نشرة غيمة البريدية - «حيث تلتفت؛ تكون🧭»

بواسطة هيا #العدد 6 عرض في المتصفح
كلما التفت إليك...

غيمة أفكاري تكتظ وتدور متسائلةً: هل وَرَدَ الالتفات مرةً في موضع محمود؟ 

فيخطر في ذهني أمره سبحانه وتعالى للوط -عليه السلام- وأهله بعدم الالتفات وأفكر أكثر وأبحث عن هذه المفردة عن هذا الفعل (الالفتات) فستكون هذه النشرة عرضًا لما قد يعين على الإجابة في ورودها للتأمل في هذا المعنى، فما وجدتُ؟

في قوله تعالى:﴿قَالُوا۟ يَٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓا۟ إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا ٱمْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُۥ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾[هود:٨١]

وقال ابن جُزي في هذه الآية أنهم «نُهوا عن الالتفات لئلا تتفطر أكبادهم على قريتهم».

وقوله تعالى:﴿فَأَسرِ بِأَهلِكَ بِقِطعٍ مِنَ اللَّيلِ وَاتَّبِع أَدبارَهُم وَلا يَلتَفِت مِنكُم أَحَدٌ وَامضوا حَيثُ تُؤمَرونَ﴾ [الحجر: ٦٥]

وذكر البقاعي في هذه الآية: "﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ﴾: لأن الملتفت غير ثابت؛ لأنه إما غير مستيقن لخبرنا، أو متوجع لهم، فمن التفت ناله العذاب، وذلك أيضًا أجدُّ في الهجرة، وأسرع في السير، وأدل على إخراج ما خلَفوه من منازلهم وأمتعتهم من قلوبهم، وعلى أنهم لا يرقُّون لمن غضب الله عليهم مع أنهم ربما رأوا ما لا تطيقه أنفسهم."

فتمعَّن!

***

تلتفت للوراء فيذهب ثباتك في أمرك وتتزعزع وقد يصيبك من الألم الكثير، كالواقف على الأطلال جعلته التفاتته يقف على هذه الآثار والبقايا من الديار لينادي ومامن أحد ويدعو للبكاء والوقوف، ويتحسر ويشتاق ومامن أحد! فيذهب العمر لأجل التفاتة ووقفة.

وأما في حال المسلم الذي تطهَّر واستقبل القبلة يقابل ربَّه في صلاة تستلزم الخشوع والطمأنينة ففي أمر مهم كهذا فالالتفات مكروه (لمراجعة الحكم اضغط هنا) فعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت سألت رَسُول اللَّهِ ﷺ عن الالتفات في الصلاة فقال: (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

***

و" عَن رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لمَّا دفعَ الرَّايةَ إلى عليٍّ رضيَ اللَّهُ عنهُ حينَ وجَّهَهُ إلى خَيبرَ قالَ امضِ ولا تلتَفتْ، حتَّى يَفتحَ اللَّهُ عليكَ، فسارَ عليٌّ رضيَ اللَّهُ عنهُ شيئًا ثمَّ وَقفَ فصرخَ فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ على ماذا أقاتلُ؟، قالَ قاتِلهُم حتَّى يَشهَدوا أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، فإذا فعَلوا ذلِكَ فقَد مَنعوا دِماءَهُم وأموالَهُم إلَّا بِحقِّها وحِسابُهُم علَى اللَّهِ

الراوي: أبو هريرة | المحدث : العيني | المصدر: نخب الافكار | الصفحة أو الرقم: 12/183 | خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح

و"ذكر أهل العلم في هذا النص؛ الأمر بالإقدام والمبادرة، من الحكمة وإرهاصات الفلاح أن يكون هذا النصُّ الكريم شعار من يطلب أمرًا ساميًا، لا تلتفت لمن يعيقك ويفت في عضد همتك، امشِ حتى يفتح الله عليك!"

***

وفي كتاب الإكسير لابن القيّم نقل لنا عن حال التَّائب وأحكام التوبة، فيقول: 

«وهذا بحسب حال التَّائب بعد توبته وعزمِه وحذره وجِدَّه وتشميره، فإن كان ذلك أعظم مما كان له قبل الذنب عاد خيرًا مما كان وأعلى درجة، وإن كان مثلَه عاد إلى مثل حاله، وإن كان دونَه لم يعُد إلى درجته وكان منحطًّا عنها». 
وقد ضُرِب لذلك مثلٌ برَجلٍ خرج من بيته يريد الصلاة في الصفِّ الأول، لا يلوي على شيء في طريقه، فعرَض له رجلٌ مِن خلفه جَبَذَ ثوبَه وأوقفه قليلًا، يريد تعْويقه عن الصلاة، فله معه حالان: أحدهما: أن يشتغل به حتى تفوته الصلاة، فهذه حال غير التَّائب. الثاني: أن يُجاذبه على نفسه، ويتفلَّت منه؛ لئلَّا تفوته الصلاة، ثم له بعد هذا التفلُّت ثلاثة أحوال: أحدها: أن يكون سيرُه جمزًا ووثبًا؛ ليستدرك مافاته بتلك الوقفة، فربما استدركه وزاد عليه. الثاني: أن يعود إلى مثل سيره. الثالث: أن تُورثه تلك الوقفة فُتورًا وتهاونًا، فيفوته فضيلة الصف الأول، أو فضيلة الجماعة وأوَّل الوقت، فهكذا التائب سواء. 

- الأكسير، ص٥٨

ورأيت أن أمر هذا المثل المضروب للرجل كله أشبه بالتفاتة فإنْ التفت و وقف كان كغير التائب وإنْ لم يلتفت وتفلَّت من قبضة ذلك الرجل فقد أحسنَ 

فانظر في أمورك مالذي تكلفه التفاتة منك؟ فقد تضيّع عُمرًا!

