الذرّة -العدد #51

2 أكتوبر 2025 بواسطة عهد #العدد 51 عرض في المتصفح
كلٌ وحاله؟ بشروا

«بتذكرك كلما تجي لتغيّم.. وجهك بيذكر بالخريف.. بتطلع لي كلما الدنيا بدا تعتم.. مثل الهواء اللي مبلّش عالخفيف»  -فيروز

مطلع الخريف

كيف لا تُثير نسائم الخريف عودتي! والخريف يُقبِل كل عام محملًا بشائر قدوم الشتاء. لم أراه أبدًا بعين الاكتئاب الموسمي الذي يجتاح العالم، وربما لموقع الرياض الجغرافي الأثر الأكبر في ذلك. اتعي مقدار الفرح الذي يجتاح ساكنيه عندما ينقص الليل في حرارته لو درجة، وتخفي الغيوم شمسه الحارقة لو مرة؟

وليس النسيم البارد وبشائر قدوم الشتاء لوحدها سر المحبة، إنما الأقدار التي كتبت لي الولادة في شهر عشرة من السنة الميلادية، هل يعني ذلك أن سببي الشخصي يغطي على أسباب عودتي العامة؟ الله أعلم. 

«وعدت إليه.. ما أحلى الرجوع إليه!» -المتنبي

ما أحلى الرجوع إلى كنف النشرة، فإن كانت إجازتي قصيرةً في عيني وطويلة في عيونكم فإنها امتحنت هذه المحبة، لتخبرني أن النشرة التي بدأتها من باب التعوّد والعادة، أصحبت جزءًا لا يتجزأ مني.. صيفًا أو شتاءً. وأن «الإجازة» شكلية فقط، فقد وجدتني أسرب كلماتي -اللي مفترض اريحها- في كل صوب وحدب. بين أوراق عملائي، وفي مقالات عملي، في الانستجرام ولينكدان، بل وحتى في رسائل والدي التي أكتبها بالنيابة عنه.. فـ «كيف نخفي حبنا والكلمات فاضحة؟!» سؤالٌ جديرٌ بالتفكر.

وعن العادة والتعود.. ما الذي يهيض نشرة اليوم؟

صورة حيّة التقطتها من المزرعة، حيث تفصخ الأشجار ردائها وتكتسي بألوان الخريف

صورة حيّة التقطتها من المزرعة، حيث تفصخ الأشجار ردائها وتكتسي بألوان الخريف

الاكتساب والاجتناب 

اقرأ منذ فترة كتاب «العادات الذرية» لـجيمس كلير، كتابٌ رائع يستعرض فيه كلير مفهوم العادات الحسنة، وكيف أن العادات الذرية (أي الصغيرة) إيجابيةً أو سلبية تؤثر لا محالة على مستقبلك. فإن كنت تُحسن لنفسك وحياتك كل يوم بمقدار ١٪ فقط فتتحسن حياتك بفــــــــــــارق شاسع، والعكس صحيح، كل عادة سيئة تمارسها لو بنسبة ١٪ ستؤثر فيك بعد عام واحد بأضعافٍ مضاعفة. وهذا هو المفهوم الذي أيقظني، فالتساهل الدائم بالعادات كيفما كانت ليس بتلك السهولة. وربما هذا يفسر سؤال «ليش حياتي ما تغيرت؟ ليش ما حققت أهدافي؟» لتركيزنا الدائم على النتائج وانتظارها، وصرف النظر عن حقيقة الأمور البسيطة اليومية. ليس ذلك فحسب، بل فهمنا المحدود بعمق علاقة عاداتنا بأهدافنا، كأن تطمح مثلًا لتخصصٍ رائع أو منصبٍ جميل ولكنك تعجز عن ضبط نومك، أو الالتزام بجدولٍ غذائي، أو حتى إدمانك المستمر على التيك توك. بشكلٍ أو بآخر عاداتنا اليومية متصلة اتصالًا وثيق بمستقبلنا، وعلى قدر تهذيبك لعاداتك على قدر ما كان هذا الهدف وكما يقول الكاتب «محتوم». 

أشار كلير في مطلع الكتاب عن «المحتومية» وهي زاوية لطيفة راقت لي.حيث يقول «نحن نظن أننا بحاجة إلى تغيير نتائجنا، غير أن النتائج ليست هي المشكلة. فما نحن بحاجة إلى تغييره حقًا هو الأنظمة التي تسببت في تلك النتائج» نضع الخطط ونحدد الهدف وننسى آلية الوصول الحقيقة. تهدف لتقليل مصاريفك لتشتري سيارة، ولكن في هذا العنوان الرائع لطموحك تنسى سؤال «شلون طيب؟» وهذه الإجابة لا تتجلى إلا عن طريق تغيير أنظمتك = عاداتك الصغيرة. 

