جرمٌ صغير- العدد #45

10 يوليو 2025 بواسطة عهد #العدد 45 عرض في المتصفح
جوزيف vs يوسف

يطري علي لهفتي في صغري عندما تعجن والدتي الحناء لشعري، وأقف على رأسها أكرر سؤالي «بيطلع شعري أحمر؟؟» .. يا لها من لهفة قتلتها مراهقتي عندما حلمت بالشعر الأشقر، لتغتال تلك السخافة شخصيتي اليوم وهي تقول «لا أحمر ولا أشقر، الله يخلي الأسود الرباني!»

سيرياليات العولمة

لُمت في حياتي -للآن- عاملين أراهما مؤثرة في نمط حياة الجميع، الرأسمالية التي تطبّع هوس المجانين بالعمل، والعولمة التي قشعت أطياف العالم الملونة والمختلفة لتصارع الحضارات وقيمها المختلفة للبقاء. وبين هذا وذاك يقبع الرجل الأبيض خلفهما ضاحكًا. ولالا، حاشى أن تكون نشرتي محل عنصرٍ وتحيز ولكن الحق حقًا ولو كره أهل الباطل. 

ما يثير العولمة اليوم هو سردياتها التي أثرت على الأعمال المحلية للبلدان، لاسيما الأعمال الفنية التي تستوجب أن تكون من رحم الثقافة. فلو كرهت الاعتراف، لكن تأثرت الأعمال الأدبية والسينمائية بهذه العولمة ولو قليلًا، فلو تفكر بمشهدٍ ما للصباح مثلًا سيطري عليك رائحة المخبز في طرف الشارع، والمقهى المجاور.. بينما في الحقيقة بيوتنا تتألف من مربعات سكنية يندر تواجد المخابز في أطرافها.. فمن أين لك هذه الصورة الذهنية؟ 

ولكن عدوى العولمة تبدت -وتتبدى- في ظل الاعتزاز الثقافي الحاصل في السعودية اليوم، بدأ ذلك من احتضان الثقافة كما هي، بأطيافها واختلافاتها، ثم تلاها تجليها بصورٍ مبتكرة إبداعية أثرت على الأعمال الفنية وأعطت أصحابها المايكروفون ليصدح صوتهم كما هو فوق الصور التي فرضتها العولمة. 

يثير نشرة اليوم تجربتي الخاصة -والمستمرة- في إيجاد أسلوبي الكتابي، بعيدًا عن التراهات التي تفرضها الميديا، وابتذالات الحشو والعرنجية. تذكرني بنشرة ابتذالات النموذجية التي بررت فيها أحد فترات انقطاعي بخوفي من الانجراف إلى وحول النموذجية والزخرفة الكتابية.. «ولو كان للنص هذا روح لتقيأت كل الحروف! وحتى أنني صرت اشعر أن الكتابة تتقيأ عفويتها وأن خلف كاتب النصوص المزخرفة روبوت ذكي رصّ المفردات رصًّا.»

العولمة التي تجعل من العالم مكانًا صغيرًا ومجتمعًا يفكر بنفس الطريقة، ويؤمن بنفس المعتقدات. تخيلي لو تلتقين مع جدتكِ السابعة المؤمنة وتقولين لها «جذبت طاقة الكون يا جدتي وقُبلت في هذه الوظيفة» ربما تتفجر جدتكِ من الضحك، أو تجلب لكِ شيخًا يرقيكِ. والمسألة هنا ليست عن التطور ولكن كيف استوردنا الأفكار الغربية الملحدة إلى مجتمعاتنا ونحن أهل الإسلام والعروبة والأصالة؟ -هل تفهم الآن شخصنتي مع العولمة؟!- . 

