قريحة يوناني #28 |
بواسطة عهد • #العدد 28 • عرض في المتصفح |
أنتِ رسمٌ جميلٌ عبقري!
|
|
في أحد نشراتي السابق كتبت «يظن الإنسان أن قواهُ محدود، ولا نعلم أن كل ما يلمسه الإنسان تدبُّ فيه الحياة بشكلٍ أو آخر، لأن الإنسان ببساطة .. كتلة مشاعر! والمشاعر هذه كترياقٍ سحري أو لمسة سحرية تجعل للجمادات وقعٌ وأثر وروح!». |
شاعرية الجماداتgohodhod.com |
كانت من منطلق مشاعرٍ جياشة - كحال ٩٩٪ من نشراتي- هذه النشرات التي تحيكها خواطري وتغذيها سجاتي. يدغدغ روح هذه النشرة روح فنانٍ سابقة رأى في دهاليز الحياة متسعًا لإبداع يقتات عليه أصحاب القلوب الرهيفه والأذواق الرفيعة، من يد حرفي يوناني هوى تجميع القطع وأثارت سجيته حسه الفني؛ ليولد أرق وأجمل الفنون على الإطلاق (فن الفسيفساء). |
مجموعة كسور |
قد يكون ما أثار قريحة اليوناني لتجميع القطع المكسرة هو رغبة دفينة في إحياء ماضي قد ولى، أو ببساطة شح الموارد الذي دفع الأبداع من رحم المعاناة؛ لكنني هاهنا بعد الالاف السنين تثار قريحتي وتستهل فلسفتي لأصور قصة الإنسان في كسور جارحة وملونة. |
صورت حياة الإنسان دومًا ضمن سياقات (القصص والحكايا) لكن لعل (كلمة أبلغ من ألف مقال) تتحول في بعض الأحيان إلى (لوحة صامتة) تروي الكثير. عن فسيفسائية تصور لمسات الإنسان وحكاياته الطويلة. فتخيل معي بعدما تخور العظام ويهن الجسد ما الذي يبقى بحوزتك؟ سوى مجموعة من القصص والحكايا والمواقف والدروس والعبر جعلتك ما أنت عليه ورسمت لوحة حياتك. |
يجذبني دومًا الجلوس مع جدتي، إذ تجلس بطمأنينة تسبح وتهلي، بهدوء تنسج ذكرياتها حبل أفكارها، ثم حين أقاطع ذاك الحبل بدافع الفضول -والشوق لسوالف غاليٍ توده وتحبه- تشاركني بسلاسة عقد أفكارها، تستهل بـ «حياة فلان» إشارة في منتهى الرقة عن عزيزٍ آخر توارى في الثرى، لتكمل بـ «كان وكنا» ويغشى ملامحها الطاهرة حنين لزمن عاشت فيه ذروة قصتها. لتكون اليوم في حاضر جلستها معي رمزًا للحياة أتآمله، كلوحةٍ فسيفسائية كونتها قطع صور تصارع الذاكرة لحفظها قليلًا برفقتها، بأحجام متفاوتة تعكس أوقاتًا مغايرة من العمر، وألوان منوعة يرتسم عليها ليالٍ مضت. |
ليست محض هوجاسي! |
بالرغم من ذكري لتصوير الانسان عبر الفسيفساء فقد «سبقني بها عكاشه»؛ فصور اليونانيون والرومانيون والبيزنطيون والبريطانيون والأندلسيون مغامراتهم عبر الكسر والقطع، فعكست الكنائس -وإلى الآن- مختلف النصوص الدينية على نوافذها وأسقفها، بجانب العديد من العمارات المميزة، على رأسها العمارة الإسلامية وزخارفها المميزة التي لازالت ليومنا هذا تزين جدران أسبانيا وضواحيها. وصمود هذا الفن المميز عبر العصور والأزمان إشارة واضحة لفرادته وجماليته كـ فن يحتفي بكسور الإنسان وجروحه والأهم حكاياه. والأجمل من هذا كله حقيقة أن القطع فرادى لا تعطي معنى بحد ذاتها؛ بل أن تجميعها وصفها بجانب بعضها يعطي للوحة مفهوم، وللحياة معنى! |
إلى اللقاء في نشرة آخرى يزينها الفن ودواعيه. |
كاتبتكم التي تضيع بكل الحب في دهاليز الفنون: عهد🌷 |
التعليقات