بين أن تكون كاتباً، وبين أن تظلّ كاتباً - العدد #3

18 يونيو 2025 بواسطة عبدالله بن عمر #العدد 3 عرض في المتصفح
مرحباً بك من مسقط، أعترف لك أني أكتب هذه الرسالة بدافع الرغبة في الالتزام وحسب، أما الحماس فهو مفقود اليوم، والسبب شخصي: أمضيت البارحة ليلةً شاقةً أصارع بعض العوائق التقنية في مشروعي التدريبي، وبينما أنا غارق في المحاولات؛ سمعت أذان الفجر! ولم أفلح في النوم إلا بعد ارتفاع الشمس لا مقدار رمح، بل مقدار برج خليفة!أفلحت بعد نوم سيئ في انتزاع نفسي من فراشي، والهرب إلى مجمع تجاري بعيد كي أعمل دون أمل في العودة إلى الفراش قبل إكمال قسط من واجبات اليوم.لماذا أكتب هذا في المقدمة؟ لأني سأعود إليه إن شاء الله بعد سنوات فأسعد بقراءة لقطة من يومي، ونسخة من نفسي.. ولسبب أهم في الحقيقة، وهو اتصال هذه القصة بموضوع الغلاف لهذا الأسبوع!تفضلوا معي..

بين أن تكون كاتباً، وبين أن تظلّ كاتباً.. هذا هو موضوع غلافنا لهذا الأسبوع، وسأضع لكم زبدته في السطر الآتي:

أن تكون كاتباً: مسألة اكتساب، وأن تظلّ كاتبا: مسألةُ إدارةٍ.

وسأشرح الحكاية في الفقرتين الآتيتين..

أولًا: أن تكون كاتبًا:

الكاتب: إنسان يمتلك طائفة من المهارات، ويحسن التعامل مع مجموعة من الأدوات.

وهذا يعني أن مهمّتك في مرحلة جعل نفسك كاتباً: هي أن تعيش حالة الإنسان المتعلم بكل أبعادها وتفاصيلها..

ولا بد لك في هذه المرحلة من معلّم خبير، يضبط لك البوصلة، والساعة!

أما البوصلة، فهي وجهتك في التعلّم: ما وجهتك في رحلة التعلم؟ وما الذي يجب أن تبدأ به؟ وما الذي يجب أن تؤجله أو تتجاهله،  وهذا أمرٌ إن تهاونت به فستضيّع على نفسك كثيراً من الوقت، وتضيع في شتات البدايات، وفي أوهام المبتدئين، وتعيش قدراً كبيراً من الحيرة العقيم، والحركة التي لا تصحبها بركة، ولا تؤدي إلى نتيجة إلا بالصدفة!

وأما الساعة، فهي: ترتيب الخطوات اللازمة لك كي تترقى في عالم الكتابة، وتكتسب مهاراتها..

وقد يكون هذا المعلّم إنساناً من لحم ودم، تشافهه وتحادثه، وتراسله وترجع إليه، وقد يكون هذا المعلّم إنساناً بعيداً عنك، لأنه مات من زمان، لكنك تثق بحكمه وتصدر في رحلة التعلّم عن رأيه وإشارته.

أقول هذا لأن الكتابة مهارة مركّبة، والظفر بإتقان المهارات المركّبة يشبه الظفر في حرب مركّبة من معارك كثيرة،  ولا بد لك من البصيرة التي تمكّنك من التوجه وفق البوصلة، مع عدم نسيان النظر إلى الساعة.. دون الغرق في اللحظة الحاضرة على حساب التوجه، أو التحليق على جناحين من الحلم والوهم بعيداً عن واجب الوقت.

تحتاج أن تتعلم كيف تكتب جملة صحيحة، وكيف تنشئ نصاً مفيداً، وكيف تكتسب ملكةً لغوية، وكيف تقرأ قراءة مثمرة، وكيف تعتاد عاداتٍ منتجة، وكيف تجرّب مساحات جديدة، وكيف تنهل من مصادر متعددة، وكيف تغالب نزعتك إلى التعجل المفرط أو التأني المفرط.. 

وفي هذه المرحلة، لا بد من الحماس في البداية، ولكن الحماس لا يدوم، لذا يجب أن تستثمر الحماس متى أقبل عليك، وأن تكثّف التدريب، وتتخذ المرشد والأقران وتشكّل البيئة المعينة، وتتغلب على العادات والأعراض المعيقة.. حتى تبلغ اللحظة الحرجة، لحظة الانقلاب من متعلّم بالمقام الأول إلى منتج بالمقام الأول!

ثانيًا: أن تظلّ كاتبًا:

ستبلغ مرحلةً ما، تقول فيها لنفسك، أو يقول لك فيها معلّمك الخبير: إن عليك أن تعتبر نفسك كاتباً في مرحلة الإنتاج، لا مرحلة الاكتساب!

أي أنك تمتلك الآن من القدرات الكتابية ما يجعلك جديراً بأن تنتج للناس، وأن تكون لك مشروعات كتابية.

وهنا يتغيّر كل شيء، فتصبح مهمتك في هذه المرحلة: أن تعيش حالة الكاتب المنتج، بكل أبعادها وتفاصيلها.

