نشرة غيمة البريدية - «مفترق طرق🛣»

بواسطة هيا سليمان #العدد 13 عرض في المتصفح
"مَضَى شِرَاعي بِمَا لا تَشتهِي رِيحِي ...                                   وفَاتَنِي الفَجْرُ إذْ طالَتْ تَرَاوِيحِي"

وماذا عنكِ الآن؟ 

سؤال رافقني الأشهر الماضية، إذ احتلت هذه المقارنة أفكاري… وليست المقارنة بآخرين وإنما مقارنة ذاتي الآن وذاتي سابقًا أو بالأصح البحث عن جوانب جيدة من ذاتي سابقًا في ذاتي الآن.

كان منطلق هذا السؤال، في ليلة جميلة محملة بهواء بارد كان لقاء جميلًا منتظرًا لصديقات المرحلة الثانوية. ولابد مع مرور السنوات أن نتذكر الأوقات التي كنا فيها معًا في كل مرة ونتحدث عنها، فأتت الذكرى ضيفة وهذه المرة جاءتني ضيفة بهدية تحمل سؤالًا: (ماذا عنكِ الآن؟)

فأثناء استحضار الذكريات ذكرت صديقتي صفة مُبهجة فيني وأفعالًا اشتاقت لها، فصُدمت إذ أني أحمل لتلك الأيام بذكرياتي تصورًا آخر عن نفسي فأين هذه الصفة المُبهجة التي تحدثت عنها؟ فمن هنا بدأت أتساءل كيف نحن بذكريات الآخرين؟ كيف تؤثر أفكارنا و انطباعاتنا ومشاعرنا على رؤيتنا للأحداث وكذلك تذكرها؟ 

انطلقت من هذا للتأمل؛ إذ أن تلك الذكريات أهدتني مع السؤال تذكرة تنقل مابين الذكريات  نقلتني لما بعد مرحلة المدرسة وفي مرحلة الجامعة ومابعدها، كيف أتذكرها أنا؟ وكيف أراني وكيف يتذكرني من عبر في حياتي في تلك الأوقات؟ أم كان حضوري صغيرًا و امحى من الذكريات

وهل كان يمكن أن تكون  تلك المرحلة مختلفة تمامًا؟ إذ أتذكر بداياتها مع معظم أيامها كانت أيامًا باردة وحيدة كئيبة وكذلك ثقيلة أتمنى مرورها -عدا آخر سنتين- كنت بعيدة عن العالم أغوص في عوالم اخرى داخلي وأحاول التعرف عليّ مغيبة عن العالم متسائلة عنه أحيانًا وعني كثيرًا، وأعتقد أن ذلك الانغماس في الذات كان له أثر فيما بعد حين قررت أن أنظر للعالم ويزداد وعيي فيه وشهدت ذلك في محادثاتي مع نفسي وتعاملي معها. صحيح أنَّ مرحلتي حينها فرضت عليّ محاولة التعرف على ذاتي وكان الانغماس في العزلة والبُعد اختيارًا، ورغم تفهمي ومعرفتي بذلك إلا أنني أفكر بأفكاري الآن وذاتي الآن بعد مرور هذه السنوات هل لو غيرت بعض اختيارات صغيرة كان يمكن أن أضفي لأيامي رونقًا، وتفاصيلًا جميلة تحول تلك البرودة دفء، وذلك الجمود لحركة؟ و أستطيع أن أقول نعم بكل ثقة وسبب ذلك أن هذا حدث حين قررت كسر العزلة والبعد في آخر سنة ونصف فقد كانت أيامي حينها مختلفة جدًا وأجمل. وأعود لأسألني: «ماذا عنكِ الآن؟»

وأنا أحمل هذا السؤال بداخلي، فاجأتني أحد التطبيقات بتنبيه لصور التقطتها لـ«في مثل هذا اليوم  وهذا الأسبوع العام الماضي» وصُدمت وذُهلت! مَنْ هذه؟ أين هي الآن؟ 

ذهلت من جنون الاجتهاد في ذكريات تلك الفتاة، أسلوب معيشتها في ذلك الوقت وأيامها كانت مجتهدة اجتهادًا عظيمًا وقد نالت ما أرادت من ذلك الجهاد وبت أراني الآن تغيرت أطباعي في العمل في الدراسة وصرت بطيئة أو بالأصح فقدت حماستي ونشاطي، وبجزء آخر فقدت استمتاعي بلحظاتي الجميلة إذ بي لا يسعني أن استمتع بلحظة إلا وتفسد عليّ لأسباب كنت أعيشها حينها بداخلي؛ شيء كان يتنفس بصدري و قلق على عمل توقف وتأخر بغير إرادتي، فكان يقتات على فرحي...

