نشرة غيمة البريدية - «ركض الوحوش🏁»

بواسطة هيا #العدد 4 عرض في المتصفح
كان يا ماكان في قديم الزمان كان هناك أرنب وسلحفاة… هكذا تبدأ الحكاية كما نعرفها وتنتهي بفوز السلحفاة.

كلنا نعرف أنَّ هذه القصة ضُربت مثلًا على عدم التهاون والاغترار والتسويف كما فعل الأرنب، وبجانب آخر عن استمرارية السلحفاة… تلك التي تسير في وتيرتها بثقة وبهدوء حتى وصلت وفازت بالسباق. ونحن قد نستخدم الحكايات والقصص لأغراض عدة منها أن تكون مثلًا أو انعكاسًا رمزيًّا لأفكارنا ولحياتنا، إنْ كانت السلحفاة والأرنب في سباق… هل هذا يعني أننا في سباق؟ 

هذه الفكرة عبرت عدة مرات، وخاصة بتلك الأيام الهادئة؛ تلك التي يجب عليك فيها أن تنتظر وأن تعيش وتمضي بهدوء وتستعد بخطوات لا بأس بها حتى تصل لنقطة ما فتبذل حينها قُصارى جهدك... لكن ذلك الهوس في الركض كان مؤذيًّا، أن تقف حينها أو أن تمشي بهدوء وكل العالم يركض من حولك يهتف بأقوال معينة، مثل: 

"إن لم تركُض في ساحات العشرين الفسيحة، فبأيّ ممرات الأربعين ستفعل ؟"

 تلك المقولة التي أشعرتني بالفجع بأنَّ العمر سيضيع وهو لم يكن، من قال أنَّ العشرين ساحات فسيحة؟ وأنَّ الأربعين مكان للراحة أو التقاعس أو المكوث أو أنَّها نهاية للسعي؟

فالإنسان لا بد أن يسعى من ولادته وحتى مماته لأنها رحلة؛ رحلةٌ مؤقتة. الحياة رحلة لها بداية ونهاية لكن لا عمر محدد للسعي وللتعلم و للفرص الجديدة، فيمكنك بعمر الأربعين أن "تركض" وتسعى كما يمكنك أن "تركض"وتسعى في العشرين. (وبذكر الأربعين، لا ننسى أن رسولنا الكريمﷺ نزل عليه الوحي بمطلع الأربعين وبعدها بدأ دعوته!)

أعلم أن مثل هذه الاقتباسات تقال لشحذ الهمة، وللتشجيع على السعي وأن الفرص في عمر العشرين والطاقة كذلك قد تكون أعلى عند الأغلبية... لكن تحديدها بالركض وبعمر معين أمر مجحف لسعي ممتد في رحلتنا كاملة في محطاتها المختلفة، مجحف بحق الحياة الواسعة وباختلافنا كبشر. فالسعي ليس محتومًا بالركض فحسب!

قد تجبرنا بعض المحطات في رحلة حياتنا وبعض الظروف على التوقف مؤقتًا، وقد نستطيع أن نخطو في درب ما خطواتٍ متأنية، وقد تحتاج منا بعض الدروب ركضًا مستمرًا، المهم أننا نعرف الوجهة، نعرف هذه الذات ونشعر بلحظات هذه الرحلة فهي ستكون ذكرى في لحظة الوصول، ذكرى نعتز بها.

***

في أيام الجامعة وفي محاضرة الأدب الحديث(نثر) درسنا مقومات الرواية وطرأ في بالي تساؤل يخص السرد وطرقه وهل من الممكن أن يجمع عمل ما طريقتين مختلفتين في السرد؟ كان سؤالًا بسيطًا صغيرًا

طرحت هذا السؤال على الدكتورة بعد أن انتهى الشرح مع أسئلة اخرى كان جوابها واحدًا؛ جواب ظلَّ يطرق مسمعي في كل مرة أهتز فيها وهو: "على حسب طبيعة العمل التي تفرضها…"

فبتُّ أفكر: طبيعة العمل؟ 

طبيعة الشخصيات؟ 

فبدأت أسقط هذا الجواب على نفسي، على حسب طبيعتك وهذه طبيعتك 

رغم تشابهنا كبشر إلا أن كل شخص مختلف بطبيعته فيما يتناسب معه، حينها بدأت أنظر أكثر فيما يناسبني يناسب طبيعتي… ومنها تلك الوتيرة.. الوتيرة التي أسير فيها على الدرب

