نشرة غيمة البريدية - «أثر🦋»

بواسطة هيا #العدد 5 عرض في المتصفح
"أثر الفراشة لا يُرى، أثر الفراشة لا يزول"- محمود درويش.

هل تعرف مايعني نظرية تأثير الفراشة؟ والتي تعني أن:

«رفرفة جناح فراشة في الصين قد يتسبب عنه فيضانات وأعاصير ورياح هادرة في أبعد الأماكن في أمريكا أو أوروبا أو أفريقيا». 

وهذا يخبرنا أن فراشةً صغيرة ترفرف بجناحها وتعيش يومها بشكل طبيعي قد تُحدِث أشياء عظيمة في  هذا العالم الكبير ومثلك أنت أيُّها الإنسان!

نعيش وننسى ونسلى، بأن فعلًا أو كلمةً قد تُحدِث آثارًا في حياة الناس أو في مكان أو في نفس شخص واحد. 

الكلام عن الأثر وأهميته وعظمته رغم استصغارنا للفعل أو الكلمة أحيانًا، قد يكون مستهلك ونعرف أن في التاريخ أفعالًا عظيمة ودولًا وأنفسًا قامت وانتهت أو خلَّد ذكرها التاريخ بسبب فعل أو كلمة، أحيانًا مساعدة. وما نغفل عنه أحيانًا أننا نحن كبشر طبيعيين بحياتنا الطبيعية والتي نعيشها بروتينية أحيانًا؛ مثل الفراشة! تلك التي تطير غير مدركة أن رفرفة جناحها تترك أثرًا عظيمًا في العالم.

***

حينما كنت أصغر أيام المدرسة والثانوية 

كنت أمقت وأكره قول «الصاحب ساحب» 

كان لي رأي ثابت لا يتزعزع-حينها- بأن هذه المقولة خاطئة، وأثبتتْ لي الأيام أنها تحمل نسبة عظيمة من الصحة، وسبب رفضي كان فهمي أنَّ من تصاحبه تكون مثله تمامًا، بينما كنت جدًا مختلفة عن شخصيات وأطباع من حولي  من أصغر الأشياء لأكبرها وحتى بالاهتمامات، فكنت أقول: "ماسحبوني! ماصرت نسخ لصق! مين قال أن الصاحب ساحب؟ خطأ!"

ورفضي كان أغلبه بسبب من يحكم على بعض الشخصيات بمن يصاحبونه مثل قولهم: « قل لي من تصاحب أقل لك من أنت» وهذه المقولة -وماشابهها- حتى الآن أرفضها تمامًا لأن هويتنا كبشر ليست محصورة بقالب ولسنا أتباع لبعضنا. قد نتأثر تأثرًا عظيمًا والبعض يتلون ويُسحب لكن تبقى لكل شخص هويته. 

والصاحب قد يكون ساحب متى بدأت هذه القناعة بالتكون؟ 

عندما صار لكلمة صاحب اتساعًا تحمله في معناها ، إذ أنها واسعة جدًا تشمل الكثير 

لا تشمل فقط عائلتك وأصدقاؤك أو معلميك أو الناس الذين تقابلهم يوميًا أو أسبوعيًّا بل تشمل هذا الذي بين يديك، بما تقرأ لي به الآن؟ وبما كتبتُ كلامي هذا؟ 

هذا الذي يصاحبك ويلازمك صبح مساء؛ جهازك الذي تقرأ فيه كلامي، أنت الآن تصاحبني؛ تصاحب أفكاري التي أبثها وأعبر عنها في نشرة غيمة 

تصاحب من تقرأ لهم يوميًا، من تشاهد مقاطعهم سريعًا على التيكتوك والانستقرام، من تسمع لهم بالبودكاست واليوتيوب، من لا تفوت تغريداتهم/منشوراتهم على تويتر/X، والأسماء التي تتصدر وتعلو في قائمة محادثاتك… إلخ) فهذا الذي نمسكه عالم قد يتسع قد يسافر بك للماضي لمدن أخرى للغات وثقافات أخرى…). ألا تعتقد أنها أجنحة فراشة تحرك جوك بطريقة مخيفة؟ 

إنْ كنت لا تعتقد تأمل هذا. 

يقول المثل: «كل إناءٍ بما فيه ينضح»

عقلك إناؤك وإنْ كنت تدرك فهناك عقلك الباطن لا يدرك، فتنبَّه لما يملأ إناءك

***

وقال رسول الله ﷺ: «مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ والجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صاحِبِ المِسْكِ وكِيرِ الحَدَّادِ؛ لا يَعْدَمُكَ مِن صاحِبِ المِسْكِ إمَّا تَشْتَرِيهِ أوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أوْ ثَوْبَكَ، أوْ تَجِدُ منه رِيحًا خَبِيثَةً.»

الراوي : أبو موسى الأشعري | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري. الصفحة أو الرقم : 2101 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح].

