العودُ الأحمدُ - العدد #23 |
بواسطة عهد • #العدد 23 • عرض في المتصفح |
ماذا لو عدت معتذرة؟
|
|
أعود بعد انقطاع كمطرِ الرياض بعد الجفاف، ويدفعني هذا الإدراك للتساؤل عما إذا كانت حالاتي الكتابية موسمية كذلك؟! |
أعود على استحياء، عودة المقصرِ بعد تقصيره، والخجول بعد جراءته. تعود بي أفكاري وهواجيسي وأوقات فراغي الطويلة، وعلى رأسهم الحنين للكتابة لأثنين وثلاثة وربما لـ ٦٣ مشتركة ومشترك! |
أشعر أن في الجعبة ما يستحق الطرح، وأعتقد أن ذاتي نفسها أشتاقت أن تعري أفكاري أمام نفسي قبل أن يكون أمامكم، لطالما آمنت أن رغم معرفتنا بالأشياء والحقائق نظل نحتاج أن نكتبها بوضوح، أن ننطقها بعلو، أن تصل لعقولنا مرةً آخرى. |
الميدان يا حميدان |
كنت أظن نفسي-وصحيح أن بعض الظن إثم- شخصيةً تتكيف بسرعة مع المتغيرات، فبفضل صفاتي الواضحة، وثقتي الصريحة، وإقدامي المستمر لم أواجه صعوبات كبيرة. فالتعبير عن الذات بصورة واضحة أقوى أداة في التواصل المجتمعي الفعّال. لكن الحياة أكبر مما نظن، وكلما قلنا (نعرف) تؤكد مجددًا بدروسها أنه لازال ما يجب تعلمه، والتعلم رحلة حياتية مستمرة لا تنتهي أو تتلاشى طوال العمر. |
ولأن الحياة أوسع مما نظن دائمًا، وبالرغم من ثقتي الصريحة علمتني المواقف أنني لست أحسن الناس فيما يتعلق ببدء المحادثات الصغيرة، وأن عيوني تفضح نفسي الملوله، وأن ابتسامتي المتصنعة قد تفسد للود قضية عند إدارة الحوارات العقيمة. لم أكن لأتعرف على جانبي هذا لو لم تتحداني ميادين الحياة. فالميادين تسّن المهارات وتصقلها، وتمتحنها في دروبها -ولو كرهنا- فهي تؤكد على قوتها وفاعليتها، بل حتى وتتأكد من ألا تصدأ ابدًا. |
إن الميادين تقدم لنا الدروس بعكس ما علمتنا إياه والدتنا، فعندما تطبطب الأم على الخاطر، تضربك الميادين بالحقائق. وعندما تطول الأم بالها، تلسعك النتائج بضرورة اتخاذ القرارات. واخيرًا، بعد كم شوط تستنتج لما خلق الله خاصية «التكيف». |
أذكر أول مرة سمعت بالتكيف كان عن تكيف الأسماك في البيئات المائية المختلفة، وكان درس العلوم ذاك من أروع الدروس، ولو حظيت بمعلمةٍ درامية قليلًا لقالت لنا أن الإنسان يتحتم عليه التكيف، ولو لم نملك أجنحة للهجرة أو زعانف للسباحة، إلا أننا نملك قلوبًا فتية وعقولًا منيرة تساعدنا على الإقدام في خضم المتغيرات النفسية والبيئية. |
جموح النهايات |
تتملكني نظريةٌ جامحة تنص على أن النهاية لا تساوي التلاشي. هي نظريةٌ تعبانة في الصيغة لكن بليغة في المضمون. نحن نتنهي من شيء ونبدأ شيء آخر، تخيل حتى في الموت تبدأ حياةً مختلفة! هذا ما يدفعني نحو هذه النظرية، أن حتى الوفاة هي بداية لشطرٍ آخر من رحلة الإنسان. لذا فالنهايات دائمًا هي بداية جديدة، ومهما بدت النهاية في الأدبيات شاعرية وحزينة ودرامية، فهي مقدمة لما بعدها. |
من يعرفني، يعلم أن عامي هذا حافل بالأحداث، إذ وفقني الكريم إلى إنهاء جامعتي بدرجة البكالوريوس، فصلًا طويلًا من عمري أنتهى، دخلته بـالقدم اليمين وخرجت منه كيانًا ناضجًا طموحًا. وعندما أنطوى هذا الفصل الذي ظللت أنتظر نهايته، انتابني شيءٌ من القلق، والحيرة، والرتابة، وهواجيس جامحة تسأل «وبعدين؟». جامحة هذه الهواجيس لأنها تصيبني في الصميم، نهاية الجامعة ليست لامعة كما ظننت! هي بداية لمئات الخيارات المختلفة والمسارات المتنوعة والقرارات المهمة! أتشاطر مع صديقتي جرعات الهموم، ونتشارك أمنية «ليت فيه خريطة سحرية توجهنا». |
لكن مع بالغ الأسف لا توجد هذه الخريطة، ولا نملك سوى النزول للميدان مع حملٍ من المشاعر المختلطة والطموحات المنتظرة. وكيفما تقدِم علينا الصعوبات والمحطات سنجابهها فلا حل آخر غير المواجهة. |
لكن يظل السؤال: كيف أواجه؟ |
مرساة الإيمان |
أعامل الإيمان في قلبي كمرساةٍ تجابه أمواج حياتي العسيرة، والتوكل هو حيلة المؤمنين الوحيدة مع السعي في رحاب الحياة الشاسعة. لا نملك أمام جموح البدايات والقلق سوى الإيمان الواثق أن الأمور ستؤول كما قدّر الودود، والتكيف مع كل المتغيرات يبدأ وينتهي ويدور حول الثقة بالله أن القادم أجمل! |
أنهي النشرة بشعار المرحلة ببضعة أبياتٍ من العصر العباسي للشاعر بن وهيب الحميري قائلًا: |
«وإنِّي لأدعو اللهَ حتى كأنَّني |
أرى بجميل الظنِّ ما اللهُ فاعلُهْ |
أمُدُّ يدي في غير يأسٍ لعلَّه |
يجود على عاصٍ كمثلي يواصلُهْ |
وأقـرعُ أبـوابَ السماواتِ راجيًا |
عطاءَ كريمٍ قطُّ ما خابَ سائلُه |
ومنْ لي سوى الرحمن ربًا وسيّدًا |
ومن غيرُه أُبديهِ ما الغيرُ جاهلُهْ |
وهل لانكسار العبدِ إلاَّ وليـُّـهُ |
وقــد واربَ الأحــزانَ والهمُّ قاتلُهْ |
إذا سُـدَّتِ الأبوابُ ألقيتُ حاجتي |
إلى قاضيَ الحاجاتِ غُـرٌّ نوائلُهْ |
وإنْ جـارتِ الأحوالُ آوتْ مطيتي |
إلى ركنهِ فاستبْدَرتْها شمائلُه |
له الخيرُ، منه الخيرُ، والخيرُ كُلُّه |
إليه، بين يديه تزهو خمائلُــهْ». |
إلى اللقاء في نشرةٍ قريبة لا يخطفني فيها انشغالي وقسوة ميداني. |
كاتبتكم المعهودة ولو طولت الغيبات: عهد🌷 |
التعليقات