نقد سلسلة المثلية | الجزء 1 | المقدمة

بواسطة أحمد أبوطالب #العدد 3 عرض في المتصفح
الجزء الأول: قراءة طويلة تتطلب منك تركيز لمدة 10 دقائق

المقدمة

إثارة موضوع المثلية الجنسية حالياً يأتي نتيجة الرؤية الغربية للإنسان والعالم. ومؤخراً تتفاقم حدة الجدل في الغرب عن هذا الموضوع بين معارض ومؤيد.

ولأننا نعيش في عصر العولمة الذي هو نتيجة الرؤية الغربية للعالم منذ 1500 ميلادية وحتى الآن، تنتقل المواضيع الجدلية الغربية لتكون أيضاً مثار جدل في العالم كله من خلال الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.

هنا تبدأ رحلة الإنسان العربي المسلم لاستقبال الأفكار الغربية دون وجود أدوات معرفية ومهارات نقدية للتعامل معها.

فيشعر الإنسان العربي المسلم بانزعاج بالغ أمام المنطق الغربي الذي يحاصره بطريقة لم يعهدها من قبل.

فإذا استشهد بمرجعيته الدينية يتلقى رداً أشبه بالضربة القاضية يقول له: لا أؤمن بوجود إله والمعيار الوحيد بيننا في هذا الحوار هو "حرية الإنسان".

لذلك من أراد إثارة موضوع المثلية الجنسية في العالم العربي المسلم ينبغي عليه أن يشرح البعد الغربي للمسألة حتى يستطيع الفرد أن يفكر في الموضوع بطريقة ناقدة ويصل إلى نتائج سليمة.

إثارة موضوع المثلية يتطلب مسؤولية عالية، هو ليس مجرد "تابو - محرم" إنما هو بُعد له إرث حضاري بحسب ما تقتضيه الرؤية العربية والإسلامية للإنسان والعالم.

ويحق لكاتب السلسلة أن يؤمن بما شاء، ولكن حين يقوم بطرح أفكاره للناس فمن حق الناس عليه أن يحترم الأسس المعرفية بأن يطرح المقدمات التي بنى عليها نتائجه قبل طرح النتائج بهذه الطريقة المباشرة.

والقارئ في نفس الوقت، عليه مسؤولية بناء مهارة التفكير النقدي حينما يقرأ حتى يستطيع تمييز الجيد من الرديء فيما كُتب له من أفكار بخصوص أي موضوع.

لأن موضوع المثلية بطبيعته غاية في الحساسية، ويتطلب لنقاش هذا الموضوع الحساس قوة معرفية للكاتب وقوة نقدية للقارئ.

المثلية: جدلية في الفكر الغربي الحداثي

إن أخذ جدلية غربية كما هي وإقحامها بهذا الشكل في الثقافة العربية والإسلامية ينافي  المسؤولية الفكرية بحسب تصوري. لأنك تأتي برؤية غربية لموضوع يتم نقاشه غربياً على مستويات أبعد وأعمق من مجرد مثلية جنسية.

وأود لفت انتباهك إلى أنني لا أقول أن المثلية كممارسة موجودة في الغرب فقط، بل بالعكس هي موجودة في كل مكان، ولكن الظاهرة اليوم بطريقة نقاشها وحججها الجدلية مبنية على أسس ومنطلقات الفكر الغربي.

"في الغرب، يعتبر موضوع المثلية أزمة تراكمية لمعضلة أكبر: هي ماهية الإنسان. وحدود حريته بحسب النظرة الغربية للإنسان والعالم."

وقد تعمقت الأزمة بدخول مفهوم غربي جديد أطلقوا عليه "الجندر - Gender" بدلاً من "جنس - Sex".

والجندر بحسب التعريف الغربي هو الهوية الجنسية التي تقررها لنفسك بغض النظر عن حقيقتك البيولوجية الطبيعة التي خُلقت عليها.

أي إنك حر في اختيار هويتك الذكورية أو الأنثوية أو حتى الحيوانية بغض النظر عن طبيعتك البيولوجية المفروضة عليك بحسب زعمهم. ويحق لك نتيجة لذلك أن تُقرر تغيير أصلك البيولوجي بعد أن تقرر ماهيتك الجندرية إذا رغبت في ذلك.

وهنا نشأت ظاهرة جديدة اطلقوا عليها "المتحولون جنسياً"، أي أنهم يكونون مثلاً ذكوراً من حيث الطبيعة البيلوجية "الجنس" ولكنهم يرون انفسهم إناثاً من حيث "الجندر"، ليبدأوا رحلة من الحقن الهرموني المكثف ثم بعد ذلك يتبعها مجموعة من العمليات الجراحية حتى يتم التغيير والتحول.

المسألة باتت متتالية مخيفة لا يعرف أحد حدودها ولا أين ستقف طالما الموضوع متروك بالكامل لما يسمى بحرية الإنسان. وهنا ياتي السؤال: ما هي حدود حرية الإنسان؟

هل الرؤية الغربية كلها خاطئة؟

في الحقيقة ليس هذا مهماً إذا كنت تمتلك القدرة على النقد.