كالالتزام تجاه هذه النشرة مثلًا، أريد النشر باستمرار وتعلم الانضباط، ولكن «شلون؟»، وكانت الطريقة تغيير أنظمتي اليومية التي تؤدي للنتيجة المرغوبة. فأجهز المواضيع مسبقًا، وأحدد وقتًا للكتابة، وحتى تاريخ تسليم.  

أحد الزوايا التي طرحها الكتاب أيضًا واعجبتني، «استراتيجية تراكم المكاسب الهامشية» حيث تقتضي بالبحث عن التحسينات الهامشية البسيطة في كل شيء تفعله. فعندما تركز على انظمتك اليومية ستتجلى لك التحسينات بنسبٍ صغيرة، والاحتفاء بها هو جزء تحفيزي وتقديري لعاداتك الذرية. 

ذكرتني هذه الاستراتيجية بموقفٍ مع صديقة كنت اناقش معها الكتاب، لتقول «اتمنى لو قرأته في وقت تخرجي لأسعد بنتائج رحلتي عوضًا عن الانتظار لمشروع تخرجي كأضخم إنجاز في حياتي» ومن منّا لم يتمنى مثل هذه الأماني؟ ننخرط بشدة في تحقيق المكاسب الكبيرة وننسى أن لولا المكاسب الصغيرة في المهام الأول لما وصلنا إلى ما نحن عليه! وهذا يعود بنا إلى الامتنان وأبوابه الشاسعة، وتقدير اللحظات دون النظر في يد المستقبل. 

أحد الاستراتيجيات كذلك التي وجدتها ذكية «استراتيجية تجميع المغريات» وهي تنص على «من المرجح أن تجد السلوك جذابًا إذا اتيحت لك فرصة القيام بأحد اشيائك المفضلة في الوقت ذاته». ببساطة لاكتساب عادة جديدة اربطها بعادة يومية تحبها. فحبك لتصفح الجوال مثلًا اربطه برغبتك في قراءة المزيد من المقالات في الموقع الفلاني والموضوع الفلاني<حدد دائمًا الـ«شلون؟»>. أو ربطك لعادة الجري بالاستماع إلى بودكاست تحبه. يأتي منطلق هذه الاستراتيجية من مبدأ بريماك «السلوك الأكثر ترجيحًا سيعزز السلوك الأقل ترجيحًا». 

آخر الاستراتيجات التي يجدر ذكرها في نشرة اليوم، «استراتيجية تغيير البيئة» وهي التي حفزتني على قراءة الكتاب لبديهيتها التي تغيب عن البال. ببساطة «اجعل الإشارات الخاصة بعاداتك الحسنة واضحة، والإشارات الخاصة بعاداتك السيئة خفية». من منطلق أن كلما رأيت المحفز لهذه العادة كلما زادت نسبة حدوثها. أبسط مثال رغبتك في الأكل الصحي ولكنك تضع الفاكهة آخر الثلاجة وبعيدًا عن الأعين، ورغبتك في ترك التدخين ولكنك تضعه دائمًا في جيبك أو على مرائ عينيك. وجود الشيء امامك هو منبه للعادة وتغيير بيئتك بما يتوافق مع خططك هي أذكى خطة للتغيير. 

وندور ونعود للدين الحنيف دائمًا، واستذكر حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام: «ولا تحقرن من المعروف شيئًا» فيشير لعدم الاستهانة بالأجر والخير كيفما كان، قد نركز دومًا على العبادات الكبيرة وننسى أجر الصغيرة التي من شأنها أن تُهذب النفس على الطاعة والخير، بل حتى أن هذه العبادات البسيطة قد تقي المسلم من النار وتثقل ميزان حسناته. يا له من دينٍ يشرق الأنفس بنوره ونهجه الساطع. 

ختامًا، العودة جميلة، وتهذيب النفس لاكتساب العادات المفيدة دائمًـــــــا أجمل. 

لا تنسى تشاركني أفكارك عن الموضوع! عبر تعليقات النشرة أو الرد على الإيميل.

كاتبتكم المعهودة التي تعود بوافر المحبة: عهد🌷

*إذا أعجبتك هذه النشرة أطّلع على أخواتها السابقات(:

اللحظة المثالية💫 - العدد #35 - نشرة نَجوى عهد | هدهد

عن المؤجلات المحبوسة
gohodhod.com

الـغرور - العدد #49 - نشرة نَجوى عهد | هدهد

نشرة تحتاجها
gohodhod.com
مشاركة
نشرة نَجوى عهد

نشرة نَجوى عهد

نشرة خميسية تضم تأملاتي الذاتية والكونية وحتى التهكمية!

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة نَجوى عهد