هكذا يكسب الروائي في العالم العربي |
21 مايو 2025 • بواسطة عبدالله بن عمر • #العدد 1 • عرض في المتصفح |
أهلاً بكم، المعذرة عن انقطاعي في الأسبوع الماضي لظرف قاهر، أعود إليكم اليوم من منصة هدهد، التي وفرت لي تجربة كتابة أسهل وأفضل، وأرجو أن توفر لكم قراءة أفضل، ووصولاً أفضل إلى إرشيف الرسائل مستقبلاً.اليوم أحدثكم عن جني المال من وراء كتابة القصص والروايات تحديداً، رداً على سؤال وردني تعقيباً على الرسالة السابقة، وأحدثكم بخبر سار عن مشروع مدرسة الكتابة.تفضلوا، لا تطيلوا الوقوف على الباب!
|
|
![]() |
موضوع الغلاف لهذه الرسالة رد على رسالة وصلتني من الأخت ندى.. تقول فيها: |
السّلام عليكم ورحمة الله. ممكن أستاذ عمر تتعمّق أكثر في مجال الرّبح من الكتابة خاصّة في مجال كتابة القصص والرّوايات لأنّ هذا هذا الموضوع يمنعني من التقدّم في الكتابة ومنذ عدّة أشهر وأنا منقطعة تقرييا عن الكتابة بسبب هذا الموضوع بالذّات. إنّني أنتظر ردّك واعلم أنّه سيكون بمثابة طوق نجاة بالنّسبة لي. بارك الله فيك وجزاك كلّ خير ندى |
رسالتك وصلتني يا ندى، وفيها أربعة أشياء تلفت الانتباه: |
أولا: اسمي عبدالله، وليس عمر. لا تنسي ذلك :) |
ثانياً.. بوسعنا الحديث عن الربح من الكتابة في العالم العربي، فهو هاجس يسكن عقول كثيرين من الكتّاب، دُفنت بسببه مواهب، وماتت قدرات، وفترت عزائم! ولا بد أن أخبرك أن العلاقة بين الكتابة والربح في عالمنا العربي "معقّدة" نوعاً ما.. خاصة للمبتدئ، ولمن لا يحسن من فنون البقاء في السوق بقدر ما يحسن من فنون الكتابة والإعراب والخيال والسرد. |
وقبل أن أجيبك، لا بد أن أشجب وأستنكر نقطة مهمة في رسالتك: "منذ عدة أشهر وأنا منقطعة تقريباً عن الكتابة بسبب هذا الموضوع بالذات". |
هذه الجملة تكشف عن خطأ استراتيجي نقع فيه جميعاً: تعليق ممارسة الكتابة على شرط الربح! تخيلي معي لو أن لو أن هاوي كرة القدم أضرب عن تمرينه ما لم يجده "صيادو المواهب" الذين يأخذون المحظوظين إلى الأندية ويمنحونهم العقود والنجومية، أو لو أن كل رسّام ترك فرشاته حتى يجد من يشتري لوحاته.. كم من الإبداع سيُفقد؟ ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل! |
الكتابة يا ندى ممارسةٌ للقلب والعقل، والنفس والروح، قبل أن تكون حرفةً يستحلب منها المال، هي لقاء مع الذات، وتأمل في الحياة، وتعبير عن رؤية شخصية فريدة إلى الحياة فرادة بصمتك الجينية! هذه قيمة ذاتية لا يمكن قياسها بالمال، لذا، أول نصيحة أسديها إليك: أن تتحقي من دوافعك تجاه الكتابة.. وثاني نصيحة: إن كنت تحبين الكتابة حقاً؛ فعودي إليها من فورك، ولا تطاردي الربح، واعتبريه نتيجة حسنةً، لا هدفاً تعلّقين عليه أملك وعملك. |
ثم دعيني أتحدث عن الربح من الكتابة، لم يكن العقّاد، وهو أحد أكبر الكتاب في تاريخنا المعاصر، يستطيع أن يعيش عيشاً رغيداً من الكتابة وحدها، ولا كان نجيب محفوظ، أعظم من كتب الرواية العربية، مستغنياً عن وظيفته الحكومية حتى تقاعد. ليس التأليف هو ما يمنحك المال الكافي للعيش الرغيد في عالمنا العربي، لكنه قد يفتح الباب لألوان من الرزق. |
دور النشر التقليدية تعاني وتكافح لتظل على قيد الحياة، وهناك عدد منها يوصد أبوابه للأبد كل بضعة أشهر، وما بقي منها فهو يدر على أصحابه ما تدره الدكاكين ومحلات الخضر والفاكهة، وإن تعاقدتِ مع دار نشر، فربما دفعتِ لها المال مقابل أن تنشري كتابك، فتغرمين ولا تغنمين، ولكن ثم صوراً جديدة من النشر توفر لك ربحاً أفضل، منها النشر الذاتي بالتعاقد مع دور نشر من قبيل مكتبة سماوي، وستواجهين بطبيعة الحال تحدي تعريف القراء بإصداراتك.. فمجرد إصدار الكتاب لا يكفي في عالم مكتظ بالإعلانات ومزدحم بالصراخ. |
