اللحظة المثالية💫 - العدد #35

بواسطة عهد #العدد 35 عرض في المتصفح
عن المؤجلات المحبوسة

هل لازالت عيديتك على طاولتك تنتظر لحظةً معينة لتستعملها أو حتى تأكلها؟

أنا؟ لازلت أخبئ كيسًا صغيرًا في أدراجي مليئًا بالشوكلاته، وظرف قهوة ينتظر بصبرٍ اللحظة المثالية.. وأين هي يا ترى؟

تسويف السعادة

هل «تسويف السعادة» عنوانًا مناسبًا للفقرة؟ لكنه بعيني على الأقل معبر -أليس المعنى في بطن الشاعر على أية حال؟-. نعتاد على التسويف والتأخير في أيامنا، كتأجيل العمل على واجب، أو تسويف وقت المذاكرة.. لكن في لحظة توقف حازمة مع النفس أدركت أن المشاعر وإن لم تكن ملموسة تسوّف وتؤجل كذلك. السعادة المؤجلة هي انتظار اللحظة المثالية للفرح بشيءٍ ما. وفق المدونة والكاتبة Zeniya Cooley «تأجيل السعادة هو الإيمان بأن المرء سينال سعادة أعظم في المستقبل إذا تخلّى عن لحظات السعادة الحاضرة في سبيل السعي لتحقيق أهداف كبرى.»

هيضّت عيدياتي المتكدسة هذا التساؤل، وأُثيرت في ذاكرتي كل اللحظات التي أجلت عيشها بعذر نيل سعادةٍ أكبر. أتذكر في هذا السياق رحلة والدي للأردن قبل ما يقارب ٧-٨ أعوام، عاد بالغنائم وبجلابية أردنية مخيطة ومطرزة يدويًا أهداني إياها، من أجمل القطع التي دخلت خزانتي يومًا، وعلى قدر سعادتي بها هجرتها انتظارًا للمناسبة المثالية، تخيّل كل هذه الأعوام مرت والجلابية معلقة تنتظر النور. وليست الجلابية فحسب التي حُبست، بل الكثير من الجمادات وحتى الكثير من اللحظات التي فضّلت انتظار لحظة أفضل أو حدثٍ قادم لعيشها والاستمتاع بها.

وعلى هذا الغرار لست الوحيدة، فكل أطقم المواعين الفاخرة التي تكتنزها الأمهات انتظارًا للضيف المنشود تعيش ذات الظلام، فسجنت تلك الملاعق المذهبة والصحون ذات الطباعات الفاخرة دون استخدامها حق استخدام. كل هذا التأجيل يندرج تحت الغياب عن الحاضر وعيش اللحظة، وانتظار المستقبل الذي لا نعلم خباياه. أتذكر أول مرة لفتني هذا الموضوع لرجلٍ كتب قصة سيارة والده الجمس، يقول كان لنا جمس عاش معنا الدهر، ولم يرضى والدي أبدًا أن يزيل أكياس الوكالة التي غطت الكراسي وربما أغلب أجزاء السيارة، وعندما حان وقت توديع هذه السيارة العتيقة، أخذتها لاغسلها وأعدّها للمشتري الجديد، وأخذت أزيل الأكياس واحدةً تلو الأخرى لاتفاجأ بسيارةٍ كراسيها ذات ملمسٍ فاخر ولون جميل. يردف القول أننا عشنا مع هذه المركبة عمرًا ولكننا لم نحظى يومًا بالتمتع بلونها وملمسها وحداثتها التي ميزتها ذلك العام، بل جهزناها جميلةً لغريبٍ سينال كل هذه المتعة بالنيابة عنا. 

لمست قصته فيني شيئًا، عن كل ما هو حولي وفضلت تأجيله لوقتٍ أحسن، ربما لو أعددت قائمة لما انتهت من طولها.

