مهن الأدباء، ما بين الحرفة والحرف🖋️🛠️ نشرة مرجع التدوين البريدية - العدد #87

أن تكون كاتبًا هو مهنة في حد ذاتها لكن كثيرًا من الأدباء كتبوا أعمالهم الخالدة بينما -أو بعدما- مارسوا مهنًا أخرى لا علاقة لها بالأدب. وكأنهم أرادوا كسب العيش بالجمع بين ما عليهم فعله وما يودون فعله، بين ضروريات الحياة وضروريات الروح. أجمع لكم هنا ما تيسر من مهن الأدباء اللا أدبية.

يرد على بالي أولًا رسالة الجاحظ عن أصحاب المهن. في الرسالة العاشرة بعنوان (رسالة في صناعات القواد) والمبنية على قاموس أصحاب المهن اللغوي. نقرأ فيها كيف وصف كل عامل محبوبته وفراقها بمصطلحات مأخوذة من مهنته أو من أدواتها، كبيان بليغ على دور الحرفة في تشكيل ألفاظ ومنطق صاحبها. يبدو أن الجاحظ أول من اكتشف ظاهرة التسمم الوظيفي.  

أزعم أن على القارئ امتلاك خلفية عن حياة المؤلف الشخصية قبل القراءة له. الأمر الذي سيذهب بالنص إلى مناطق أبعد وأغنى. مثلما تفعل شعلة تحت رسالة بالحبر السري.

شخصيًا جعلتني رواية نجمة أغسطس للأديب الكبير صنع الله إبراهيم استوعب مدى تأثير الوظيفة على النص. عمله في الصحافة انعكس تمامًا على أسلوب كتابته من خلال شواهد كثيرة أبرزها الكولاج الوثائقي والصياغة الجافة المباشرة. اشتغل بها أيضًا كلٌ من أنيس منصور والشاعر محمد خير الذي قال عنها "الصحافة تتميز بأنها مهنة للكتابة أيضًا فتؤثر على اللغة والإبداع وتعوّد الأديب على الكتابة دائمًا بإيقاع منتظم، فلا يخضع الأمر لمزاج المبدع".

الشاعران المصريان الكبيران عبدالرحمن الأبنودي وأمل دنقل عملا في المحكمة. منطقي ويمكن تخمينه بالنظر إلى "قصيدة المتهم" و"لا تصالح". الروائي إحسان عبد القدوس كذلك كان محاميًا.

للشاعر عبد العليم القباني كتاب مميز بعنوان (مع الشعراء أصحاف الحرف) يقول فيه "كثير من الخياطين على جانب من سعة الأفق ودراية بجوانب الأدب". أظن ذلك راجعٌ إلى طبيعة الخياطة كمهنة يدوية صامتة تتيح لصاحبها التفكير والإنصات وبذا تعتبر مهنة ملهمة للكتابة.

نصيب الأسد من هذا المقال يذهب إلى أكثر مهنة ارتبطت بالأدب: الطب. وهو ارتباط أزلي كما يظهر في الميثولوجيا اليونانية من اعتبار أبولو إلهًا للشعر والشفاء معًا، ومن تصنيف العرب القدامى للطب من بين فنون الآداب. في عام 1946 أصدر الطبيب والشاعر العراقي محمد الخليلي أول معجم متخصص بعنوان (معجم أدباء الأطباء) يتتبع فيه الأطباء الأدباء من العصر الجاهلي إلى أربعينيات القرن الماضي. 

في كتاب الطب والأدب يشير عبدالله الرشيد إلى أن ‏كثير من الأطباء (الشعراء) استخدموا النظم في كتابة وصفات ووصايا طبية لأن حفظها بطريقة المنظوم أعلق بالذاكرة. وما دمنا ذكرنا الشعراء يجب أن نذكر شاعر الأطلال الطبيب إبراهيم ناجي وجوابه على من استغرب دافعه للشعر رغم عمله طبيباً :

"الناس تسأل والهواجس جمةٌ/ طبٌ وشعرٌ كيفف يتفقان

الشعر مرحمة النفوس وسرّه/ هبة السماء ومنحة الديّان

والطب مرحمة الجسوم ونبعه/ من ذلك الفيض العلي الشان".

الأطباء بطبيعتهم أدباء. أحد الأسباب هو كون "المريض، قبل أن يصبح موضع فحص طبي، هو قبل كل شيء، مجرد راوٍ للقصص، راوٍ للمعاناة" كما يقول سدهارتا موخرجي. في الطب ما يحرّض الأدب ويستفزّه "فكيف لا أكتب وكل ما يحيط بي يدعوني إلى الكتابة؟" تقول آمنة حزمون الطبيبة والأديبة الجزائرية "الطب والأدب لم يكونا يومًا خطين متوازيين، إنهما يتقاطعان في نقطة جوهرية ربما أسميها الإنسانية ويسميها غيري شيئًا آخر".

لعل معظمنا يعرف مقولة الأديب الروسي الكبير أنطون تشيخوف المشهورة "الطبّ زوجتي والأدب عشيقتي, حينما أضجر من إحداهما أمضي ليلتي مع الأخرى". مقولة تختصر نهج حياته العملية والأدبية إذ ظل ممارسًا للطب مع الكتابة حتى وفاته. يحيلني هذا إلى التفكير في الأدباء الذين تركوا أعمالهم وتفرغوا للكتابة، هل يصح قولنا أنهم اعتزلوا مهنهم في حين نقرأ ظلالها على مؤلفاتهم؟ أعتقد أن الإنسان محكوم عليه بالوفاء لكل شيء وأن النسيان مجرد فكرة، نحن ممتلئون ومكتظون مثل مفتاح صغير في ميدالية تضج بالإكسسوارات.