لكل منا طبيعته، دروبه، وحياته… والوتيرة المناسبة لأن يمضي في دربه في جهاده في سعيه وفي راحته. إنَّ ما نعرفه ليس حقيقة ثابتة والحكاية لها ألف وجه حسب زاوية من يرويها والعمر يمضي والفرص تتعدد، ومن يسعى سيجد المهم أن نتزن ونعرف الوجهة أن نبصر الدرب لا أن نركض دون هدى في سباق مجهول اختلقناه بأنفسنا أو اختلقه الواقع المعيش أو أن نحصر أنفسنا في مقولة أو حكاية أو في رمز ما نسقطه على حكايتنا وحياتنا وهي تحمل ظروفًا مختلفة، فنضيق بها ذرعًا وقد نضيع!

ولأدرك معنى الوتيرة وطبيعة الشخصيات، أفكر ياتُرى لو عُدنا لقصة الأرنب والسلحفاة وغيرنا في بعض الشخصيات وصار السباق بين سلحفاة وحلزون؟ 

ثم أفكر: هل لا بد أن يكون سباقًا...؟ 

***

اتأمل في قوله وفي طبيعة مهنته، وأدرك أكثر أن العبرة ليست في ركضك وأن الحياة رحلة قد تتطلب منك الكثير، والعبرة هي غايتك من كل هذا المسير وكيف ستمضي في هذه الرحلة، ابصر في نفسك وتعرَّف عليها وعلى ظروفك، ومايناسب طبيعتك، وطموحاتك وأحلامك! 

وبذكر الطموحات، تتردد في داخلي هذه الأبيات:

مادام فيني نفس يذري وفيني طموح بابٍ وراه اعتزازي... طارقه.. طارقه 
رغم امتداد التعب عيّا يموت الطموح والشمس بكره رغم أنف الدجى شارقه

- مساعد الرشيدي -رحمه الله-.

***

قصّة «وتيرة السلحفاة»، رسمتها عام ٢٠٢٠م.

قصّة «وتيرة السلحفاة»، رسمتها عام ٢٠٢٠م.

وختامًا؛ مثل ماذكرنا بالعنوان ومثل مايقول المثل:

«لو تركض ركض الوحوش؛ غير رزقك ماتحوش»

***

قال ﷺ: «هَلُمُّوا إِليَّ. فأَقبَلُوا إليه فجَلَسُوا، فقال : هذا رسولُ ربِّ العالمِينَ ؛ جِبريلُ نَفَثَ في رُوعِي: إنَّه لا تَموتُ نفسٌ حتى تسْتكمِلَ رِزْقَهَا وإنْ أبطأَ عليهَا ، فاتَّقُوا اللهَ ؛ وأجْمِلُوا في الطَّلَبِ، ولا يحْمِلَنَّكم اسْتِبْطاءُ الرِّزقِ أن تَأخذُوهُ بِمعصيةِ اللهِ، فإنَّ اللهَ لا يُنالُ ما عِندَه إلا بِطاعتِه»

الراوي: حذيفة بن اليمان| المحدث: الألباني| المصدر: صحيح الترغيب| الصفحة أو الرقم: 1702| خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح.

شكرًا لقراءتك كلماتي، أتمنى أنَّها كانت نشرة سارَّة...انتظرني في العدد القادم من نشرة غيمة بتاريخ ٨.١٠.٢٠٢٣

الساعة ٨:٠٦ صباحًا -بإذن الله- ☁️

لملاحظاتك ولرأيك بنشرة غيمة: اضغط هُنا ☁️

مشاركة
نشرة غيمة البريدية

نشرة غيمة البريدية

تذهب وتأتي تلك الأفكار كغيمة في رأسي ولأنَّ فضاء الكلمات يسع لاحتوائها... هذه النشرة غيمةٌ من أفكاري وبكلماتي؛ أبعثها إليك آملةً بأنْ تكون هذه الغيمة سارَّة بكل حالاتها حين تعبر في سماء بريدك، في اليوم الثامن من كل شهر في الساعة ٨:٠٦ص ✨

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة غيمة البريدية