وعودةً إلى إيجاد أسلوبي الكتابي، ليس الأمر في ميدان الكتابة فحسب، ولكنها مسألة اعتزاز بماهيتك، كان للعرب صيتٌ يرهق الغرب عند مرور اسمهم فقط، ولكننا اليوم -نحن احفادهم- نجابه لتصمد ثقافتنا أمام العالم، بل حتى انقسمنا لقسمين، قسم يشتمهم وفي سبعين داهية أفكارهم -وهو قسم اتفهم غضبه رغم معارضتي لأسلوبه- وقسمٌ ضعيف الود وده يركع عندهم يترجاهم المحبة -وامحق محبة-... ولكن بين الفئتين، وينك أنت؟

-أصـــالـــة-

-أصـــالـــة-

عن تجربتي أنا، أزلتُ الأثر الغربي عن قلمي، فلا أود الكتابة عن رائحة المخبوزات الخيالية في طرف الشارع، بل سأكتب عن رائحة عريكة أمي التي توقظني، ولن أكتب عن قصة الغروب الساحر أثناء تخييمي في الغابة، بل سأكتب كيف تثير الصحاري وجداني، وكيف اهتدى أجدادي بالنجوم، ولن أكتب عن حفلة شواء المارشميلو والهوت تشوكلت، ولكن سأكتب عن خبز التنور، والذرة التي ندفنها في «الضو» والحليب المهيّل الذي يُعده أخي الكبير كل مرةٍ «نسّمُر». 

لا أريد أن أكتب عن سيريالياتٍ لم اعشها، أو لا يوجد لها في قلبي جذرٌ متصل، بل أريد أن أكتب عني، عن ناسي، عن صحاريي وسماي. أريد أن اتحدث لغةً تشبهني، تقرأها حفيدتي بعد ثلاثين عام وتجد عِبر جدتها مؤرخة>ولو كانت في هيئة نشرةٍ خميسية. 

واحتضان ثقافتك اليوم ما هو سوى لفت نظرك لما بين يديك عن ما هو بين يدي العالم، كأن تترك شجرة الكريسمس وزينتها لأهلها وتعلّق الفانوس فوق سفرة رمضان وتطرّف سلة الخوص. أن تجد لونك لا لون العالم الآخر، صوتك، لهجتك، كيانك، قيمتك وقيمك. وبين المحافظة والانجراف، خطٌ رفيع يقف عليه الانفتاح على العالم دون فقدان نفسك في دوامته، انفتاح المثقف القابل للتطور، لا الهش القابل للضياع. 

إذا هويتك لن تستطيع أن تصمد مع التنوع الكبير في العالم يعني أن هويتك ضعيفة ويجب الاستغناء عنها. وإذا هويتك قوية وأصيلة تستطيع أن تنميها وتطورها وتعدل سلبياتها وتحفز إيجابياتها؛ يعني أنك حافظت عليها. 

ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-

وعمومًا، موضوع الأصالة بحد ذاته موضوعٌ يقرقع دومًا على خواطري، أصالة رأيي، وأسلوبي، ومحيطي وكل كياني. موضوعٌ يُظِل كل أطراف حياتي لما له في قلبي من قيمة وقدر تدفعني دومًا للبحث في جوانبه، كجانب اليوم مثلًا. 

ختامًا، كل نفسٍ فيها من القيم والعادات ما يستحق أن يسطع بنوره ويميزها، ولو بدت المجتمعات اليوم صغيرة فإن العالم فيك انطوى وما تشعر! 

كاتبتكم المعهودة التي في رحلةٍ مستمرة مع ذاتها: عهد🌷

*إذا أعجبتك هذه النشرة أطّلع على أخواتها السابقات(

صِقَاره- العدد #31 - نشرة نَجوى عهد | هدهد

خميس سعيد تثيره هواجيسي(:
gohodhod.com

صحوة الحب - العدد #13 - نشرة نَجوى عهد | هدهد

هناك صحوة معرفية، دينية، وحُبيه!!
gohodhod.com
م. طارق الموصللي1 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة نَجوى عهد

نشرة نَجوى عهد

نَجوى عهد، نشرة بريدية اسبوعية اشارككم فيها افكاري وتأملاتي وحتى هواجيسي التي ملّت حبس مذكراتي. جسرًا بيننا تغرّد فيه افكاري بحرية!

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة نَجوى عهد