حديث عن طقوس الكتابة وشؤونها عند الأدباء✍🏼نشرة مرجع التدوين البريدية - العدد #81

13 أكتوبر 2025 بواسطة مرجع التدوين #العدد 81 عرض في المتصفح

طقس الكتابة هو ما يحرص الكاتب على توفيره ويثق بضرورته لاستدعاء الإلهام وتدفق الكتابة. نوع من التمائم لجلب الحرف ودفع حبسة الكتابة. وهو بداهةً انعكاس لشخصيته ومرتبط بمزاجه وحالته النفسية؛ لذا تتنوع طقوس الكتابة وأحوالها من كاتب لآخر. أبلغ شاهد على هذا ما يرويه الأصمعي عن ابن أبي طرفة: " كفاك من الشعراء أربعة: زهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا طرب، وعنترة إذا كلب، وزاد قوم: وجرير إذا غضب".

هناك الكثير من الأمثلة المسلية في حياة الأدباء عن طقوسهم التي يستدعون بها وحي الكتابة، تقليدها لا يؤدي بالضرورة إلى شيء فالنص يجيء ثمرة تجربة فردية. ومع هذا وجدت مقالة طريفة استمتعت جدًا بقراءتها، عنوانها «هل يمكن أن يجعلني اتباع روتين كتابة جوان ديديون أكتب مثل جوان ديديون؟» تسرد كاتبتها بليث روبرسون جداول الكتابة الزمنية لسبعة أديبات وتحاول اتباعها «لقد قمت بنسخ جداول كتابي المفضلين لمعرفة ما إذا كانوا سيقدمون لي السر الذي سيطلق العنان لإمكاناتي الإبداعية النهائية».

في نهاية التجربة اتضح لها أن مفتاح الإبداع السحري هو الالتزام وتحويل الكتابة إلى «جزء عضوي في إيقاعي البيولوجي» كما يقول مورافيا. 

للوقت دور مهم في طقس الكتابة، وفي العدد ال78 من نشرتنا البريدية مقالة وافية عن هذه الجزئية بعنوان: الإبداع في وقت مقيد، تجربة شخصية علمتني تحقيق أهدافي في الكتابة في وقت محدود⏳📒🖊️ 

جدير بالذكر أن معظم أدباء العرب القدامى يعتبرون ساعة الفجر أفضل أوقات الكتابة، حيث يكون «الذهن أصفى، وتكون القريحة أنقى» وهذا تصديق لقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم «بورك لأمتي في بكورها».

من الطقوس أيضًا تخصيص مكان للكتابة. «غرفة تخص المرء وحده» كما تسميها فرجينيا وولف. طبيعي أن فعل الكتابة محتاج إلى هدوء الانعزال وأن مكان الكتابة عليه أن يكون مرتبًا وهادئًا خاليًا من المشتتات ليتسنى للكاتب التركيز والانغماس في العملية الإبداعية وعلى هذا لا تعتبر مبالغة من بروست تغطيته جدران غرفته بالفلين ليعزلها عن الضجيج، لكن عددًا من الكتاب شذ عن هذه القاعدة ولم تكن فوضى المكان عائقًا أمامهم بل جوهم المثالي الذي لربما ساهم في إلهامهم. من هؤلاء الأديبة الإنجليزية جورج إليوت (اسمها المستعار أما الحقيقي فكان ماري آن إيفانس) إذ تحلو لها الكتابة في صالة البيت التي تعجّ بحركات أبناء شقيقتها وعبثهم ونزقهم. والروائي المكسيكي خوسيه إميليو باتشيكو الذي تعثّر ذات يوم بكومةٍ من الكتب غير المُستقِرّة في مكتبته، فسقطَت الكتب على رأسه ليموت ميتة الجاحظ وفق الإشاعة.

تحيلنا المكتبة إلى دور القراءة في كتابة عميقة ومؤثرة، وهذا ما جعل بعض الأدباء يحولها إلى طقس كتابة. مثل الرافعي الذي كان قبل أن يشرع في الكتابة يقرأ في كتاب من كتب أئمة البيان العربي (الجاحظ، وابن المقفع، وأبو الفرج الأصفهاني، إلخ)، ليعيش وقتاً في بيئة عربية فصيحة. وكذلك كان سومرت موم وألدوس هكسلي يحبان القراءة قبل شروعهما في الكتابة. 

