الشيبة الأولى - العدد #25 |
بواسطة عهد • #العدد 25 • عرض في المتصفح |
نشرة تهكمية!
|
|
قبل عدة أشهر سطع البياض في السواد، بريقٌ أبيض يتلألأ بين خصلاتي الطويلة، شيبةٌ أولى تعلن الظهور. استقبلت تلك الشعرة المميزة بترحيبٍ حار، وحسٍ ساخر عن مدى نضجي، وطرب ساحر على «شاب الشعر يا عبيد»🎶 |
ما لم يكن بالحسبان |
بعد خفة دمي المحسوبة، وقع ما لم يكن بالحسبان، وأصبح اللؤلؤ الذي فاجأني تاجًا على رأسي! لم يسع صدر تلك الشعرة ذباتي-نكتي- المتكررة والمبتذلة، واجتاحني الشيب على حين غرة. اجتياح جيشٍ جبان يطوق المكان لكن يخشى الاقتحام، تلونت أصداغي، وتحت الشمس اللامعة يبزغ بيضاها المستخبي.. وأعلن الشيبُ الحرب الباردة على نفسي الحارة! |
ورث من ذهب.. يمكن؟ |
جراءة الشعرة ليست فعلًا على حين غرة كما أدعي، إن هذه القوة متوارثة في الواقع. لتتضح لك الصورة، أرمي ببطاقة الإرث والموروث أمامك. يختلف أجدادنا فيما يورثون لنا، من صفاتٍ خلقية أو حتى خُلقية، وتتباين موروثاتهم المادية بدورها. فقد ترث من جدك الملايين، أو مجموعة عماير، أو قطع أراضي في مواقع استراتيجية. بدوري أنا ورثت الشيب المبكر، ولا يأخذك شيطانك ويصفني بالساخطة على ورثي، فقد ورثت خفة دمي كذلك ممن رحلوا، بجانب صفاتٍ خلقية أخرى. لكن على رأسها كلها يعتلي الشيب القائمة ويحطمها! لم أعش وقتًا طويلًا مع أجدادي لأتباحث الأسباب، لكني بصدري الوسيع أقول «عفى الله عمّا سلف». |
لا ورث بل فلسفة! |
ورغم سريان الشيب في تاريخ العائلة، أقف أمام هذا الورث الأبيض، وتأبى ذاتي الفلسفية أن يكون الموضوع مجرد وراثة. وعلى العكس، أفترض أنها علامة صريحة وصارخة على مجابهتي الحياتية، وانتصاري في رحلة نضوجي الفكري، وأراها درعًا حامي أمام من قد يشكك في فلسفاتي، وأدّعم الفكرة بعمري الفتّي المقدام. ولو أن زهرة عمري أشبه بصبارة نظرًا لحروبي الخاصة وأجواء الرياض الحارة إلا أنها لا تزال نبتةً قوية ورمزًا للشجاعة والمجابهة، ولم تغير ظروفها وخصائصها حقيقة رقتها. |
وعلى ضوء الفلسفة ودعم شيبي لحججي، لا يفوتني الجانب الدرامي، ولا يفوت شيطاني التأمل في مما مضى من عمري، ومما سيقدم علي. وتزيد شكوكي نار الحيرة، وضبابية الوجه تعثر لي خطواتي، وعلى ترنحي بينها، يخطفني القلق، وشيئًا من الخوف من المجهول، وتردد مرتبك على ماضي مضى. وفي خضم هذه الربكة أظن-وصحيح أن بعض الظن إثم- أن وجود هذه الشيبات المحتلّة رمزًا صارخ على هذه الأزمات الحياتية، وحجة لشيطاني لا لـ فلسفاتي. إن القلق والحيرة وكلمة (لو) تزيد النار حطب، نارًا تأكل نفسها وتدمر ما حولها، مشتعلة وخائفة وحائرة وحانقة! وطبع الإنسان-ويا شين طبوعك يا ذا الآدمي- التشتت في ظل هذه الانفعالات الغامرة، وعلى الرغم من الترنح المستمر تظل مرساة الإيمان موجودة، حتى ولو عتت الأمواج وتحطم شيءٌ من السفينة. |
ويزعج أفكار شيطاني أن أذكر إيماني وحقيقة توكلي في خضم الأزمات، ويزعجني أنا أن أقف بين ملاك الرحمة وشيطان المفسدة، لكن لأن العمر أمامي ترهقني فكرة الحصار بدورها! لا أقوى العيش وأنا أحسب عدد شيباتي وتساويها مع أعاصير حياتي التي وضعت بصمتها على شعري. وعلى ما قلت، هو جانب درامي لا يخلو من همسات أبليس، ولا يبرح من صوت عقلي المبرمج على «يصير اللي يصير» على أن يبقى قلبي يتوق لأن تكون خسائري على مجرد بياض ملطوخ في شعري، وغنائمي معرفةً أتحزم بها وأهزم شيطاني. |
إلى اللقاء في نشرة آخرى لا يتجرأ شيبي -وشيبكم- على التطاول فوق رؤوسنا! |
كاتبتكم المعهودة التي تصارع شياطين فكرها: عهد🌷 |
التعليقات