من هو قارئك الأول؟ وكيف تخاطبه؟ |
29 يونيو 2025 • بواسطة عبدالله بن عمر • #العدد 4 • عرض في المتصفح |
مرحبا بك.. لاحظت أني كنت أتردد بين الترحيب بك، وبين الترحيب بكم، هذه المرة أرحب بك، بك أنت، وأجرب هذه المرة أن أوجز المقدمة، معتذرا إليك عن الأخر الذي كان سببه عطلاً فنياً في المنصة. تفضّل حييت وبوركت!
|
|
![]() |
من هو الشخص الأول في جمهورك؟ هذا سؤال كبير، يشبه في تأثيره عليك تأثير صاروخ فرط صوتي، تأثيره أكيد مهما يكن الحال! |
ودعني، كما سأعوّدك في الأعداد الآتية، أضع لك زبدة الموضوع وخلاصة القول في السطر الآتي: |
حين تعرف وتعيّن الشخص الأول من جمهورك أيها الكاتب، فإنك ستصبح أقرب إلى تحديد تموضعك، وتمتين التزامك، وتقوية وعيك، وتنظيم حياتك! |
ومن هنا أنطلق معك في الإجابة عن هذه الأسئلة الأربعة الآتية: |
١. كيف يجعلني قارئي الأول أقرب إلى تحديد تموضعي في عالم الكتابة؟ |
٢. وكيف يجعلني أقرب إلى تمتين التزامي بالكتابة؟ |
٣. وكيف يجعلني أقوى وعياً بذاتي الكاتبة؟ |
٤. وكيف يجعلني أقدر على تنظيم حياتي وإدارة وقتي؟ |
هذه أسئلة مشروعة، أرجو أن أوفّق في الإجابة عنها: |
التموضع = أين تقف؟ ولمن تكتب؟ |
ليس جمهورك إلا فرداً واحداً مكرراً عشرات المرات، أو مئات المرات، أو ألوف المرات، أو ملايين المرات.. ليس على سبيل التطابق التام، ولكن على سبيل التماثل في سمةٍ محددة، أو ألم محدد، أو حلم محدد. |
وبناء على هذا، فكل جمهور اللاعب فلان: تكرار بالملايين لشخص واحد مهتم بكرة القدم. وكل جمهور الكاتب فلان: تكرار لقارئ يحب اللون الفلاني من ألوان الكتابة، وهكذا. |
وأنت أيها الكاتب، قارئك الأول مهم جداً، لأنك لو عرفته، وعرفت كيف تخاطبه، ويئست ممن عداه، ولم تطمح في كسب غيره، فإنك ستكسبه وتكسب وراءه آحاداً، ثم عشراتٍ، ثم مئاتٍ، ثم أُلوفاً من أمثاله. |
وبهكذا ستحدد موضعك، نوع النصوص التي تكتبها، المكان الذي تشرف منه على الجمهور، وتطل على العالم، فإذا أنت متّسقٌ، محفوظ من شتات القلب، محمي من مطاردة انتباه الجميع، لأنك لست للجميع. |
الالتزام = أن تظل كاتباً |
لو أني تركتُ الأمور لهواي ومزاجي لما كتبت لك هذه النشرة، لكني أكتبها لأني "ورّطتُ" نفسي بالتزام أمامك قارئي العزيز، وهذه واحدة من منافع أن يكون لك قارئ: أن تشعر بالالتزام، أن يثقل على قلبك إخلاف وعدك له، وأن يعزّ عليك التهرب من "مسوولية" الإنجاز. |
الوعي = لماذا أنا أكتب؟ ولماذا هو يقرأ لي؟ |
هنا حين تتساءل: ما الذي يجعلني كاتباً جديراً بأن يقرأه فلان من الناس، وهو فلان القابل للتكرار عشر مرات، ومئةً، وألفاً، ومليوناً.. من أكونُ في عين نفسي وفي عين قارئي، حتى أسمح لنفسي أن أكتب له، وحتى يسمح لي أن أستحوذ على اهتمامه، وأحوز ثقته، وأحظى بمتابعته؟ |
ما قيمتي؟ هل هي فيّ أنا؟ أم في شيء أحسنه؟ أم في معنى أمثّله؟ أو ألمٍ أهوّنه؟ أو حلمٍ أقرّبه؟ |
وما الذي يجعل ما أكتبه مؤثراً؟ لغتي؟ معرفتي؟ رسمي للشخصيات؟ إضحاكي للقارئ؟ أو ماذا؟ |
وما الذي أفقده من ضروريات الصنعة وحاجياتها وكمالياتها؟ |
هذه أسئلة قد تطرحها على نفسك لأنك تحب أن تكون من المتبصرين في أنفسهم، ولكن وجود "جمهور" من شخص واحد، سواء تكرر أم لم يتكرر، يحفزك أكثر على أن تتساءل عن السبب الذي يدفعه إلى الإقبال على القراءة لك. |
