هبّ أم أَبدع؟ |
بواسطة شهد • #العدد 9 • عرض في المتصفح |
موجة طارئة: هل هم مُبدعون أم أشخاصٌ جرفهم التيّار ليتصيّروا شيئاً واحداً؟
|
|
بدأت قضايا تطوير الذات داخل طيّات كُتب تعزيز الذات، ونالت أصقاعها العالميّة مع روّادٍ تحدثوا عن توجههم المتعمد إلى طريق التطور الشخصي والمهني مُستهدين بها. أثناء ركود الجامعات والمدارس التقليديّة عن تكوين شغفهم نحو إمكانياتهم. |
فبدأ الناس -بعد الكثير من المسوِّفات- في تلبية دعوة التطوير هذه، لا سيما عندما رأوا الكثير من النماذج المُدللة على مصداقية الطريق المتطور كمضادٍ لرتابتهم وكباعثٍ لمواهبهم المطمورة، فأصبحت عدّة مجالات معيّنة كالتسويق والتصميم الجرافيكي ضمن أكبر مُغريات عالم الشغفّ وأشدها إجتذاباً. |
لكن الجموع لا تستجيب لنفس الدعوة بنفس الطريقة، وذلك طبيعيٌ إلى حد ما، بل أسميه شكلاً من أشكال التسويف الجمعي الطبيعي. لذلك هنالك من يقلّد فيفشل، وهنالك من يستنسخ فيفشل أيضاً، وهنالك من يراكم خبرات غيره لتكون ضمن دعائم منجزاته، وهنالك من يسير نحو طريقٍ لا يشبهه لمجرّد إجتياح التأثير الخارجيّ لدواخله وتبنّي ماليس عليه حقاً. |
والإشكال في آخر نوع من أوجه المشكلة التي سنتطرق إليها، ففيه ماتوقف الجموع عنده حيرةً وإختباراً، لإدعاء ذلك المجرّب للموهبة التامّة منصاعاً لما تأثّر به من دعوات تطوير الذّات. |
لكن علينا أن نتسائل عموماً، لماذا يهبّ الجميع في نفس المجال وبنفس الطريقة؟ على سبيل المثال، جميعهم ككُتابٍ كتبوا منذ الصغر ولديهم مخزونٌ عالٍ من الأحاسيس المُرهفة أو كرسّامين عانوا من مرض القولون الذي دفعهم إلى نهَم الرسم؟ كل ذلك على سبيل المثال، ولكن يستحقّ التأمّل في دراسة ظاهرة الإجماع الغريب على قصّةٍ واحدة لذاتِ الموهبة. |
هل من المُمكن أن تعني الموهبة الواحدة إمتلاك نفس البذور والأمراض والمشاكل الشخصية مَرفوقةً بها؟ |
صحيح أنه ليس بالضرورة أن يكون المرء بقصةٍ مختلفة تماماً عمّن سواه، لكن تشابه القصص تشابهاً لا يشوبه إختلاف قد يعني شيئاً ما: أن الجميع باتوا يبدعون نفس الإبداع، وهذا بحد ذاته مخالفٌ لفكرة الإبداع! مما يوقعُنا في ذات التساؤل مجددًا… |
في كتاب «تقديم الذات في الحياة اليومية» ذكَر إرفنغ غوفمان دوراً من أدوار المشاركون في المجتمع أسماهُ بـمُراقب المُراقب، وهذا المُراقب ينتبه إلى جوانب الفرد التي يظنها خاضعة لتحكمه، لكي يتثبّت من صحة إدعائه. ليكون شكلاً من أشكال التمحيص، يحفظ للمرء عقله من التماهي مع الإدعاءات. |
لكن الجموع لا يستطيعون عيش هذا الدور خصوصاً على مواقع التواصل الإجتماعي، ولا يستطيعون مواجهة الإدّعاء بالإدّعاء، فكثيرٌ من جوانب المرء الإلكترونيّة لا تدعم سوى مصداقيته! |
لذلك قد تبطل إدعاءاتهم بالتصديق أو التكذيب، وذلك لعدم توافر معلوماتٍ كافية عن الفرد المُثير للمسألة. |
وبعد مقدمات بسيطة عن مختلف أجزاء المشكلة، دعونا نفكّر الآن عما بإمكاننا كأفراد عُقلاء أن نفعله حيال "الهبّات" بحيث لا تعودُ هذه الهبّات شاغلة لأهم مواطننا الفكريّة. |
سأذكر لك ثلاثة مواقف إختر واحدةً وتبنَّ مايعبّر عنك! |
1. موقف المُحترم: أن نحترم حقّ الآخرين في تجاربهم حتى وإن كانت تخضع لتقليد الروّاد. |
2. موقف المُحقق: أن نبحث عن مكاشف زيفهم ونعلن الحرب باردة أم ساخنة عليهم! |
3. موقف المُنطوي: أن نحفظ أنفسنا من دعوات الإنخراط الجماعية تلك، ونتجاهلها تماماً دون تعقيب… |
أما أنا فأخترت الموقف الأول، لإيماني العميق بأن من سيدفع ثمن الأخطاء هو المُتعلم منها، ومادمتَ واعياً لذلك لن يؤثر عليك الأمر لا بالإستفزاز ولا بالإنخراط الكاذب. |
تذكّر؛ أن مثل هذه الظواهر الإجتماعية طبيعية الحدوث وإن كانت تبدو جنونية، وتاريخ البشر يعج بمثلها مع إختلاف أُطر الحادثة، لكنك قد جهلتَ -كمعاصرٍ- ما أصاب أقرانك وأصدقائك من جنون سعيٍ لأمر لم تكد أن تصدّق حماسهم وموهبتهم فيه! |
لكن الأمر بسيط كذلك: إما أن يكون طريقهم فينالون حظّه، وإما ألا يكون طريقهم فيلفظهم بعيدًا! |
حتى نشرة أخرى، كُن في تعايشٍ تام مع أي موجة طارئة! |
التعليقات