قصة: عميٌ عن ذاته

بواسطة شهد #العدد 8 عرض في المتصفح
ضعف تقدير الذات، هو شعور يلازم المرء خفيةً لتشكيكه في قدراته وإنتاجاته ويستند على جَلداتٍ من الإحساس بـ"عدم كفاءة الذّات" -مهما كان الواقع مُعاكساً- والرغبة الصّارمة في تكبير دائرة الإنجاز وفعل المزيد للتخفيف من حدّة الشعور. 

أهلاً بُقرائي الكِرام، صُبحتم سلاماً ووئاماً. أتمنى أنكم على أطيب حال مذُ آخر مرة إلتقيتكم فيها!

نشرتنا اليوم ستكون عن قصّة شخصيّة لإحدى المُبدعات اللاتي يعانين من ضعف تقدير الذات، وهو كما تطرقنا للنبذة المختصرة عنه شعورٌ نفسي بعدم الجدوى أو الكفاءة؛ والمطاردة المستمرة لأي رائحة أو خطوة واعدة لسدّ فجوة النُقص المستشعرة أو على العكس من ذلك يؤدي أحياناً الإكتئاب الصريح وترك كل شيء يحوّله الهباء إلى فراغ! نعم إلى هذا الحدّ..

وها هي القصّة كما روتها لي.. قالت م.و أنها منذ سنين الطفولة، تُشجب من والدتها ومعلّماتها بسبب ضعفها الدراسي، مع أنهن جميعاً كن يعلمن أن لديها تأخراً تم تشخيصه بالتقارير الطبيّة. 

لكن مايدور بالمستشفى من معاذير، لا يكاد أن يُرى على أرصفة الواقع حيثُ أن "لا أحد يرحم" كما عبّرت م.و عن ذلك.

شَعرت م.و أن مُشكلتها غير مُبررة، وأنها هي المسؤولة عن كل ذلك… 

تحدّت عقلها كثيراً، لكن عبثاً حاولت! لا يُمكن فعل شيء تحت وطأة أمرين: المشكلة التي تعاني منها، والمشكلة التي أُضيفت لها. 

لكن الحلول السيئة تحل بدلاً من تلك الجيّدة، فوجدت حلّاً جهنميّاً بإتفاقها مع إحدى زميلات فصلها بمنحها خمسة ريالات مقابل يوم دراسي كامل من الإجابات المُغشّشة!

وبالفعل عُقدت هذه الصفقة بشكلٍ يومي، وتحسّن استياء الوالدة والمعلّمات إلى قبول وثناء، وبات الجميع يعرف الآن أنها تلك الطالبة النجيبة. 

سوى أن المجد الممنوح من الآخرين سرعان ما يتلاشى كالفقاقيع، ليترك المرء في فضاء من المشاعر غير المفهومة، ودائماً ما يتحوّل إلى إضطراباتٍ نفسيّة مُختلفة الشِّدة.

وهذا ماحدث مع صديقتنا م.و لقد إنتهت السنة وبدأ فصلٌ جديد عادت فيه إلى نقطة البداية بلا صديقتها [تاجرة الإجابات]. 

سنوات طِوال على هذه القصّة التي رسخت كأحد أسباب تقدير ذاتها المُنخفض، وذلك حسبما ذكرت طبيبتها النفسيّة. 

وأصبحت آثار هذه القصّة واضحة عليها، رغم أنها أنجزت وحصّلت الكثير في مستقبلها، وهي تحتل مكانة هامّة بين قائمة مُبدعي اليوم، ومع أن المشكلة الأساسية التي ولّدت هذه المتاهة إنقضت، إلّا أنا الخطوات المُضطربة التي سارت بها نحو شخص آخر -ليشغر ولو قليلاً من دورها الطموح- مُصيبةٌ بالهشاشة باعثة على الرغبة الدائمة بالإحتيال على النفس. 

تختلفُ أشكال ودرجات ضعف التقدير الذاتيّ حسب الظروف البيئية والإجتماعية والتكوين البنيوي للنفس والعديد من العوامل المؤثِّرة الأخرى، لكن النتيجة تتشابه إلى حدٍ ما: لا يستطيع المرء الإحساس بهويته الحقّة، دائماً ما هنالك شيءٌ ناقص ومُلحٍ لإكماله، دائماً ما هنالك أنفاسٌ عليها أن تنقلب إلى لهاثٍ لكي تُدلل لصاحب التقدير المنخفض إنه قد قام بشيءٍ يستحق التقدير، مع ذلك لا يستطيع التقدير أن يحل عليه، هذه مفارقة عجيبة تحدث للجميع ولو بشكلٍ طفيف! 

أخيراً؛ تم نقل هذه القصّة ليعرف جميع المُبدعون أنهم ليسوا وحدهم، وأن مشاعرهم السلبيّة لن تتغلب على كنوز إبداعهم، ذلك أن المسألة مسألة تصحيح رؤية، وليس حُكماً بالعمى عليهم، فمن الطبيعي إذاً أن تستغرق العمليّة بعضاً من الوقت لكنها على أي حالٍ مُمكنة!

حتى نشرة أخرى ألقاك تقديريًا في التعامل مع ذاتك… 

مشاركة
شؤد •

شؤد •

كبسولات معرفيّة من جُعب الإثراء ومواضيعٌ إبداعيّةٌ شيّقة، تأتيكم بشقّين: هزلٌ وجِد، لتُثبت الرسالة قدرتها على اللمعانِ وراء الوسيلة!

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من شؤد •