تشكل الملابس أيضًا فرعًا من الطقوس، فالعقّاد وأنيس منصور لا يكتبان إلا إذا ارتديا البيجامة بينما يكتب همنغواي وفلوبير وهما بكامل أناقتهما. الأدهى طقس د. هـ. لورانس وفيكتور هيجو: لا يستطيعان الكتابة إلا وهما عاريان!

كما يعتبر المشي طقسًا مهمًا عند العديد من الأدباء، حيث يساعد في تنشيط الأفكار وتنظيمها، وتحفيز الذاكرة والتخييل، كما في حالة هاروكي موراكامي ونجيب محفوظ وجبرا إبراهيم جبرا الذي يصف نفسه أنه «من عشيرة المشّائين الذين لا تخلو حضارة منهم منذ الفلاسفة اليونانيين». بل أن فادي توفيق في مقال له ذهب إلى أن الكتابة نتيجة لازِمة للمشي «أنت تمشي، إذن أنت تكتب». أدب المشي موضوع أثير عندي وهناك عدة كتب أولت الاهتمام به، منها: تاريخ التجوال، فلسفة المشي، المشي.

Unsplash 

Unsplash 

هناك طقوس استثنائية غريبة جدًا وأزعم أنها حكر على صاحبها. مثل صاموئيل بيكت الذي لا يكتب إلا وهو جائع، وهنريك إبسن الذي لا يكتب إلاّ حينَ يضع عقربًا في قارورة على المنضدة لحظة البدء بالكتابة. ربما للمسرح دور في هذا الانحراف فكلاهما كاتبان مسرحيان. الشاعر أبو تمام له طقس عجيب أيضًا إذ يسكب الماء على تراب خيمته الحارة وهو في أقصى درجات التوتر مناديًا شياطين شعره بأسى (أخوكم أخوكم).

إيزابيل الليندي مثله يشبه طقسها مناداة، تقول «في الصباح الباكر في مكتبتي أوقد بعض الشموع للأرواح وعرائس الإلهام، أتأمّل لبعض الوقت، ودائما ما أحيط نفسي بالأزهار والبخور، ثُمّ أفتح ذاتي كُلّيًّا على التجربة التي ابتدأت في تلك اللحظة».

 جائزة أسوأ طقس تذهب إلى الكاتب خيري شلبي الذي يتحول أثناء الكتابة إلى شخص لا يطاق. إذ يكتئب ويشعر برغبة جامحة في الانتحار، يعترف أنه «في لحظة الكتابة لا يطيق أولاده ولا زوجته ولا معارفه ولا أصدقاءه، ويشعر أنهم هم الآخرون لا يطيقونه».

تلازمه حالة السخط هذه حتى يكتب، فإذا أنجز صفحة واحدة شعر بأن العالم فسيح وأنه تحرر من هذه الحالة المَرضية. وهكذا يتذبذب بين الكآبة ومقاومتها حتى ينتهي من الكتابة. حينها يبادر بإصلاح ما أفسده الإبداع، فيزور أهله وأصدقاءه، ويتحول إلى شخص ودود ومرح.

 القراءة في حياة الكتّاب وعاداتهم ممتعة جدًا، أن يكون الكاتب أوتوبيوغرافي هو غرض الكتابة الرئيسي والمجدي في نظري. الجوسان في النفس وتنقيح انشغالاتها، مجابهة "خطر إثارة الأشياء الخفية" كما تسمي كلاريس ليسبكتور الكتابة. على الكاتب أن يكون كما كتب صامويل بيكيت "مكتشف أكثر من كوني راويًا".

Unsplash 

Unsplash 

في نهاية العدد أود التوصية بكتاب (طقوس الروائيين - عبدالله ناصر الداوود) والإشارة إلى طقوس تمثلني وجدتها في كتابة إديث وارتون على سريرها لأنها «كسولة جدًا، غنية ومختبئة من ضيوف قصرها الفخم»؛ وفي وقت كتابة أليس ووكر بينما تكون ابنتها في المدرسة.

وأنت أيها القارئ، هل وجدت طقسك عند كاتب تفضله؟

***

◀️📺 تلفزيون مرجع التدوين:

ترغب بظهور كتاباتك في تلفزيون المرجع؟اشترك من هنا ودع الباقي علينا.

🔹 مدونة "القاصة"

قريباً في البرد القارس، لا ملاذ إلا دفء المطبخ وأطباق الشتاء. أعشق الزنجبيل الذي يُلهب الحلق بحجة التدفئة، والقشد الذي يطمئن النفس بأن الشتاء أرحم مما يبدو.

