نشرة غيمة البريدية - «إعادة ضبط المصنع♻️»

بواسطة هيا سليمان #العدد 11 عرض في المتصفح
« إنْ استطعت رؤية حياتك بأكملها من البداية للنهاية، هل ستغير أي شيء بها؟»

إعادة ضبط المصنع: هو الخيار الموجود في هاتفك لحذف كل شيء فيه و"فرمتته" ليعود جديدًا.

هل مرّت عليك لحظات تمنيت هذا الخيار موجودًا بداخلك؟ 

تعود جديدًا تمامًا لا تذكر أيّ شيء، وليس بداخلك أيّ شيء، تجرب كل شعور وكل فكرة كشيء جديد لأنك خالٍ تمامًا؟

قد تشعر برغبة أحيانًا في ذلك، لكنَّه مخيف بعض الشيء، كأنْ تفقد الذاكرة!!!

وأفكار كهذه لن تراود إلا إنسانًا يرغب في نزع شيء منه إما شعور أو افكار أو تجارب أو مواقف وحوادث مرَّ بها جعلته يشعر برغبة بحذفها لذا بعض القصص التي نقرأها أو نتابعها نجد بعض الشخصيات تصاب بصدمات بعد المرور ببعض الأحداث مما يجعلها تفقد الذاكرة مؤقتًا! وهذا من الأشياء العجيبة في النفس البشرية…

في بعض المرات لا نحتاج للمرور بتجربة قاسية، أو شعور مُر يعذبك من الداخل لكي نرغب بالنسيان أو أن نرغب بالعودة للزمن وحذفه، هناك الكثير مما يجعلك تشعر بشيء كهذا قريب للندم… ونتساءل هنا… 

لو علمت أنَّ ماحدثَ سيحدث هل ستتفاداه؟ هل تراه عبثًا؟ 

وإن كنت تعلم بأنه مقدر لك، ولكنك تلوم تصرفك وتندم عليه وتعتقد أنك ستتصرف بشكل أفضل؟

ولكن مالذي ينفعك التفكير بهذا الآن؟ وكل ماتريد أن تعود إليه لتتصرف بشكل أفضل مضى!!

دائمًا أفكر بهذا وأفكر ماذا لو عدت لذلك الوقت لأتصرف كذا وكذا..؟

نجمع كل هذه التساؤلات مع السؤال في المقدمة: « إنْ استطعت رؤية حياتك بأكملها من البداية للنهاية، هل ستغير أي شيء بها؟»

وأقول؛ لو أننا رأيناها لن نغير، ولن تكون خياراتنا أفضل. 

هل تعلم لمَ أؤمن بهذا ؟ 

لو فكرت فيها نحن سنعود لها بذات الشخصية التي لم تمر بها وسنتصرف بذات التصرف لأننا كنا نحتاج لها لتعطينا هذا الإدراك، لننمو من خلالها، لنتعلم، لندرك، لنبصر ولـ.. ولـ.. تتعدد الأسباب باختلاف ما نمر به، فلا شيء يمر بحياتك عبثًا… وفي كل مرة تتساءل بذلك تذكَّر أن ما أصابك لم يكن ليخطئك! 

 «أتيت أُبَيَّ بنَ كعبٍ، فقلتُ له: وقَعَ في نفسي شيءٌ من القَدَرِ ، فحدثْني بشيءٍ، لعلَّ اللهَ أن يُذْهِبَه مِن قلبي. فقال: لو أن اللهَ عذَّب أهلَ سماواتِه، وأهلَ أرضِه، عذَّبَهم وهو غيرُ ظالمٍ لهم، ولو رَحِمَهم كانت رحمتُه خيرًا لهم من أعمالِهم، ولو أنفقتَ مثلَ أُحُدٍ ذهبًا في سبيلِ اللهِ، ما قَبِلَه اللهُ منك حتى تُؤْمِنَ بالقَدَرَ، وتَعْلَمَ: أن ما أصابَك لم يَكُنْ لِيُخْطِئَك، وأن ما أخطأَكَ لم يَكُنْ لِيُصِيبَك، ولو مِتَّ على غيرِ هذا لدخلتَ النارَ. قال : ثم أتيتُ عبدَ اللهِ بنَ مسعودٍ، فقال مثل ذلك. قال : ثم أتيتُ حذيفةَ بنَ اليَمَانِ، فقال مثل ذلك. قال : ثم أتيتُ زيدَ بنَ ثابتٍ، فحدَّثَني عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.»

الراوي: زيد بن ثابت| المحدث : الألباني| المصدر: صحيح أبي داود| الصفحة أو الرقم: 4699 | خلاصة حكم المحدث: صحيح| التخريج: أخرجه أبو داود (4699)، وابن ماجه (77)(شرح الحديث)

وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:

«عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له.»