هل تغيرت؟ نعم. وما أنا الان؟ ماذا عنكِ هيا الآن؟ كان هذا أكثر سؤال آلمني…

لكن بالعودة أكثر وأكثر في التأمل في ما عشت مؤخرًا بدلًا من اعادة ضبط المصنع، قمت بترتيب الأمور شيئًا فشيئًا  بدلًا من الحذف من جديد أستغرقني الأمر أشهرًا عديدة كان الملل يتسلل إلىّ أحيانًا، وذلك الذي بصدري يكبر ففي كل ضحكة وإنجاز أجدني في نهايته أردد «فيني بكية!» وتنهال أفكار عدة عليّ مرات أتجاهلها ومرات أواجهها لأعالجها حتى مع مرور الأيام، مع الدعاء، والمواقف، الأحداث، والزمن، وغيره الكثير من المحاولات كأن أرقي نفسي مع الأذكار اليومية واضعة يدي على قلبي...آملة بأن يزول ذلك التعب، أجدني أتأمل أكثر أحاول كل يوم أن أحسن الأشياء ولو بنسبة ١٪ 

حتى هدأ ما في قلبي، وانتهت الرياح التي تهب، وأستحضر الآن اقتباسًا كنت أردده الشتاء الماضي، وكأنني كنت أعلم بداخلي أن ماكنت أعيشه سيترك أثره فيني:

«الرياح تهبّ. ويتعين علينا أن نحاول العيش»

ماذا عنكِ الآن؟ 

 جاء ذلك اليوم الذي نلت فيه محاولات أشهر؛ جلست ذلك اليوم لوحدي أراقب تغير لون السماء لحظة الفجر حتى شروق الشمس، أردد:

أَبْحَرْتُ تَهوِي إلى الأعماقِ قَافِيَتِي ...  ويَرْتقِي في حِبالِ الرِّيحِ تَسْبِيحِي                                             مُزمَّلٌ فِي ثِيَابِ النُّورِ مُنْتَبِذٌ ...          تِلْقَاءَ مَكَّةَ أَتْلُو آيَةَ الرُّوحِ

- محمد الثبيتي -رحمه الله-

في لحظة الفجر تلك، تدافعت إدراكات عدة جعلت تلك الفتاة في مشهد غريب تجلس فيه لوحدها وتضحك، ضحكة إدراك بعد أن مرت تلك الأشهر وربما السنوات كشريط أمامي، فأبصرت مالم أبصره من لطائف وأننا نعيش أيامًا غارقين في النعم وفي لطف ورحمة الله بنا.

وأدركت أن شراعي عاد وأني عدت لرحلتي بعد انعطافة عجيبة غير متوقعة، أدركت أن كتابًا ما أُغلق تمامًا وغدوت حرًا ومرًّا ومشرقًا، أني الآن أعود لأوراقي وأنا معي وقلبي معي، لستُ محاصرة بالغياب بعد، أدركت أن تلك الرياح، المرحلة، الكتاب الذي عشت حكايته.....

كل  ذلك كان يخبرني الكثير، يعلمني الكثير...لأحسن الإبحار، لأحسن انعطافاتي والتحكم بشراعي وبوصلتي. تلك الذكريات التي تحمل جزء مني قبل عام تناديني لأسترد ذلك الجزء المجتهد لأدمجه مع هذا الجزء المتمهل، أن أنكب على عملي وشؤوني باجتهاد وأتمهل لأعتني بروحي وقلبي

"أعود   أفتح باب نفسي  كل الذين عرفتهم خلال هذه الرحلة  أعدتهم إلى أماكنهم  أعدتهم بحرص وتوخّي  ككل الأشياء القابلة للكسر ربما تركت سؤالًا مرًّا في فم أحدهم  ربما تركوا داخلي هبوب وحشة باردة  استغرقني المزيد من تعاقب الليل والنهار كي أوصد كل تلك النوافذ المترهلة  الآن هدأت العاصفة كل شيء لا يعود كما كان أصوات جديدة تناديني كالحلم  أسماء جديدة تخلّفت عن صوتي ونامت في كراسة   أحضن نفسي كأنني الدائرة اليقين حول الإجابة الصحيحة"

***

كانت تلك الأسئلة مدعاة لإيجاد جواب يحمل أن لكل مرحلة سماتها ومتطلباتها، تتطلب منك شخصًا مختلفًا بتصرفه وأفعاله لتجعلك تنمو وتتغير لشخص آخر بذات شكلك وربما أيضًا شكل مختلف، أكبر وأكثر نضجًا، وأكثر بهجة وإدراكًا…

