نشرة غيمة البريدية - «عن كهوفنا...» |
بواسطة هيا سليمان • #العدد 2 • عرض في المتصفح |
[يجلس مقابلًا الجدار... ترهبه الشخوص التي تتحرك، تارة تضحكه وتؤنسه، وتارة تخيفه ويغمض عينيه لأنَّ أيّ حركة أو التفاتة ستبعث الألم في جسده... ويظن أنَّ هذه هي الحياة فحسب!
وُلد هُنا، كبُر هُنا... وهذا هو كل مايعرفه؛ الشخوص في الجدار، والسلاسل التي عليه، وفي نظره هي جزءٌ منه فقد تعايش معها واعتاد... هنا حياته التي يعرفها ويعيشها، هنا في الكهف وحسب...] |
|
ذات يوم وأنا أبحث في محاورات أفلاطون لبحثٍ عن نظرية المحاكاة في مقرر نظرية الأدب وكيف يُرى الفن/ الأدب في ضوء هذه النظرية وأثناء التصفح وقعت على هذه الأسطر في المحاورة، على لسان سقراط: |
" انظر: كائنات بشريَّة أُسكنت في كهف تحت الأرض له ممر طويل مفتوح باتجاه النور وباتّساع داخليَّة الكهف. لقد وُجدوا هنا منذ طفولتهم، وقُيّدت سيقانهم وأعناقهم، ولا يمكنهم أن يتحرَّكوا أو يروا إلا ماهو أمامهم فقط لأنَّ السلاسل منعتهم من إدراة رؤوسهم. هناك فوقهم وخلفهم نارٌ متأججة من مسافة، وهناك بين النار والسجناء طريق مرتفع. ولسوف ترى، إذا نظرت، حائطًا منخفضًا على طول الطريق، كالشريط المنخلي الذي يضعه أمامهم لاعبو الدمى المتحركة الذين يعرضون الدمى فوقه. |
ومن هذه المحاورة أتت «نظرية الكهف» والتي ترى أنَّ كهف أفلاطون: |
«يرمز إلى أن النفس الإنسانية في حالتها الحاضرة، أي خلال اتصالها بالبدن، أشبه شيء بسجين مقيد بالسلاسل، وضع في كهف، وخلفه نار ملتهبة تضيء الأشياء وتطرح ظلالها على جدار أقيم أمامه، فهو لا يرى الأشياء الحقيقية بل يرى ظلالها المتحركة، ويظن بها حقائق.» |
وقد أخذتني هذه الأسطر في المحاورة بعيدًا نحو معنى آخر، فدعونا من النظرية ولنركز بالفكرة التي عبرت كغيمة💭 |
ذلك الإنسان الذي يجلس عمرًا دون إدراك، دون أن يبصر فهو يجلس مقابلًا الجدار... ترهبه الشخوص التي تتحرك، تارة تضحكه وتؤنسه وتارة تخيفه ويغمض عينيه لأن أي حركة أو التفاتة ستبعث الألم في جسده... ويظن أنَّ هذه هي الحياة فحسب! |
وُلد هُنا، كبُر هُنا... وهذا هو كل مايعرفه؛ الشخوص في الجدار والسلاسل التي عليه، وفي نظره هي جزءٌ منه فقد تعايش معها واعتاد... هنا حياته التي يعرفها ويعيشها، هنا في الكهف وحسب... ستؤلمه الحقيقة كما ستؤلمه الشمس في الخارج |
هكذا من اعتاد الظلام سيؤلم الضوء عينيه. لكن ماذا لو تحمَّل ذلك ماذا لو قنعَ أنها حقيقة وأنه يجب أن يعي وأن يخرج من كهفه نحو الحياة، ألن يزول الألم مع الوقت؟ |
ونحن كذلك في إدراكنا لبعض الحقائق التي تخالف ما عشناه وقيدنا أنفسنا فيه |
رؤية الحقائق قد تشعرك بالألم |
الإدراك قد يشعرك بالألم |
لكن لا يعني ذلك أن تقيد ذاتك في كهفك وتستمر بالوهم ومراقبة الظلال ظنًا بأنها حقيقة وهي ليست إلا انعكاس، هي وهمٌ لحقائق لا تبصرها خلفك! |
قد تكون إحدى محطاتك في هذه الحياة كهفًا قد تسقط فيه مصابًا قد تتقيد فيه وتعلق فتضطر مع بقائك طويلًا أن تتعايش وتنسى الحقائق عن الحياة ولكن في حياتنا هذه يبدو وكأن هناك قانونًا جاريًا أنك لن تبقى ضائعًا مهما طال الوقت ستمر بك تلك الإشارات وتلك الصعوبات لتمنحك أسئلة مرة، ولتبحث عن الأجوبة في داخلك، ستمنحك ماقد لن يعجبك حتى تبحث فتجد كنزك المخبأ في دواخلك لتتكون الإجابة! |
وقد يكون هذا الكهف رمزًا يختلف باختلاف حياتك ونظرتك قد يكون مكانًا أنت فيه الآن، قد يكون عملًا أو منصبًا أو مهنةً وقد تكون فكرة ما تبقيك جالسًا وتوهمك بظلالها على أنها حقيقة.. وقد تكون القيود قصةً ما، قد تكون ذكرى وقد تكون عاطفة ما ومازلنا نقطن في كهفها تخيفنا تارة وتؤنسنا تارة الظلال، ونخاف ألم الحركة والخروج للواقع وللحقائق. |
هذا الكهف؛ قد يكون رمزًا لعدة أشياء خدعتنا ظلالها، فتعايشنا مع قيودها وسلاسلها. فلا تلم نفسك على وجع الإدراك أو خوفك من الظلال والأوهام أو تلك الحيرة التي تتلبس فيك فتبقى لائمًا نفسك على كل ذلك فتخاف ذلك الألم فتركن في كهفك، لذا ربما حان الوقت الآن لأن تخرج من كهفك! |
بالنسبة لي أيضًا هنا في داخلي أعيش بأكثر من كهف في كهف قُيدت فيه من ذكرى ما وعاطفة ما... وهناك كهوف أنظر فيها أبحث عن أي شق ومنفذ للضوء فلم يتضح لي طريق الخروج منها بعد. |
قد أتألم حين خروجي من كهف ما أتألم من الحقيقة؛ من حقيقة أنَّ تلك الظلال كانت وهمًا، أو أتألم من الضوء لأني اعتدت ظلمة كهوفي، لكنه ألم لحظيّ! |
فسأقولها لنفسي أيضًا: |
حان الوقت الآن لأن تخرجي من تلك الكهوف |
الحياة واسعة، الحياة ليست كهفك |
هذه الظلال ليست حقيقة، وهذه القيود ليست جزءًا منك |
ولكلٍ منا قصصه وحكاياه، كهوفه وظلاله وقيوده |
وتذكّر؛ لكل منا حياة كاملة، هي هبة من الله. |
شكرًا لقراءتك كلماتي، أتمنى أنَّها كانت نشرة سارَّة...انتظرني في العدد القادم من نشرة غيمة بتاريخ ٨.٨.٢٠٢٣ |
الساعة ٨:٠٦ صباحًا -بإذن الله- ☁️ |
التعليقات