أنطون تشيخوف الذي كان طبيبًا ومريضًا -بالسل- في ذات الوقت، عالج سكان الأرياف واستقى منهم معظم حكاياته، مثلما فعل محمد المنسي قنديل في الريف المصري. الطبيبان أحمد خالد توفيق و آرثر كونان دويل أيضًا بينهما رابط مشترك يتمثل في كتابة الروايات البوليسية وخلق أشهر شخصيتين فيها: شارلوك هولمز ورفعت إسماعيل.

كل ما سبق من المهن عادي ومطروق وليس فيه كثير إدهاش، بل أتى في معظمه متوافقًا مع الأدب. هناك من تفردت مهنته وشكلت مفاجأة لي: إرنست همنغواي الذي اشتغل سائق سيارة إسعاف زمن الحرب. ريموند كارفر عمل في قيادة الشاحنات. هاروكي موراكامي امتلك نادي لموسيقى الجاز. ويليام بوروز وعمله في مكافحة الحشرات.  

القائمة تطول والمهن تتنوع والحديث عن شؤون الكتابة ذو شجون. تقول الأديبة الفلسطينية سحر خليفة "الكتابة حرفة مثلها مثل النجارة والحدادة، تحتاج إلى تطويع أدوات اللغة وتركيز الأفكار ودمج المخيلة بالواقع. هكذا يكتسب الخيال مصداقيته ويقترب من القارئ". توافقها جي كي رولينغ، مؤلفة سلسلة هاري بوتر، وتضيف أن "الكتابة ليست مهنة لمن يسهل تثبيطهم".

لا شك أن الكتابة عمل شاق فيه كدح ومعاناة كغيره من الأعمال مهما قيل بغير هذا. "إن الكتابة ليست ربة عمل متساهلة" كما تصفها ماجدا سابو، لكنها آسرة ويمكن للشغف بها أن يتغلب على تقلبات وظيفة مملة لا نجد أنفسنا فيها أو يخلق لنا وظيفة نحبها وترضي توقنا إلى الإبداع.

◀️📺 تلفزيون مرجع التدوين:

🔹مدونة "يونس بن عمارة": 

‏في هذا العدد يشاركنا يونس كيف ومتى أدرك مفهوم التفكير الناقد، وما هي الكتب الثلاثة التي أسهمت في تشكيل هذا الوعي لديه، حتى قبل أن يعرف أنّ ما يطبقه يُسمى تفكيرًا نقديًا.

ما تجربتك الشخصية في تطوير التفكير النقدي؟ – يونس بن عمارة

🔹مدونة "عهود سعدون":

‏أحبُّ القراءة في مجالات متنوعة، وبعد أن قرأت مراجعة عهود لكتاب "المخّ الأبله" الذي يتناول جوانب متعددة من الدماغ البشري بأسلوب فكاهي ورسومات كرتونية تشوّقت جدًا لقراءته!

‏وأعتقد أنه سيكون كتابي القادم. أنصحكم بقراءة المراجعة، فحتماً ستقررون قراءة الكتاب بعدها!

“المخ الأبله” بين العلم والفكاهة، رحلة مسلية في أعماق الدماغ البشري وكشف أسراره – مدوّنة عهود سعدون

🔹مدونة "حكايات فاء":

‏هل تجذبك روايات الفانتازيا؟ هل تبحث عن توصيات حولها؟إليك تدوينة فاطمة‬⁩ الغنية بعدد لا بأس به من التوصيات الجاذبة. ستعجبك حتمًا.

عوالم ساحرة:سلاسل فانتازيا حُفرت في ذاكرتي – حكايات فاء 

🔹مدونة "أحمد قربان": 

‏أعلم أنكم في الغالب تطمحون لزيادة قيمتكم في سوق العمل، وتتساءلون عن كيفية تحقيق ذلك. لكن لا تقلقوا، فسأشارككم تدوينة رائعة لأحمد‬⁩ تضم نصيحتين مهمتين لرفع قيمتكم في سوق العمل 📉.

‏لا تكتفوا بالقراءة فقط… بل طبِّقوا

نصيحتين لزيادة قيمتك في سوق العمل – أحمد قربان

هل ستكتفي بالمشاهدة لوحدك؟ شارك هذه التدوينات مع المهتمين 🌐

◀️ 🎙️بودكاست العدد:

حلقة ممتعة يتحدث فيها الأديب حمود الصاهود عن حياته وأبرز محطاتها الأدبية. سعيدة بهذه الحلقة لأنني من محبي الصاهود ولطالما تمنيت رؤية مكتبة هذا الرجل واسع الشعر غزير المعرفة.  الجزئية المعنية بها نشرتنا (هل الأدب ما يأكل عيش) تبدأ عند الدقيقة 7:29.

متابعة ممتعة ونافعة ✨💡

          كتابة وإعداد: غالية الجهني

            إشراف عام: أحمد قربان.

🗃️ لقراءة الأعداد السابقة من النشرة البريدية:

📩للتواصل والإعلان:

[email protected]