اكتب كفنان ولا تستعجل النشر🎨🖌️✍🏻نشرة مرجع التدوين البريدية - العدد #33

بينما كنت أنتظر دوري في طابور أحد المراكز التجارية، لفتت نظري صورة مطبوعة في حقيبة قماشية تماثل لوحة الموناليزا للفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي، تحملها فتاة تقف في أحد الصفوف بجانبي، كان الرسم ساخراً بعض الشيء، حيث ترتدي الموناليزا نظارة وتحمل عدة كتب بين يديها وتحيط بعينيها هالتين كبيرتين، قلت في نفسي: مسكين دافنشي استغرق سنين حتى ينهيها، ولكن من يدري كيف كان سيؤول مصيرها لو أنه استعجل في إتمامها! هل كانت ستحقق كل هذه الشهرة؟! وهل كان سيظفر بذات النتيجة العبقرية في إظهار التفاصيل؟

استغرق دافنشي أربع سنوات لرسم هذه اللوحة، دافنشي عالم، فنان، معماري، فيلسوف وأديب، عدة مجالات مجتمعة في شخص واحد، شخصٌ موسوعيّ بمعنى الكلمة، لست متأكدة كيف كان يوزع طاقته وتركيزه على كل هذا، ولكني متأكدة أنه كان شخصاً صبوراً جداً، ولديه "نَفَسٌ طويل" قبل أن يقول "انتهيت من لوحتي" ويضغط بعدها زر النشر-كما يحدث معنا في الوقت الحاضر- فأنا شخصياً أعتبر الكتابة نوعاً من المتعة والفن، صياغة الفكرة وعرضها بشكل بديع حتى تصل إلى القارئ بطريقة سلسة وجذابة هو فن بحد ذاته، لذا أسعى جاهدة لتطوير مهارات الكتابة لديّ، لكني -وللأسف- أمتلك صبراً محدوداً عند تحرير النصوص ومراجعتها وتعديلها، وعلى ما يبدو أنني لست الوحيدة التي تعاني من إغراء الضغط على زر النشر، أعرف الكثير من زملائي الكتاب ممن يشكو هذا الاستعجال، فيدفع بنا الحماس للنشر بعد الكتابة مباشرة، ولهذا تأثير بالغ على جودة كتاباتنا بعدة أشكال : 

١. الكثير من الأخطاء اللغوية:

سواء الإملائية أو النحوية، وكلها تؤثر على سياق الفكرة والموضوع.

اتفاجأ بوجودها بعد النشر، بعض الكلمات تختفي أو يحدث أن تتكرر بعض الجُمل أثناء التعديل والمراجعة، وهذا ما يجعلني أشعر ببعض الخيبة 😕.

عندما تكتب بحماس، يعمل عقلك بطريقة سريعة  فتفكر أسرع مما تكتب، وهنا تسقط بعض الكلمات والحروف.

٢. عدم التفريغ الجيد لمخزون الأفكار:

 من السهل أن تجد كاتباً جيداً ولكن من الصعب أن تجد "كاتباً أصيلاً"، الأصالة مستوى صعب، تنقلك إلى مستوى آخر من الاحترافية، وباعتقادي أن الوصول إلى رتبة "كاتب أصيل" يحتاج أن أُفرّغ كل أفكاري بشكل كامل، الاستعجال بالنشر هو أحد العثرات التي تحول دون أن تُخرج كل ما لديك، فلا يصاغ بتأني، ولا يصقل بمهارة!

 فما هي الأسباب التي تجعل الكثيرين يتسرعون في نشر كتاباتهم؟ 

هرمون الدوبامين : 

من جرّب شعور السعادة بعد الكتابة والنشر، هو أكثر من يستعجل النشر قبل مراجعة النص كاملاً، إدمان تلك اللحظات سببه ارتفاع هرمون الدوبامين، الشعور بنشوة الإنجاز، الدوبامين يُفرر في انتظار اللحظة التي تُكافئ فيها، وهي لحظة التفاعل المتوقع من الجمهور، أو زيادة رصيدك في ارشيف كتاباتك، ولكن الثمن في المقابل إعادة الصياغة من جديد، وخسارة ادهاش القارئ وتشتته مهما كانت الفكرة إبداعية.

عملية التحرير المرهقة:

تيفاني مارتن عملت في مجال تحرير النصوص والمقالات ثلاثين عاماً، تؤكد أن عملها كمحررة كان مرهق جداً، على عكس عملية الكتابة بذاتها التي ربما تكون ممتعة و مريحة إلى حدٍ ما، لذا فهي تنصح بعدم العجلة في النشر قبل التعديل ومراجعة الأخطاء.

الكم مقابل النوع: 

نسعى جميعاً لزيادة إنتاجاتنا في الكتابة، زيادة أعمالنا من مقالات ونصوص وغيرها أمر مهم، كلما كتبنا أكثر شعرنا بالإنجاز، وفتحنا لأنفسنا فرصا أكبر للنمو والانتشار، مما يجعلنا نستعجل النشر، سيمون سميث تنصح في مقالة لها بالتركيز على النوع وجودة العمل الكتابيّ بدل التركيز على الكم والعدد.

وإذا فكرنا في الأمر فالطاهي الماهر مثلاً، لديه أساليبه الخاصة التي يتفرد بها في أطباقه، أحد هذه الأساليب هو الطبخ على نار هادئة مدة معقولة، أسلوب آخر، انتظار درجة سخونة مناسبة قبل عملية القلي والتحميص، الصبر في بعض الوصفات جزء من سر الطبخة، ستجد الصبر موجود في أشكال متعددة حتى تحصل على مذاق خاص.

خطتي القادمة أن أنتظر نصف ساعة قبل النشر، أَفصِل فيها عن كل شيء يرتبط بالكتابة ،ثم بعدها أعود لأعيد قراءة ما كتبت من أول السطر حتى نهاية المقال.

أحتاج القليل فقط من صبر دافنشي، ربما يُحدث الأمر تحسيناً في جودة نصوصي، أو إضافة فارقة في فكرة النص، قد أتوقف، أتأخر قليلاً عن النشر، ولكن لا بأس ببعض التجربة! 

متى تنشر كتاباتك، هل أنت شخص صبور ومراجع مدقق، أم تستعجل النشر؟

 🎙️بودكاست العدد: 

في هذا البودكاست تمت استضافة الكاتب الكندي كارل أونوريه مؤلف كتاب "في مديح البطء" يرد أونوريه على الأسئلة المتعلقة بفلسفة فكرة الكتاب، عن البطء وكيف أثرت السرعة في حياتنا وكيف يمكن أن يغير البطء حياتك بدل العجلة التي فرضتها متطلبات العصر، يعد هذا الكتاب دعوة للهدوء والتوازن والبطء في ممارسة الحياة، ويمكنك مبدئياً الاستماع لفكرة الكتاب مع "بودكاست الساعة 25" في حلقتهم بعنوان "في مديح البطء.. الكسل سر النجاح‪؟‬"

متابعة ممتعة!

كتابة وإعداد: إيمان السقاف.

إشراف عام: أحمد قربان.

🗃️ لقراءة الأعداد السابقة من النشرة البريدية:

📩للإعلانات:

[email protected]