 الراوي: صهيب بن سنان الرومي| المحدث: مسلم| المصدر: صحيح مسلم| الصفحة أو الرقم: 2999| خلاصة حكم المحدث: [صحيح]. التخريج: من افراد من مسلم على البخاري.

***

إدراك وتغيير

الأيام التي تمر فيها بالشعور بالألم بداخلك، أو تمر بإدراك ما أو بموقف ما أو تشعر وكأنك صُفعت صفعة إدراك أو تتذكر حادثة ما وتدرك أنك لم تفهمها في حينها جيدًا ولتوك أدركت، أو أن تهجم عليك تلك المشاعر، فتقول: (لازم اتغير! ) وهذا في حالة العزم، أما في التعب ربما سترغب بحذف كل شيء من أصغر الاشياء إلى نفسك وحياتك، أعاذنا الله وإياكم وحفظنا من أن نمر بها. 

كل هذا الذي أتحدث عنه متغير على حسب الظروف والمواقف والمشاعر والأفكار والبيئة وطبيعة الشخص …إلخ)، لكن بالنسبة لي عندما أصل لهذه النقطة وأشعر فجأة بأني وعيت ولم أكن واعية بالسابق أو أدرك شيئًا جديدًا، أو شيئًا خاطئًا لا بد من تغييره... لحظات الإدراك هذه الشبيهة بـ"لمبة💡" بحياتك تنير لك زاوية لم تكن تنظر إليها وتعلم بوجودها، وكنت تعيش يوميًا من غير إبصار أو إدراك لها، ربما لأنكم تفكرون بشيء آخر بعيد عنها، أو انشغلتم بشيء آخر، أو كنتم تنظرون بتركيز تام لزاوية أخرى معتقدين بأنها الوحيدة!

حينما أعيش لحظات الإدراك هذه أفكر، مالذي حدث؟ واسترجع الاحداث... ثم مالذي فكرت فيه حينها؟ مالذي شعرت به؟ وكيف تصرفت؟ 

وحينما انتهي من إدراك هذا كله؛ أتركه! لأنه لن يفيد إلا بشيء واحد أنه يعطيني الصورة الكاملة حتى أدرك و أصل للأهم؛ كيف سأتصرف الآن؟ لأن ماذهب قد ذهب 

والمهم هو الآن! والآن يترتب عليه القادم... 

لو هي مشكلة: هل يسعني أن أصححها؟ كيف أصححها؟ وأحاول الابتعاد عن المبالغة في العواطف أو اتباع عاطفة معينة بتصحيحي أو بقراري فيما أفعله، لأن بعض العواطف تتأجج في فترة ما وتخفت في أخرى، وبعضها حينما تقودنا تعمينا. 

أحدد وأرتب، افعل واتحرك، وانظّم النفس والأيام 

ابتعد عن الاشياء التي تؤذي المشاعر 

لا التفت للأشياء التي ستعيدني للنقطة الأولى 

وكل هذا الكلام(تجربة شخصية) وكلام تنظيري أما بالتجربة؛ ستشعر من أول يوم أنك استعدت الحياة، وأشرقت الشمس في روحك، وعاد قلبك هادئًا سالمًا مطمئنًا، لكن ماتلبث أن تصل لنهاية اليوم حتى تعود لذات الدائرة بشكل أشد ربما وتشعر بأن مافعلته طوال اليوم محاولات ذهبت سدى... فدعني أخبرك: لم تذهب سدى! 

هي هكذا ستدور في ذات الدائرة وستخف وطأة هذه الأفكار وهذه المشاعر مع كل التزام واستمرار وانضباط، حتى تختفي لأن هناك ماهو أفضل منها ليزاحمها وهي الأشياء التي قررت فعلها في يومك، وأن تستثمر في نفسك ووقتك وصحتك وجسدك وعائلتك وعلاقاتك ومالك ودراستك وعلمك... وفي جوانب الحياة المختلفة انظر كم هي كثيرة، والحياة واسعة! 

لكننا بسبب شيء واحد نمر به ربما يعرقل كل ذلك، فننسى كل تلك الجوانب التي كانت موجودة... إنَّ في الأمر سعة!