دعني أوضح أكثر، النقد للأسف كلمة لها بعد سلبي في الثقافة العربية. فعندما أقول إنني انتقدت فلاناً يتبادر إلى ذهن المستمع أنني قمت بإبراز كل ما هو سلبي فيه.

وهذا خاطئ تماماً.

النقد مفهوم إيجابي معناه: تمييز الجيد من الرديء لأي شيء.

فعندما أقول إنني أنتقد الفكر الغربي فمعناه: إنني أميز بين الجيد والرديء في هذا الفكر لأختار وأتبع الجيد وأتجنب الرديء.

وعندما أقول إنني أنتقد "سلسلة المقالات" فإنني أميز الجيد من الرديء فيها من وجهة نظري بحسب ما أمتلك من أدوات معرفية.

وهذا ما يجب على كل إنسان تطويره في نفسه، القدرة على النقد. وتعتبر اليوم من أهم المهارات على الإطلاق.

الأصل المعرفي:

هناك أصل معرفي لا يمكن لأي إنسان تجاهله وهو الآتي: الحقيقة لا يمكن الوصول إليها بشكلها الكامل. 

والإنسان يرتقي بنفسه باستمراره الحثيث في البحث عن الحقيقة. وبقدرته على تجديد أفكاره ومعتقداته بمجرد أن يكتشف حقيقة أكثر تفسيرية من الحقيقة التي يتبناها.

ومع هذا البحث الدؤوب عن الحقيقة هو يعلم كإنسان أنه مهما فعل فلن يصل إلى الحقيقة المطلقة في هذه الحياة الدنيا. 

بذلك يحترم الإنسان نفسه ويتواضع بإدراكه أنه في هذه الدنيا يعيش مرحلة مؤقتة وعابرة ولن يستطيع أن يكتشف كل الأسرار في هذا العالم من حوله.

الرؤية العلمية للعالم تعتقد بأننا نستطيع كشف كامل أسرار الكون بمجرد الاستمرار في البحوث العلمية، لنصل لاكتشاف كافة أسرار الكون.

وتوافقها بعض الرؤى الصوفية التي تعتقد بأننا سنكتشف كل أسرار الكون ولكن بالفيض.

التواضع المعرفي:

إننا حين نناقش موضوعاً معيناً، فكل إنسان منا يدلي بالشواهد والحجج محاولاً تلمس أجزاء من الحقيقة المنشودة ضمن رؤيته للعالم.

في سلسلة المقالات يستخدم الكاتب ألفاظاً مثلاً (روحي التي أمرت) و (فيض)، فإنه الكاتب ودون أن يقصد يضفي قدسية على أفكاره بشكل غير مباشر.

هذا النوع من الألفاظ غير مقبول، لأنه مبني على مزاعم غير ملموسة، ولا يحق لأحد حين النقاش المعرفي التلفظ بهذه الألفاظ الوهمية السائلة التي بدورها تضفي قداسة وهمية للشخص والفكرة.

أريد التأكيد على أنني أؤمن بالفيض المعرفي ولكن ليس بالطريقة التي اُستخدمت في سياق المقالات أو في سياق الردود التي كان يرد بها كاتب المقالات على بعض المتابعين.

لقد طرح الكاتب رؤيته عن موضوع المثلية في سلسلة من 9 أجزاء حتى كتابة هذا الرد، وما أود طرحه هنا هو نقد مبدأي للموضوع، أقرب إلى التساؤلات التي تعين القارئ على التفكير.

ولم أتعرض للأفكار المطروحة في السلسلة لتفصيل أسسها الغربية لأن المجال لا يتسع. على أمل أن أقوم بعمل بحث مصغر للمهتمين أضع فيه مقدمات الفكر الغربي وكيف وصل إلى هذه اللحظة التاريخية.

وبكل احترام وتقدير للكاتب، فإنني هنا لا أنتقد شخصه الكريم بأي طريقة بقدر ما أنتقد الموضوع والأفكار. من منطلق البحث المعرفي للفكر الغربي واهتمامي به لفترة زمنية طويلة من حياتي، ولما وجدت من بعض المغالطات المنطقية الموجودة في المقالات.

فالنقد هو إضافة بناءة للحوار حتى يتضح للقارئ الباحث عن الحقيقة، زوايا أخرى تمكنه من ترجيح ما يراه أقوى في الحجج.

التحليل الإنساني وجحر الأرنب:

قبل أن نبدأ أُلفت انتباهك إلى مفهوم غربي يطلق عليه "جحر الأرنب - rabbit hole".

هو مصطلح تشبيهي بغرض وصف كيف يمكن لك أن تغوص في مشكلة دون التوقف لحلها. كيف يمكن أن يستمر الأرنب بالحفر بعيدا دون وجود حدود لهذا الحفر. 