***

إذا كان الالتفات في وروده في عدة مواضع غيرُ محمود، فماذا لو كان الالتفات لأمرٍ ما محتومًا ولا بد من موقف يُتخذ في أمر لا نستطيع الالتفات عنه؟ 

مثال على ذلك، جعلني أفكر في الالتفات أكثر وموقفنا من كل الأمور التي تحدث 

في حادثة الإفك، حين اتهمت عائشة -رضي الله عنها- وبرأها الله في كتابه العزيز مما اتهمها به المنافقون إفكًا... في هذه الحادثة كان لزينب بنت جحش - رضي الله عنها- موقفٌ استوقفني عجبًا وإعجابًا فسأقتص جزءً من حديث عائشة رضي الله عنها في هذه الحادثة: 

«... كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَسْأَلُ زَيْنَبَ بنْتَ جَحْشٍ عن أمْرِي، فَقَالَ: يا زَيْنَبُ، ما عَلِمْتِ؟ ما رَأَيْتِ؟ فَقَالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، أحْمِي سَمْعِي وبَصَرِي، واللَّهِ ما عَلِمْتُ عَلَيْهَا إلَّا خَيْرًا، قَالَتْ: وهي الَّتي كَانَتْ تُسَامِينِي، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بالوَرَعِ.»

(لقراءة الحديث كاملًا اضغط هُنا) - الراوي: عائشة أم المؤمنين | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري. الصفحة أو الرقم: 2661 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

***

ففي الحوادث التي نواجهها في هذه الحياة قد نلتفت التفاتات غير ضرورية تعيقنا وقد نضطر مراتٍ الى الالتفات وإن كان لابد منه فعلينا أن نحسن هذه الالتفاتة ألا نقول إلا الحق وألا نخوض مع الخائضين في القيل والقال والأحداث...

فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا زعيمٌ ببيتِ في رَبَضِ الجنةِ لمَن تَرَكَ المِراءَ وإن كان مُحِقًّا ، وببيتِ في وسطِ الجنةِ لمَن تركَ الكذبَ وإن كان مازحًا، وببيتٍ في أعلى الجنةِ لمَن حَسُنَ خُلُقُه.

"المِراءَ"، أي: الجِدالَ، "وإن كانَ مُحِقًّا"، أي: فِيما يقولُ؛ وهذا لِمَا فيهِ من الحِفاظِ على النفوسِ وما يَتسبَّبُ فيهِ المراءُ من خِلافٍ وشَقِّ للصفوفِ."


الراوي: أبو أمامة الباهلي | المحدث: الألباني | المصدر : صحيح أبي داود. الصفحة أو الرقم: 4800 | خلاصة حكم المحدث: حسن.

قد يكون جدالك وإن كان حقًا؛ سببًا في تسليط الضوء على مالا ينبغي إلا تجاهله لإسكاته أو في زيادة العداوات والبغضاء والخلافات التي تهدف إليها بعض المجادلات والأقوال 

فإن كان لابد من التفاتة فأحسنها و«لكل مقام مقال».

وإن التفت عن مصاب أخوتك المسلمين لما فيه من دمار ودماء وأشلاء تؤلم كل قلب لم يُعدم إحساسًا ولا يدري مايفعل، فلا تلتفت عن الدعاء لهم ففي الدعاء معجزات وهو ماتملكه وتستطيعه فلا تبخل به!

***

وإذا عزمت فتوكل فلا تلتفت في كل مرة لديار كلها خراب ولأطلال رحل عنها أهلها فما يُفيد وقوفك؟ 

وإذا عزمت على أهدافك فتوكل ولا تلتفت للمحطمين المثبطين أو للظروف التي تجعل أهدافك أصعب فهي تقويك وامضِ ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك وتنال مطلبك مفتخرًا حينها فقط إذا التفت ستشعر بفخر أنك لم تستسلم

وبذكر الفخر والالتفات أكتبُ:

كلما التفت إليك

ازددت حسرةً وتعبًا 

كلما التفت لتلك الأيام 

يمر الشوق بي 

ياتُرى أكانت أوهامًا أم حياةً 

وأين ولّت؟ 

حينما التفت لذلك الوقت 

الذي لم أستطع فيه إيقاف أدمعي 

وكنت أبكي بحرقة وخوف بأن أتحسر 

وتهتز يداي وتتخدر 

والكون يسير ولا أحد يدري 

هُنا وحدي 

التفتُ اليوم لتلك الأيام، لأخبر تلك الذات وهذه الذات ولكل الكون الذي لا يدري فليدرِ

بأنّي فخورة بما فعلت 

لن التفت بعد الآن فقد كان فصلًا فريدًا ودعته أبدًا. 

***

" الذين يديرون رؤوسهم للخلف لا يرون الغد أبدًا."

 ㅡ مصطفى أمين

شكرًا لقراءتك كلماتي، أتمنى أنَّها كانت نشرة سارَّة...انتظرني في العدد القادم من نشرة غيمة بتاريخ ٨.١.٢٠٢٤

الساعة ٨:٠٦ صباحًا -بإذن الله- ☁️

لملاحظاتك ولرأيك بنشرة غيمة: اضغط هُنا ☁️

خديجة1 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة غيمة البريدية

نشرة غيمة البريدية

تذهب وتأتي تلك الأفكار كغيمة في رأسي ولأنَّ فضاء الكلمات يسع لاحتوائها... هذه النشرة غيمةٌ من أفكاري وبكلماتي؛ أبعثها إليك آملةً بأنْ تكون هذه الغيمة سارَّة بكل حالاتها حين تعبر في سماء بريدك، في اليوم الثامن من كل شهر في الساعة ٨:٠٦ص ✨

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة غيمة البريدية