أبائهم، فالطفل سيلمس الحشرات بدافع الفضول حتى تصرخ والدته اشمئزازًا ليتعلم حينها الخوف الأول: الحشرات. وسيركض في المطر لا مباليًا حتى يعلو صوت والده بالحذر من الانزلاق، ليبدأ خوفٌ آخر، وهكذا تكبر المخاوف.. لكن الذي لم نتعلمه هو كيفية التعامل مع هذه المخاوف دونما أن نفقد لذة الحياة والمغامرة. 

*لقاء غرامي مع مخاوفي*

*لقاء غرامي مع مخاوفي*

بالهــــــــــــــــــــــــداوة

أستطيع بصراحة أن أقول أن الخوف في حياتي كالظل يلازمني، ولكن اختلف هذا الرفيق على مر السنين، تعدد وتنوع وكبر معي.. لكن وصلت إلى نقطة البأس من هذا الخوي (الرفيق)، وبدأت محاولاتي البائسة أكثر مني للتخلص منه، نعم بائسة أكثر مني لأن الخوف مثل الأمان والسعادة والفرح والحزن.. موجود وباقي ويتمدد.

وعندما وصلت لهذا الإدراك لمست شيئًا من الراحة، فلأول مرة أفهمه، وأفهم غايته ووجوده. 

قد تعرف مسبقًا أن الخوف يمنعك من المخاطر، هذه هي الغاية، ببساطة. ورغم أن المخاطر هذه قد تكون مبنية على افتراضات عقولنا الوهمية وتفكيرنا الزائد المدمر إلا أن هذا هو مقصد الخوف، حمايتك قدر الاستطاعة؛ ومجرد إدراكك هذا يغير الموازين في حياتك، ويتيح لك أن تستريح من جدالٍ مع الذات مرهق. وليست الحماية فقط المقصد، بل بوجود هذا الخوف تدرك قيمة الأمان، مثلما يعلمنا الحزن قيمة السعادة. 

وبعد هدنة السلام هذه، انتقلت بدوري لمفهوم واسع يحتضن مخاوفي، وهو تقسيم المخاوف وفقًا لواقعيتها.. فالمخاوف نوعين لا ثالث لهما، مخاوف لك فيها يد وحيلة، ومخاوف خارج إرادتك وإدارتك. أخاف السمنة؟ إذن يمكنني اتباع نظام صحي جديد، أخاف الرسوب؟ إذن يمكنني المذاكرة. لكن أخاف أن يكرهني فلان.. وأخاف من الناس.. وأخاف أن يظن فيني كذا وكذا.. كلها مخاوف ليس لك حيلة لتغييرها. ووعيك لما يمكنك تغييره من عدمه يقطع لك شوطًا كبيرًا في التعامل مع مخاوفك وفق جديتها، ويعطيك خيار تجاهلها على طبقٍ من ذهب. 

وعلى العموم، هذا النهج ليس ختمًا دائمًا؛ بل تذكيرًا مستمرًا. فالخوف على الدوام موجود والتذكير والتهذيب لابد لهما الاستمرار كذلك.

النزال الحامي

في بداية النشرة ذكرت أنها مقابلة، والمقابلة في سياقنا اليوم افتراضية والمقصود حقًا هو مواجهتك أنت لمخاوفك. لا أعلم عن صحة الفكرة ولكنها تجدي نفعًا مع الكثير، فالخوف من المرتفعات لا يُعالج إلا بالصعود للقمة مثلًا. في أحد الفترات حاصرتني مخاوفي، عشرة على واحد، هذا الواحد المسكين هو أنا، وسلاحي لم يكن أبيضًا أو أسودًا، بل كان كالبحر أزرقًا؛ إذ حاولت أن أغمر هذه المخاوف وأغرقها لأتركها في سبات عميق، لكنني لم أعرف أنها في هذا الظلام تنمو وتتغذى، والمواجهة بالتأكيد.. حلٌ حتمي.

وعندما ضاقت بي السبل، فعلت ما فعله ألف كاتبٍ من قبلي-وحتى غير الكُتّاب- وأخذت اتقيأ على الورق كل ذلك السواد، أخاف كذا وكذا وكذا، ثم خاطبت خوفي كما لو أنه كيان عني منفصل، وبصيغة حادة ومباشرة استخدمت «أنت». ولكل خوف طرحته واجهته بالحقيقة والمنطق، فلما أخاف الفشل والوقوف بعد السقوط فِطرة؟ ولما أفترض الخطأ والواقع كله صواب؟ 

ليلةٌ قاسية، وورقةٌ صامدة، والأكيد أن الورقة والقلم والإصرار على المواجهة ساعدوني لأزيل الغمام عن قلبي، وساعدوا الخوف لتتلاشى هالته المدمرة. وتعرفت لأول مرة على الطريقة الصحيحة لأتعامل مع خوفي بمنطقية تجلسه في محله ولا تضرني، وتعطيه حقه ولا تظلمني.

ختامًا، الخوف شعورٌ موجود وربما حتى فطري، ومحاولاتك لإزالته محاولات بائسة، ولكن تعلمك لكيفية التعامل معه والتجاوب له والطبطة عليه تؤثر إيجابيًا لا محالة على جودة حياتك ومعاركك الداخلية.

هذه تجربة خاصة ليست بالضرورة صحيحة أو خاطئة، ولكنني -كما تعلمون من عشرتنا- لا أنفك عن مشاركتكم هواجيسي وتأملاتي.. ويا لها من علاقة! 

إن كنت من الأشخاص الذي واجه -ويواجه- مخاوفه وله تجربته الشخصية بادلني أطراف الحديث: 

هنا

x.com

مرجع متواضع وبسيط للاستزادة حول كيفية التعامل مع اللقاء الغرامي: 

TikTok - How to dissolve fear

vt.tiktok.com

كاتبتكم المعهودة التي تخفف حدة مشاعرها وتسميها «موعد غرامي»: عهد🌷

مشاركة
نشرة نَجوى عهد

نشرة نَجوى عهد

نَجوى عهد، نشرة بريدية اسبوعية اشارككم فيها افكاري وتأملاتي وحتى هواجيسي التي ملّت حبس مذكراتي. جسرًا بيننا تغرّد فيه افكاري بحرية!

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة نَجوى عهد