وهنا تأتي مهمة إدارة الطاقة! أن تعرف أيها الكاتب كيف تواجه الشتات بين مشروعاتك الكتابية، وكيف تدير وقتك لتنتج إنتاجاً منتظماً وجيداً معاً، وكيف تتصرف حيال الشكوك، وكيف تداري الملل، وكيف تداوي النضوب والجفاف..

كان تحديك الأكبر في المرحلة السابقة: هل أستطيع أن أكتب جيداً؟ وصار تحديك في هذه المرحلة الجديدة: هل أستطيع أن أظلّ في جبل الرماة؟ وحتى متى أستطيع أن أكتب؟

مشكلة الكتابة أنها مهارةٌ مسيطرة وشرهة، فهي تقتات على روحك وعاطفتك ودماغك، وتستنزف مخزونك من صفاء الذهن ومن سعة الصدر، ولذلك لا يندر ولا يقلّ في عالم الكتّاب أن ينطفئ كاتبٌ مُجيد، وأن يتعثر أديب ذو وزن ثقيل وحظ من البيان عظيم!

ذلك بأن الكاتب الذي لا يحسن إدارة طاقته؛ سينكفئ على نفسه، وربما يتبدد إيمانه بقلمه إلى غير رجعة! والكاتب الذي ينهك قلمه سيفقد مبرر الاستمرار، ويقل حظه من الجودة مهما ارتفع نصيبه من الكفاءة!

يعرف الكاتب الذي يدير طاقته: متى يكتب، ومتى يستريح، ويعرف كيف يبني لنفسه نظاماً يراعي طبيعته وظروفه والتزاماته الحياتية، ويعي كيف تؤثر مشاغله وارتباطاته واهتماماته المختلفة على قدرته الكتابية.. ويعي أن إيمانه بقلمه، مثل كل إيمان، يخلق ويبلى كما يبلى الثوب، ويستعين بالله على تجديد إيمانه بقلمه، وتقوية شغفه بكتابته (رغم أني أكره كلمة الشغف هذه).

هل أفلحت في إيصال فكرتي؟ أرجو ذلك! وإن لم أفلح فسألوم إجهاد البدن وقلّة النوم!

تمرين هذا الأسبوع قدّمته البارحة في اللقاء الأسبوعي لمدرسة الكتابة.. وقام الأعضاء بتطبيقه على الهواء مباشرة.. وكان لقاء مثمراً بحمد الله.. 

هذا تمرين يستهدف تكوين فكرة مكتملةٍ وواضحة.. وسأسرده لك هنا باختصار:

أولا: هات فكرة نص ما.. أول فكرة تخطر في بالك.. اكتبها.

ثانيا: اكتب زبدة الرسالة التي تريد إيصالها إلى قارئك من وراء النص الذي تكتبه، في جملةٍ أو جملتين أو ثلاث.. وخذ هذه القاعدة: ما لا تستطيع إيجازه؛ فأنت لم تفهمه بعد!

ثالثا: اكتب بإيجازٍ ثلاثة أفكار تدعم بها الرسالة التي كتبتها في الفقرة السابقة.

رابعا: فكر في جملة افتتاحية تكتبها قبل الفكرة الرئيسة.. 

خامسا: فكّر في جملة ختامية تكتبها بعد الأفكار الداعمة.

سادسا: ارجع وتأمل ما سبق، وستكتشف أن لديك هيكلاً عظمياً لنص متماسك البنية.. اكس هذه العظام لحماً، واكتب نصّك الآن، وادع لي بالخير.

هذه المرة سأضع لك توصيتين:
الأولى: مقطع فيديو وجيز، يتحدث فيه آدم بن عن الكتابة، ويحثك على الشروع فيها الآن.. المقطع بالإنغليزية، والترجمة متاحة في يوتيوب بحمد الله.

الثانية: أعددتُ كتيباً يحمل عنوان: شهر الكتابة | دليلك العملي لتطوير قلمك في ٢٨ يوماً. إن كنت مهتماً به؛ فتفضّل بأخذه من هنا.

  • الحمد لله، لا تزال مدرسة الكتابة مستمرة في جدولها المعتاد: نص يُكتب كل يوم، ولقاء كل أسبوع، وكان لقاؤنا الأسبوعي البارحة بعنوان: كيف تكتب فكرة كاملة؟ في ورشة تنفيذية استغرقت ساعة واحدة.
  • بإذن الله ستنطلق رحلة الكتابة في دفعتها السابعة والعشرين مطلع العام الهجري الجديد.
  • تواصلت مع جهتين ثقافيتين، والتزمت بالكتابة معهما في مجالات ذات صلة بالكتابة وما حولها.. سأبلغك بالأخبار الجديدة والجيّدة قريباً إن شاء الله.

شكراً لأنك وصلت إلى هنا.. أراك الأربعاء القادم على خير إن شاء الله.

Hananصبا الزيودافتتان أحمد6 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة عبدالله بن عمر البريدية

نشرة عبدالله بن عمر البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة عبدالله بن عمر البريدية