الــنُــظم - العدد #48 |
31 يوليو 2025 • بواسطة عهد • #العدد 48 • عرض في المتصفح |
فـاصل شــعري
|
|
لم أغبط أحدًا في حياتي مثل التي كتب لها الأمير الشاعر عبدالرحمن بن مساعد قصيدة «مذهلة». أنّى لها شاعرٌ يتسائل «هي ممكنة ولا محال؟ هي أمر واقع أو خيال؟ .. هي سهلها صعب المنال؟ أو صعبها تستسهله!» |
![]() لا، ليست صورة عابرة بل أيقونية لرمز الشعر ضيدان بن قضعان |
الجن والشعر.. ما العلاقة؟ |
بيني وبين الشعر علاقة طردية؛ كلما قرأته زدت ولعًا، كيف لا ونحن معجزتنا القرآن، هذا القرآن الحكيم الإعجازي في لفظه ونظمه وبلاغته، والذي وصفه مشركي قريش بالسحر والخداع ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ سورة هود، الآية 13. |
وهو ليس بوصف جديد عمومًا، آمن العرب أن بعض الشعراء «يخاوون جنيّه»؛ ولا أعلم صدقًا لما هذا الإدعاء.. هل للجن أمسيات شعرية مختلفة أو أن لهم قدرًا من البلاغة لا ينظمه العقل البشري؟! فقيل مثلًا -والإدعاء على ذمة كتاب جمهرة أشعار العرب- أن امرئ القيس له قرين شعري ينظم الشعر على مسامعه واسمه (لافظ بن لاحظ) وللمتبني (حابس بن ثور) وللأعشى (أحد شعراء الجاهلية) قرين يدعى (مسحل السكران)، بل حتى أقصد الأعشى مفتخرًا: |
«فما كنتُ ذا شِعر ولكن حسبتَني.. إذا (مِسْحَلٌ) يُسدي ليَ القولَ أَنْطِقُ |
شَريكانِ فيما بيننا من هَوادَةٍ.. صَفِيّانِ: إنسيٌّ وجِنُّ موفَّقُ |
يقولُ فلا أَعْيَا بشيءٍ يقولُه.. كفانيَ لا أَعْيَا ولا هو أَخْرَقُ» |
ومن أحد شعراء العصر الذي طالته هذه الاتهامات، الشاعر القدير ناصر الفراعنة-والفراعنة بالمناسبة كنية وليس اسم العائلة- الشاعر الذي من لا يعرفه يجهله، انطلق من برنامج شاعر المليون وأصبح كالنار على العلم، عُرف بشعره الفصيح والنبطي وتفوقه على شعراء العصر كافة. من أبياته الشهيرة والتي اسردها واستصعبها في نفس الآن: |
«نوٍ رهش لي موحشٍ مرهشٍ جش.. هتّاش عتّاش ورشّاش طشّاش |
ناشي من المنشأ يشادي ليا ارهش.. جيوش حبشيًّ على الشرق نطّاش |
شهلال شهلوله على القاع إليا رش.. شهلال شلفٍ في النخاشيش هتّاش |
رشّ مطشّ هايشٍ شايشٍ وش.. جيّاش نوّه بالقناطيش طوّاش» |
أحد الأمسيات المثيرة جمعته مع الشاعر القطري محمد بن الذيب عام ٢٠١٠م، حيث استطلع ابن الذيب قصيدته بـمناكفةٍ للفراعنة عن إدعاءات الجن المثيرة قاصدًا: |
«هذا الليل معنا جنّ بسم الله الرحمن.. تعوذ من الشيطان والنيّة النّية |
ترى هذا الرجل اللي صفوا له ملوك الجـان.. أبمسكه ذا الليل خط النعيرية» |
المثير لم تكن تلك المناكفة، بل كان رد الفراعنة الذي ألجم الأفواه الضاحكة، بأبياتٍ تجعل أبن الذيب يبلل قصيدته ويشربها. |