هذا لأنك سألتِ عن كتابة القصص والراويات بالتحديد، وبوسعي أن أدغدغ مشاعرك بالحديث عن جائزة البوكر العربية، وحتى جائزة نوبل، لكن هذه أشياء قصارى أكثر الكتّآب في العالم أن يحلموا بها، وليس بأيديهم أن يبلغوها.. لذا فهي أضغاث أحلام، إن جعلها الله حقاً ذات يوم فخذيها هدية غير متوقعة، ولكن لا تجعليها نصب عينك. |
ليست هناك طريقة سهلة للربح من وراء كتابة القصص والروايات، لكن هناك وسيلة مختلفة للربح من "مهارة" كتابة القصص والروايات، مضافاً إليها شيئاً من رقية الثعالب! |
هل تعرفين قصة رقية الثعالب؟ هذا رجل عضّه ثعلب، فذهب إلى راقٍ لقرأ عليه وينفث على جرحه، سأله الراقي: ما الذي عضّك؟ فاستحى أن يقول: ثعلب، وقال: عضّني كلب، فلمّا بدأ الراقي بالقراءة؛ قال له الرجل: اخلط بها شيئاً من رقية الثعالب! |
ورقية الثعالب هنا هي شيء مزيج من عقلية الكاتب، وعقلية المعلّم، وعقلية البائع! |
عقلية الكاتب: تتحقق بأن تتعلمي آليات كتابة القصة والرواية أو إحداهما، وكلما ضيّقت مجال التخصص كان أفضل، وأن تطبقي ما تعلّمته، وأن تتمكني من مهارتك هذه، وتقدمي للناس ما يثبت ذلك، بالإنتاج الجيد. وهذا لا يحقق لك ربحاً ولا يجلب لك مالاً، لكنه يجلب لك مفتاح منجم من الذهب، إنه يجعلك صاحبة خبرة حقيقية، هكذا يراك أقرانك، وهكذا يراك من يبلغ مبلغك من الإتقان والتمكن. |
وعقلية المعلّم: هي عقلية الشخص الحريص على أن يخبر الناس كيف يصبحون مثله، والحريص على إتحاف الآخرين بتفاصيل اهتمامه بمجال كتابته، وبهذا التمركز: تبنى المصداقية، ويبدأ قطاع صغير من الناس يثقون بك، ويحرص على متابعة ما تقولينه، ويعرف أن الاستفادة منك أمرٌ محتوم ما داموا يطّلعون على ما تكتبين لهم مما يدور وراء كواليس الكتابة. كم كاتباً يصنع هذا في عالمنا العربي؟ أنا لا أعرف أحداً يفعل هذا، لكني أعرف أن من يفعل هذا فسيفيد خلقاً كثيراً.. |
وفي هذه العقلية نفسها: عليك أن تتعلمي كيف تقومين بتعليم الناس، كيف توصلين إليهم ما تحوزين من المهارات المختلفة، وهذا يعني أن تقرئي في طرق التعليم وصناعة المناهج التدريبية، وأن تنظمي للناس لقاءات تدريبية مجانية، أو بأثمنة مخفضة، والمكسب الأكبر لك: أن تقوّي عقلية المعلّم، القادر على تمكين الناس مما تمكّن هو منه. |
ثم تأتي العقلية الثالثة، عقلية البائع أو الرائد.. هنا يصبح مورد رزقك: تعليم الناس كيف يكتبون كما تكتبين، ومرافقتهم في رحلة التحسن والإتقان لقصصهم أو رواياتهم. وبهذا يكون لديك عمل بار، ورزق دارٌّ، وعيش قارٌّ إن شاء الله |
لذا، عودي للكتابة فوراً، حسني تجربتك، واصقلي قدرتك، وأخلصي لقلمك الجهد والحرص والتحسين الدائم، وأشركي الاخرين في تجربتك.. اكتبي لأنك تحبين الكتابة، لأنها تمنحك صوتاً، وتصنع لك أثراً، أرجو أن أسمع منك وعنك أخباراً طيبة. |
![]() |
تمرين هذا الأسبوع: رسالة منك إليك! |
أرسل رسالة إلى الشخص الذي ستكونه بعد عشر سنين إن كان في العمر بقية. |
بوسعك أن تتحدث إليه عما تأمله، أو تخشاه، أو تتوقعه، أو أن ترسل إليه لقطة "سيلفي" لكنها ملتقطةٌ بالقلم لا بالكاميرا.. |
![]() |
توصية هذا الأسبوع ليست كتاباً كالمعتاد، بل هي قناة في تليغرام، لشخصية رائعة تعرف نفسها بكلمة واحدة: قارئة! وهي الأخت الفاضلة: أروى لافي.. وقناتها هذه هي "الغرفة الخلفية" لنشرتها البريدية الثرية. |
إذا كنت ترى في القراءة هواية منعزلة عن حياتك ومشكلاتك، فإن أروى تجعل القراءة أداة لفهم الذات، واستيعاب الناس، وتسعى إلى كشف أثر القراءة حين تُمارس بوعي: كيف تصبح مرآة داخلية، ومجهرًا لفهم التجارب، وبوصلة للمواقف. |
![]() |
الحمد لله، أخبار العمل التدريبي طيبة. |
|
دعواتك لي بالتوفيق، ولسيدتي الوالدة وأختي الغالية بتمام الشفاء والعافية. وألقاك الأربعاء القادم على خير بحول الله. |
التعليقات