وصديقتي القاصة أبدعت بتدوينة عن وصفات شتوية تستحق التجربة.

فإما أن تنجحوا بإعدادها، أو يتحول مطبخكم إلى معركة ضد البرد… وفي كلتا الحالتين، التجربة ممتعة!

أطعمة الشتاء المريحة: وجبات تمنحك الدفء والراحة

تدوينة أطعمة الشتاء المريحة: وجبات تمنحك الدفء والراحة

تدوينة أطعمة الشتاء المريحة: وجبات تمنحك الدفء والراحة

🔹مدونة "أحمد قربان": 

تلفتني كثيرًا الأعمال المستقلة؛ وأحاول- بجهدي البسيط -فهم بعض أسراره، النجاح والاستمرارية؛ وأحمد يشاركني نفس الاهتمام والفضول🙂.

ماذا وجد؟

وما السر الذي تعرّف عليه؟

وأريد أن أعرف رأيك -أيها القرئ- في ذلك السر.

طريقة غريبة لإدارة علاقات العملاء

تدوينة طريقة غريبة لإدارة علاقات العملاء

تدوينة طريقة غريبة لإدارة علاقات العملاء

🔹مدونة "حكايات فاء":

أصدقائي هل تظنون أن الكتابة موهبة تولد من الشخص وتنمو بنموه؟لا، فهي ككل شيء بحاجة إلى تغذية وصقل وتطوير.كيف الطريق إلى ذلك؟اقرؤوا تدوينة فاطمة لتعرفوا رأيها حول ذلك؛ ثم ستفيدكم نصائحها، ونتاج تجربتها.

مكتبتي الصغيرة لتعلم فن الكتابة

تدوينة مكتبتي الصغيرة لتعلم فن الكتابة

تدوينة مكتبتي الصغيرة لتعلم فن الكتابة

🔹مدونة "يونس بن عمارة": 

دائمًا ما يشاركنا يونس مختارات شيقة ومثيرة للاهتمام وفي هذا العدد طرح عدة مواضيع لافتة، لكن أكثر ما شدني هو بحث يتناول تأثير السكن في الأرياف على الصحة النفسية لغير المتزوجين.أمر مدهش بالفعل! إذا أردتم معرفة السبب فأنصحكم بالقراءة!

فوق 40 ولم تتزوج؟ لا تَسكُننَّ إذن في الأرياف حفاظًا على صحتك النفسية

تدوينة فوق 40 ولم تتزوج؟ لا تَسكُننَّ إذن في الأرياف حفاظًا على صحتك النفسية

تدوينة فوق 40 ولم تتزوج؟ لا تَسكُننَّ إذن في الأرياف حفاظًا على صحتك النفسية

هل ستكتفي بالمشاهدة لوحدك؟ شارك هذه التدوينات مع المهتمين 🌐

***

◀️ 🎙️بودكاست العدد:

من حوار طويل مع الروائي المصري الواعد محمد عبد الجواد، صاحب (الثلاثية) ورواية (الواقعة الخاصة بأموات أهله)، أشارككم هذه الجزئية التي تحدث فيها عن طقوسه أثناء الكتابة. 

طقوس الكتابة - بودكاست نقد فني

بودكاست نقد فني 

بودكاست نقد فني 

متابعة ممتعة ونافعة ✨💡

***

           كتابة:  غالية الجهني

            إشراف عام: أحمد قربان.

***

🗃️ لقراءة الأعداد السابقة من النشرة البريدية:

صراع الأجيال والكتابة للجيل المستهدف🤼‍♂️✒️
عندما يجعلك الخوف تتقوقع، حديث خاص عن الخوف🐚💀
الإبداع في وقت مقيد،تجربة شخصية علمتني تحقيق أهدافي في الكتابة في وقت محدود⏳📒🖊️
***

📩للتواصل والإعلان:

[email protected]

مشاركة
نشرة مرجع التدوين البريدية

نشرة مرجع التدوين البريدية

نشرة أسبوعية تهم المدونين والقرّاء وكل من يود أن يبدأ الكتابة. نشارك بها مواضيع متنوعة عن الكتابة والتدوين، الأفكار والخيال، والتجارب الملهمة لأقلام الكتّاب.

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة مرجع التدوين البريدية