![]() - YouTube |
«المحيط الهادي» |
وعلى قدر تولعي بالشعر، إلا أنها ذائقة متواضعة لا ترتقي لمن ينهل من أنهاره أعذب الأبيات، ولكنني بطبيعة الحال كبرتُ والشعر النبطي على وجه الخصوص في الارجاء، بدءًا من البرامج الشعرية المختلفة كشاعر المليون وغيره. وعلى ذكر البرنامج، فقد خرّج الكثير من الشعراء الجزلين، على رأسهم الشاعر القطري محمد بن فطيس الذي فاز بالـبيرق عام ٢٠٠٧م. للشاعر القدير ابن فطيس مكانة مختلفة عندي، إذ ألمس في أبياته أسلوبًا بلاغيًا راقيًا، تشعرك أبياته بـ «السهل الممتنع»، فينظمها نظمًا عذبًا يروي ولا يشبع. أحد ابياته التي علقتها في ذاكرتي لما فيها من تفرد ممزوج بالفخر قوله: |
«ما أقول أنا اشّعر واحدٍ في العالم .. لكن قصيدي كفو وأنا أدرى به» |
ووجدت هذا البيت عذرًا ظريفًا عندما أُسأل «ما الذي يميزك عن غيرك من الكُتّاب؟!» |
اللافت في ابن فطيس ليس جدارته بالبيرق، وقصائده العذبه وأسلوبه الهادئ فحسب، بل ممن أشار بأنه «لا يستحق البيرق» لاحقًا من حديثي الشعر، وكلما نظرتُ في شعرٍ الناقد علمت أن الغيرة والحسد داءٌ علل القلوب وشلل العقول. |
- قصيدة «الله يجازي من يسوي سواتك»
إحدى قصائده الجزلة في البرنامج، وقد تلاحظ فورًا هدوءه وعمقه هذا ما جعله يُلقّب بالمحيط الهادئ.
youtu.be
|
ولا يمكن ذكر الشعر المتين دون أن أذكر صاحب الصورة الأيقونية في مطلع النشرة، المجرم الذي قال «تراني يوم كلمتك فديتك عقب تسع سنين.. ما غير أهيّض العبرات ولا النيّة النيّة» للشاعر ضيدان بن قضعان. الشاعر الذي يُطرب بأبياته وكأنها سيمفونية متناغمة، بنظمٍ سلس وذكي، وأداءٍ رقيق لافت. |
- قصيدة «عيد انكساري»
لأبن قضعان حضور هادئ وراقي، وشخصية لافتة وذكية تستشفها في أبياته.. صدق من قال «ضيدان فكرة، والفكرة لا تموت».
youtu.be
|
ختامًا، الشعر بحور وعوالم مثيرة تجد فيها القلوب الرهيفة -جنٍ كانوا أو إنس- ويظل بيت القصيد أن الأبيات الجزلة والبيان الساحر منارةً تُترجم ما استعصى علينا تعبيره، سواءً في الحب أو الهجاء أو الرثاء أو غيره. |
نشرةٌ خميسية خفيفة أشارككم فيها فاصلًا شعري نغير فيه عن المعتاد، أليس «مشاركتكم أفكاري» شعار نشرتنا على كل حال؟ |
إذا جاز لك هذا الفاصل لا تتردد في مشاركة رأيك حتى نعتمدها بين فترةٍ وأخرى للتغيير. والأهم، شاركني بالرد على هذه النشرة ببيتٍ شعري دائمًا على قلبك3> |
كاتبتكم المعهودة -والمذهلة-: عهد🌷 |
*إذا أعجبتك هذه النشرة أطّلع على أخواتها السابقات(: |
جرمٌ صغير- العدد #45 - نشرة نَجوى عهد | هدهد
جوزيف vs يوسف
gohodhod.com
|
الشيبة الأولى - العدد #25 - نشرة نَجوى عهد | هدهد
نشرة تهكمية!
gohodhod.com
|
التعليقات