«وأنت تتحرك تجاه المعافاة، وبدأت تتقوى، قد تشعر فجأة بحزن يزورك بغير داع، لا تظنها انتكاسة. بل إن القلب الذي عوَّدته على الأحزان الطويلة، ينفِّس عما اعتاده، فلا تجزع، وتحمل منه ما يتحمل الآباء من أبنائهم من بكاء مفاجئ. وقلبك طفلك، فتحمله»

• محمود توفيق

***

هل جربت مرة أن تجلس لتعدد النعم في حياتك؟

أنك تتنفس بسهولة، وتنظر وتقرأ، تشم، وتتذوق، تمشي وتحرك يديك كيفما شئت، منزلك عائلتك، الأمن، وصحتك..... ستعد ولن تستطيع أن تحصيها، وإدراكك لهذه النعم في حد ذاته نعمة. وتذكُّرُ هذه النعم في أي حالة ضيق مما يُضيِّقُ على المساؤى بهذه النعم التي لا تحصى، فالحمد لله!

﴿وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النحل ١٨]
 ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ﴾ عددا مجردا عن الشكر ﴿لَا تُحْصُوهَا﴾ فضلا عن كونكم تشكرونها، فإن نعمه الظاهرة والباطنة على العباد بعدد الأنفاس واللحظات، من جميع أصناف النعم مما يعرف العباد، ومما لا يعرفون وما يدفع عنهم من النقم فأكثر من أن تحصى، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ يرضى منكم باليسير من الشكر مع إنعامه الكثير.

- تفسير السعدي

ومن هُنا؛ لمن سقط في يأسه... ورغب في حذف جزء مما مر به أو منه، ورغب بالنسيان.. هنا نقطة لاستعادة الحياة، وللتغيير!

ولو قلنا لمَ نفعل هذا ومالفائدة، فلندعها كما هي حتى تنتهي الحياة... مثلًا!

ألن تزداد الأمور سوءً دون أن تعالجها؟ ألن تضيِّق عليك إلى حد لا يطاق؟ 

دائمًا في حضور مثل هذه الأفكار؛ أفكر إذًا مالذي سأجيب عليه إن سُئلت عن عمري عن شبابي عن وقتي وعن وعن...)؟ إذًا أليس عليّ أن أعمل للتحسين؟ للتغيير؟ 

قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ أي: طهر نفسه من الذنوب، ونقاها من العيوب، ورقاها بطاعة الله، وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح. ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ أي: أخفى نفسه الكريمة، التي ليست حقيقة بقمعها وإخفائها، بالتدنس بالرذائل، والدنو من العيوب، والاقتراف للذنوب، وترك ما يكملها وينميها، واستعمال ما يشينها ويدسيها.

- تفسير السعدي

﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّىٰهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا﴾ أي لقد فاز بكل مطلوب ونجا من كل مكروه من أنمى نفسه وأعلاها بالتقوى علما وعملا، ولقد خسر من نقصها وأخفاها بالفجور جهلاً وفسوقاً.

 [الألوسي: ١٥/٣٦١]

- وابدأ من قلبك، أن تبصر فيه وأن تنظر فيه، لمَ؟ 

لقوله صلى الله عليه وسلم: «...ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ.» 

لقراءة الحديث كاملًا

 وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ تعالى لَا ينظرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأمْوالِكُمْ ، ولكنْ إِنَّما ينظرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم»

الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 1862 | خلاصة حكم المحدث : صحيح (شرح الحديث)

فانظر إلى قلبك إلى عقلك وإلى ما تشاهده وتقرأه وتفعله في يومك، لأنها كلها عبارة عن مدخلات وما ستفعله وتقرره وتعيشه وتفكر وتشعر به هي المخرجات، اقرأ مالذي تخبئه رؤوسنا؟

فاستثمر بنفسك وانجُ وأدرك الهبات والنعم التي تحيط بك، وأدرك كم هي ثمينة تلك الزاوية المضيئة...

ولا تنسَ بأنك قطعت شوطًا طويلًا 

لم يخلُ من لحظات حلوة 🤍

" إن الحياة لم تكن في الحقيقة إلا هذا التغير الدائم للوضع، كما يحدث للمرء وهو في سرير غير مريح، فلا يستطيع أن ينام طويلاً على الجانب نفسه 🌟."

‏ㅡ البرتو مورافيا

***

شكرًا لقراءتك كلماتي، أتمنى أنَّها كانت نشرة سارَّة...انتظرني في العدد القادم من نشرة غيمة بتاريخ ٨.٦.٢٠٢٤

الساعة ٨:٠٦ صباحًا -بإذن الله- ☁️

مشاركة
نشرة غيمة البريدية

نشرة غيمة البريدية

تذهب وتأتي تلك الأفكار كغيمة في رأسي ولأنَّ فضاء الكلمات يسع لاحتوائها... هذه النشرة غيمةٌ من أفكاري وبكلماتي؛ أبعثها إليك آملةً بأنْ تكون هذه الغيمة سارَّة بكل حالاتها حين تعبر في سماء بريدك، في اليوم الثامن من كل شهر في الساعة ٨:٠٦ص ✨

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة غيمة البريدية