*انتظار اللحظة المثالية*

*انتظار اللحظة المثالية*

«ليه الشقى؟»

استكملت Zeniya Cooley في مقالتها عن أسبابٍ عامة تدفعنا بالعادة لتأجيل السعادة، منها:

١. مشوشين عن معنى السعادة الحقيقي، فنؤطر السعادة على إنجازٍ كبير كالوظيفة أو خسارة الوزن أو غيرها من التي <نظن> أنها هي التي تستحق السعادة وتشغلنا بدورها عن عيش السعادة اللحظية بالتفكير بها دون سواها. واستكملت القول بأن السعادة اختيار ونتيجة من عقليةٍ تتبنى الإيجابية، فتستطيع الاستمتاع بوجبةٍ لذيذة الآن قبل الاحتفاء بشيء أكبر لاحقًا. 

٢. لا نملك الوقت الكافي، فنفضل التركيز على العمل والأولويات لأن ما سواها هو مجرد <تضييع وقت>. لكن المثل لدينا يقول «العمر يخلص والشغل عمره ما يخلص.» والانخراط تمامًا فيه دونما استقطاع وقتٍ وجيز لوقتٍ نستمتع فيه سيجعل سعادتنا تنتظر طوال العمر.

٣. نظن أننا لا نستحق السعادة، كثيرٌ منا ارتبط مع شعوره بالسعادة الحاجة الماسة للعناء والمعاناة والمشقة، فتعود أن تكون السعادة <مشروطةوالحقيقة أن السعادة أخف وأقل تعقيدًا من ذلك، ويجب ألا تُربط بسياقٍ قاسٍ كهذا

ولكن كيف نتوقف عن هذه العادات المغلوطة-وحتى المسكينة-؟ 

ربما تبدأ الرحلة من التوقف عن التأجيل، لمَ انتظرت كل هذا الوقت لاستخدم ظرف القهوة؟ فبحسب معلوماتي أن القهوة لم تنقرض بعد، ولماذا اكتنز الملاعق المذهبة لمناسبةٍ فريدة وجمعة العائلة تطل كل يوم جمعة. 

عمومًا، ربما سنتوقف عن التأجيل حينما ننفك عن التفكير في المستقبل والاحتمالات التي تثقل عاتق اللحظة البريئة، وعيش هذه اللحظة وفق ما تمليه علينا، بل حتى تعلم الامتنان وتقدير اللحظات الصغيرة؛ حتى عندما تهل البشائر الكبيرة لا تكون أنفسنا متعطشة بهذا القدر لأنها تعودت على تقدير السعادة كيفما أتت. 

وعلى قدر الحرص على اغتنام الفرص، لابد أن نعي النتائج التي قد تفرضها عيش السعادة اللحظية، وأن لا يكون عذرًا لنا -ولشياطيننا- بأن ننجرف وراء الملذات والشهوات، بل نحرص على أن «نسدد ونقارب» ونرّجح الكفة لما يفيدنا لا يضرنا.

ختامًا، الحياة أقصر من أن ننتظر اللحظة المثالية، واللحظة المثالية لوحدها يفترض أن تكون رائعة بذاتها ولا تحتاج إلى هذا الكم من التأجيل والتضحية.. ولّا؟

إلى اللقاء في نشرةٍ أخرى.

كاتبتكم المعهودة التي أعلنت الحرب على المؤجلات: عهد🌷

*إذا أعجبتك النشرة أطّلع على أخواتها السابقات(:

مقترحات:

الفصل الخامس - العدد #34 - نشرة نَجوى عهد | هدهد

نشرة تذكيرية للقلوب الفتية
gohodhod.com

قريحة يوناني #28 - نشرة نَجوى عهد | هدهد

أنتِ رسمٌ جميلٌ عبقري!
gohodhod.com
م. طارق الموصللي1 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة نَجوى عهد

نشرة نَجوى عهد

نَجوى عهد، نشرة بريدية اسبوعية اشارككم فيها افكاري وتأملاتي وحتى هواجيسي التي ملّت حبس مذكراتي. جسرًا بيننا تغرّد فيه افكاري بحرية!

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة نَجوى عهد