***

"لايمكنك التحكم في الرياح، لكن يمكنك ضبط أشرعتك"

نعم تهب الرياح، لا يمكننا أن نتحكم بها، علينا أن نعيش وقد تتغير مساراتنا لمسارات لم نعلم بها، تخبرنا أن حياتنا قد تشبه فصول رواية ما، تعيش شخصيتها تحولات، وتمر باختبارات.. حتى تصل لغايتها المنشودة أو تنفصل عنها وربما لتجد غايتها الأسمى 

لحظات من ماضيك قد تمنحك تبصرًا في حاضرك لتستدرك مستقبلك، قد تمنحنا الرياح مسارًا لم نتوقعه ذات يوم، قد تمنحنا تجارب جميلة وهِبات لم نحلم بها يومًا ما… 

«أحيانًا تفضي بعض الأخطاء إلى صواب، إلى تغيير مجرى الحياة بل وحتى إلى وقوع انكشاف جديد» 

-سارة ميسا 

فأنت لا تدري مالذي يحمله الطريق، انعطافة تظنها خاطئة قد تحمل لك هِبات ونعم، قد تظن الجزيرة القفر التي علقت فيها موتك، وقد تجد فيها كنزك، وللأسف أحيانًا العكس المهم ألا ننسى الغاية الأسمى التي نسعى لها في حياتنا هذه.

فنردد تلك المقولة: استمتع بالرحلة. بدلًا ان تأكل وجهة الوصول والمسارات المختلفة جلّ تفكيرنا. 

باختياراتك الصغيرة، وأفعالك اليومية… قد تغرس فسائل عديدة بأماكن مختلفة قد تمنح غيرك ثمرًا أو ظلًا أو علمًا...) وقد تصنع تأثير فراشة؛ تلك التي ستحرك أشرعتك الراكدة نحو وجهات تهبك أجمل مما تتمنى.

***

نقطة استراحة في طريق، قد تعني رحلة عمل لآخر🚧 

“لا بأس. فاصل استراحةٍ لن ينال من سعيك الطويل، وقتٌ مستقطعٌ يستوعبك لن يَسِمَك بالإهمال، لحظة صمتٍ تسكنُ إليها لن تحدّ من حديثك البارع، تواجدك المُهمّش مرةً لن يسلبك مجد الظهور،والهفوة هنا لا تعني التعثّر للأبد. هي أطوارٌ يفضي بعضها إلى بعض، ولك في كل طور معنى تكتسبه ودور تعيشه.”

من هنا تأخذ كاتبة غيمة استراحة من الكتابة فيها، ستغيب عن بريدكم لمدة قد تطول وقد تقصُر، غياب الغيوم بالسماء مؤقت ويأتي موسم تملأ به السماء محملة باللطف أو الغيث أو..إلخ) 

وقد يعني هذا التوقف رحلة عمل أخرى؛ فكما أن كل مرحلة تتطلب منا أمورًا معينة فمرحلة حياتي الآن بداية عمل يحتاج جهدًا مكثفًا ووقتًا طويلًا يطلب مني كامل الاهتمام فكان قرار التوقف المؤقت عن الكتابة؛ لكتابة أخرى -حتى لا تتغير لغة غيمة، أو تختلط بأخرى… ولا يتسرب إليها التقصير-

فدعواتكم لنا بالتوفيق🤍

دمتم بخير، وحتى قدوم موسم عودتها فالأمر أشبه بالمواسم ربما؟ انتظروني بالموسم القادم المتجدد😂

***

شكرًا لقراءتك غيمة، ستعود يومًا ما في سماء بريدكم الرحب🤍

لآرائكم وأحاديثكم، جدارية (سماء رحبة)
***

"ومَا تَيَمَّمْتُ شَمْساً غيرَ  صَادقةٍ ... ولا طَرَقتُ سَماءً غيرَ مَفْتُوحِ                                                 قَصَائدِي أَينَمَا يَنْتَابُنِي قَلَقِي ...  ومَنْزِلِي حَيثُمَا ألْقِي مَفاتيحِي"

- محمد الثبيتي - رحمه الله-

مشاركة
نشرة غيمة البريدية

نشرة غيمة البريدية

تذهب وتأتي تلك الأفكار كغيمة في رأسي ولأنَّ فضاء الكلمات يسع لاحتوائها... هذه النشرة غيمةٌ من أفكاري وبكلماتي؛ أبعثها إليك آملةً بأنْ تكون هذه الغيمة سارَّة بكل حالاتها حين تعبر في سماء بريدك، في اليوم الثامن من كل شهر في الساعة ٨:٠٦ص ✨ (متوقفة مؤقتًا، ستعود قريبًا)

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة غيمة البريدية