وهذا ما تبدو عليه المشكلة الحقيقية، لقد فُقد شيء في منظومة التحليل الإنساني. هذا الإنسان المفقود الذي يظن أنه قادر على تفسير كل شيء حوله بحجة أن العلوم في يوم ما ستكشف له كل الأسرار وسيسيطر على هذا العالم.

هذا الإنسان بجهله أو عناده يتغافل عن حقيقة مهمة: وهي أن حدود معارفه ضيقة. 

فحينما يظن أي إنسان أنه قادر بتحيزاته الفكرية أو ما يدعيه من فيض تفسير كل شيء بكفاءة وكشف كامل الأسرار، فهو واهم.

وبذلك يدخل هذا الإنسان مستنقع "الغرور والايجو" لأنه يظن أن مشاعره وأفكاره هي فيض روحاني يرشده لكتابة أفكاره، أو أن عقله الكامل قادر على تفسير كل شيء دون تحيزات مسبقة.

حينما يفقد الإنسان حدوده، يعني أنه فقد إنسانيته. لم يعد يعرف هل عقله وأفكاره ومشاعره هي مصدر التشريع أو هو باحث عن الحقيقة التي صنعها المشرع؟ أم القوانين التي وضعها إنسان آخر هي مصدر التشريع؟ من وضع هذه القوانين؟ وإذا اتبع هذا الإنسان القوانين الموضوعة هل يعني ذلك أنها دينه الجديد؟

هذا الإنسان الذي فقد حدوده يظن أن أفكاره هي مصدر التشريع، سواء كانت أفكاره نابعة من العقل الخاص به أو من الفيض الذي يأتيه (بحسب الرؤية الصوفية).

هذا الإنسان يختار بتحيزاته تفسير العالم من حوله بحسب المنظور لديه، متناسيا أن قصور معرفته المرتبطة بالزمان والمكان يجعله محدوداً لا يرى تبعات أفكاره بعد موته.

وإن إدعى هذا الإنسان الفيض، فهو يضفي قدسية على نفسه، قدسية لا نعلم من منحها له، ولا يمكن لنا لمس هذه الفيوض التي يزعمها بأية حال.

ويمكن لأي شخص أن يدعي هذه الفيوض، وبذلك ندخل في عالم من الفوضى التي لا يمكن لأحد السيطرة عليها، بحيث إنني أدعى الفيوض وذاك يدعي ولا نعلم أي فيوض هي الأحق.

بمعنى آخر لو ادعى 8 مليارات نسمة على وجهة الأرض قدسية أفكارهم الإنسانية، فلك أن تتخيل إلى أين سنتجه.

الإنسان مركز الكون! ثم ماذا؟

أحب التوضيح هنا أن الفكر الحداثي وصل في مرحلة من التاريخ بأن وضع "الإنسان" مركزاً للكون.

ظهر السؤال الملح حينها: أي إنسان بالضبط هو مركز الكون؟

طبعاً من بني الفرضية هو الرجل الأبيض الغربي، فمركز الكون كان ينحصر فقط في الإنسان الأبيض الغربي. ثم تعمق السؤال أي إنسان أبيض بالتحديد؟ فكانت النتيجة الإنسان الأقوى - Super Human.

تفاجئ الغرب بالنتيجة التي وصل إليها بوجود إنسان مثل "هتلر" الأقوى. ووجدوا أن فكرة الإنسان الأقوى الذي يضع الحدود الأخلاقية لبقية الناس مثله مثل الإله لا يمكن أن تقود الإنسانية إلى خير.

انتقل بعد ذلك الفكر الغربي من وضع الإنسان مركزاً للكون إلى وضع الطبيعة مركزاً للكون وهذا نشرحه لاحقاً بإذن الله تعالى.

هذه كانت مقدمة مهمة كمدخل للنقد، و -بإذن الله- نكتب تفاصيل أكثر عن الرؤية الغربية للعالم وما آلت إله هذه الرؤية من خلال مقالات ننشرها لاحقاً.

نقد سلسلة المقالات

سنكتب الملاحظات على كل مقال على حدة ليسهل تتبعها، مع العلم أننا لن نبين للقارئ الآراء الأخرى حتى لا يطول هذا الرد ويخرج عن هدفه بل ستكون في بحث آخر كما ذكرنا من قبل.

وإذا كنت مهتماً بالموضوع سجل معنا في هذه النشرة لمتابعة المستجدات (سجل هنا) أو انضم إلى قناتنا في تلجرام (اضغط هنا)

لتكملة القراءة إنتقل إلى: الجزء الثاني: ملاحظات على المقال 1

مشاركة
نشرة نقد الفكر الغربي

نشرة نقد الفكر الغربي

النقد مفهوم إيجابي معناه: تمييز الجيد من الرديء لأي شيء. فعندما تنتقد الفكر الغربي يعني ذلك: أنك تميز بين الجيد والرديء فيه لتختار الجيد وتتجنب الرديء. سنكتب عن عناويين مهمة ابرزها الإلحاد وغيرها من المواضيع الملحة.

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة نقد الفكر الغربي