***

وبمثل شعبي يقول: «جاور السعيد تسعد»

ألا تلحظ أحيانًا تكون بمزاج معتدل سعيد لكن تذهب لمحيط ناس مُتعبَة أو ناس غاضبة ناس تتشاجر أو "تتحلطم" على كل صغيرة، حتى تحس بنفسك أشياء بدأت تتعقد وتغادر وأنت تتنهد من الثقل والضيق؟ 

وأحيانًا تكون في ضيق وهمومك كالجبال فوق رأسك، لكن تذهب لمحيط ناس "مبسوطة" تقابلك بسلام وبابتسامة، أو يقابلونك أطفال بابتسامتهم وفرحتهم فيك وبأحضانهم، ويُمَد لك فنجال تنسى فيه اللي كان خانقك بعبراتك؟

كلها أشياء قد تترك أثرها فيك مرات تتركه بشكل لحظيّ وأحيانًا ممتد طول العمر لا يزول. 

فماذا عنك؟ كأثرك في هذا العالم؟ هل أنت صانع عقد في نفوس غيرك أم معدي بابتسامتك؟ 

هل تحسب كلماتك قبل قولها وأثرها؟ أم ترميها ببساطة فتظل قابعة في نفس من سمعك!

***

(لا يدفعك الأثر لتضخيم صاحب الأثر )

من الأشياء المتعلقة بمسألة الأثر أن بعض الأشخاص أحيانًا يترك في أنفسنا وحياتنا أثرًا عظيمًا؛ أثرًا يحركنا ومع الأيام تتغير أنفسنا و حياتنا ١٨٠ درجة للأفضل -ومرات للاسوء للأسف- بسبب هذا الأثر 

لا تنسى صاحب الأثر الطيب فيك من كلماتك الطيبة أو من إخباره

لا تنساه من دعواتك؛ كدعوة بظهر الغيب…

أحيانًا من تقديرنا ولعظم الأثر، نضخِّم صاحب الأثر!

لكن هذا سيجعلنا ندخل بدوامات أخرى فإن كان أثرًا طيبًا تعتقد أنه المنقذ الرائع الوحيد الفريد وكل الناس تختفي من عينيك إلا هو، تذكَّر أن لكل مكانته وقدْره الخاص الذي يجب أن تضعه فيه، وأنك المسؤول الوحيد عن سقف توقعاتك الذي إن رفعته دون أساس سيسقط في النهاية على رأسك فتتأذى. وإن كان أثرًا سيئًا سيكلفك الكثير من المشاعر السيئة والعداوات التي تكنها في صدرك، حررها وامضِ في حياتك مصلحًا لها ومصلحًا لنفسك. 

وما نحن إلا عابرون في حياة بعضنا البعض، قد يرافقنا بعضهم لمدة طويلة والبعض لمدة قصيرة. 

***

في الختام؛ لا تنسى قد يكون بيدك فسيلة لتزرعها. ويمتد أثرها في العالم.

ومثل ما قال محمود درويش: « أثر الفراشة لا يُرى، أثر الفراشة لا يزول» 

قد لا يرى أحدٌ أثرك وقد لا تراه أنت أيضًا ولكن ربك يرى:

قال تعالى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِی شَأۡن وَمَا تَتۡلُوا۟ مِنۡهُ مِن قُرۡءَان وَلَا تَعۡمَلُونَ مِنۡ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَیۡكُمۡ شُهُودًا إِذۡ تُفِیضُونَ فِیهِۚ وَمَا یَعۡزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثۡقَالِ ذَرَّة فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ وَلَاۤ أَصۡغَرَ مِن ذَ ٰ⁠لِكَ وَلَاۤ أَكۡبَرَ إِلَّا فِی كِتَـٰب مُّبِینٍ﴾ [يونس ٦١]

كل شخص تركت فيه أثرًا  هذا الأثر سيمتد بنفسه لغيره وهكذا دواليك، فاحرص أن يكون هذا الأثر طيبًا لا سيئًا لا كاسر للأنفس.. فالدائرة تدور وهذا الأثر يتمدد وينتشر بطريقة قد لا تدركها:-

قال رسول الله ﷺ: «اتَّقِ اللَّهَ حيثُ ما كنتَ ، وأتبعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تمحُها ، وخالقِ النَّاسَ بخلقٍ حسنٍ»

الراوي : أبو ذر الغفاري| المحدث :الألباني| المصدر :صحيح الترمذي| الصفحة أو الرقم: 1987| خلاصة حكم المحدث : حسن| التخريج : أخرجه الترمذي (1987)، وأحمد (21392)

***

شكرًا لقراءتك كلماتي، أتمنى أنَّها كانت نشرة سارَّة...انتظرني في العدد القادم من نشرة غيمة بتاريخ ٨.١١.٢٠٢٣

الساعة ٨:٠٦ صباحًا -بإذن الله- ☁️

لملاحظاتك ولرأيك بنشرة غيمة: اضغط هُنا ☁️

مشاركة
نشرة غيمة البريدية

نشرة غيمة البريدية

تذهب وتأتي تلك الأفكار كغيمة في رأسي ولأنَّ فضاء الكلمات يسع لاحتوائها... هذه النشرة غيمةٌ من أفكاري وبكلماتي؛ أبعثها إليك آملةً بأنْ تكون هذه الغيمة سارَّة بكل حالاتها حين تعبر في سماء بريدك، في اليوم الثامن من كل شهر في الساعة ٨:٠٦ص ✨

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة غيمة البريدية