التنظيم = أن تدير حياتك |
يضطرك وجود القارئ إلى تحديد وعيك بموقع الكتابة من حياتك، وبما تستحقّ الكتابة أن تستحوذ عليه من وقتك، وجهدك، ومالك، وعلاقاتك، واهتماماتك، وكل مواردك. |
ويساعدك اضطرارك إلى الاتزام على التساؤل عن الخطوات التي تسهّل عليك الالتزام وتهوّنه، فإذا أنت تنظّم حياتك، وتتخلص من فوضاك، وتتحكم في وقتك جزئياً أو مؤقتاً.. بحيث تستطيع أن تكتب جيداً، وكثيراً، وأن تتعلم ما يعينك على أن تكتب جيداً، وتهيئ الظروف المعينة على أن تكتب جيداً وكثيراً. |
أرجو أن أكون قد أوضحت لك الفكرة دون إخلال ولا إملال! وبالتوفيق. وفي التمرين الآتي تتمة لموضوع غلافنا هذا. |
![]() |
تمرين هذا الأسبوع تطبيق عملي لموضوع الغلاف! على هيئة رسالة إلى قارئك المثالي! |
في هذه الرسالة، أريد منك أن تختار القارئ الذي تكتب من أجله، هو ومن يماثله ويجانسه ويقاربه من القراء، وأريدك أن تكتبها وأنت تعنيها.. وذلك وفق الخطوات الآتية، التي أعرف جيداً أن كتابتها ليست شيئاً سهلاً. |
١. قل له: أنا أعرفك: |
عليك أن تذكر له: سماته الأساسية الفارقة بالنسبة لك، وما يرجوه أو يحلم به، وما يتألم منه أو يخافه. |
مثلا: |
"أعرف أنك إنسانٌ عربي، تحب أن تكتب أحسن، وترجو أن تصدر كتابك الأول ذات يوم، ويؤلمك ما تجده من ضعف في أسلوبك، وقلة ثقة بقلمك، وتخاف أن يستثقلك القارئ إن قرأ لك شيئا". |
٢. قل له: سأكتب لك: |
عليك أن تخبره أن معرفتك به، وبما يحتاجه، أو يريده، أو يتوقعه منك، جعلتك تقرر أن تكتب من أجله نصوصاً تساعده على تجنب أمر، أو الفوز بأمر، أو بالاثنين معاً. |
مثلا: |
"ولأني أعرفك، وأعرف ما تحتاجه؛ فسأكتب لك مقالات تعليمية، تساعدك على أن تكتب كتابة جيدة وكثيفة، وعلى النجاة من شتات التوصيات وشلل البدايات.. والانطلاق في مسار الكتابة بثقة". |
٣. قل له: أرجوك: |
في خاتمة تمرينك/ رسالتك: اطلب من قارئك ما تتوقعه منه، ما تريده منه.. ما ترجو أن يفعله من أجلك جزاء ما كتبت من أجله. |
مثلا: |
"أرجو منك أن تتقبل مني نصائحي مهما بدت قاسية، فإنها ثمرة خبرة عريضة وتجربة كبيرة، وأرجو منك أن توصل ما أفادك من نصوصي إلى من يشبهك من الناس، لعلهم أن يستفيدوا، وأرجو منك -قبل هذا وبعده- أن تدعو لي بخير. |
وهكذا ينتهي هذا التمرين الذي يبدو أهون بكثير مما هو عليه في الحقيقة. |
![]() |
توصية هذا الأسبوع هي كتابُ "الغراس" للشيخ الأديب: توفيق بن خلف الرفاعي. كتابٌ عجيب مدهش، مكتوب بلغة عذبة، ومشحون بأفكار فذة، وموجه إلى كل ذي عقل.. أعرف أنه ليس كتاباً من اللون المعتاد التوصيةُ به في نشرتنا، لأنه ليس كتاباً تعليمياً ولا سيرة ذاتية، لكنه كتاب يعلّمك كثيراً. لا تفرّط فيه أرجوك. |
![]() |
أنا أمضي هذه الأيّام في عمل محموم، أواصل الليل بالنهار -حرفياً- كي أكمل تجهيزات المنصة التدريبية الجديدة التي سأنتقل إليها قريباً بحول الله، والتي سينتقل معها عملي التدريبي إلى طور جديد ومختلف بحول الله تعالى، دعواتك أن يكلل الله الجهد بالتوفيق. |
شكراً لك لأنك وصلت إلى هذا السطر، وأراك الأربعاء القادم على خير بحول الله. |
عبدالله بن عمر |
التعليقات