النعجة- العدد #60

4 ديسمبر 2025 بواسطة عهد #العدد 60 عرض في المتصفح
فاصل قصصي

يوم في حياة النعجة

في سجى البكور، يصيح الديك بأعلى صوته، ينادي لصباحٍ جديد يدعو المخلوق ليكمل ما بات عليه بالأمس. وفي أعماق نومها، يعكر الديك صفو النعجة الصغيرة، ورغم محاولاتها الحثيثة لتجاهله، يأتي نسيم الصباح بصوت الممقوت ذو اللعاب المتناثر، إنه «الحارس المغوار» بنظر الراعي، ذلك الكلب الذي لا ينفك عن النباح، يقود القطيع إلى الوادي، والسهول، والقمم العالية. 

تستيقظ النعجة مكرهه، «يا لك من مغرور» تصف الكلب وهو يسير أمامهم. وتطول الرحلة ولم يصل القطيع بعد للوجهة، ترتعش حوافرها الصغيرة من الجوع، وتتقطع أنفاسها من التعب، ويتكاد يتفجر رأسها من النباح الذي يعلو ولا يهدأ. تبدأ غيوم الفجر بالتبدد، وتتجلى شمس الحياة بنورها فوق التبّة، وهي ترتدي شال الطبيعة الأخضر الذي ستعلف منه الخراف بلا هداوة. يصل القطيع أخيرًا، وتنكب النعجة على وجهها جائعة، ويزيد الحلاوة الأرض التي سقاها الإله مطرًا البارحة. تأكل النعجة غير مبالية، حتى يلفتها صوتٌ آخر، نشيدًا عذب لم تسمع به من قبل. ترفع رأسها وتمشي نحوه غاوية، تتقصى هذه التهاويد العذبة وأين هي؟ وهل في الطبيعة التي عاشتها أصواتًا غير صياح الديك ونباح الكلب وثغاء الغنم! 

على بعد مترات من القطيع والنعجة في مغامرتها ماضية، تلتقي بصاحب الصوت العذب، طائرٌ لم تراه من قبل، قصيرُ الرجلين وأخضرُ الظهر، من على الغصن العاجي ينشد. تسأله وكلها حيرة «من أنـــت؟» ليضحك بغرور «ألم تعرفيني؟ أنا أزرق الخدّين» تلمس النعجة -بكبريائها- شيئًا من الكِبر وترد «لو معروف لعرفتك.. وهل علي أن أعرف كل الطيور الهاربة في العالم؟» .. يعجبُ الطائر من حدتها، وينزلُ من برجه العاجي «ليست الطيور بـهاربة، لكنها تخشى عدوى ذوي الحوافر الأربع، فيصيبها الذلة والغباء» .. ترد النعجة وهي تعلم أنها مسّت غرور أزرق الخدّين «يعني أن الطيور <تهاجر> لخشية المواجهة؟! يا لها من جبنٍ عظيم!».. يشتط الطائر غضبًا، ويردُ «أنا الوروار.. أجوب العالم، كل زرقة السماء سقفي، وكل المناحل موائدي.. لا، لا نخشى المواجهة إنما خلقنا الله بجناحانِ نبسطها في الهواء كما يحلو لنا، والأهم، أننا لا نقاد من كلبٍ ينبح متعاليًا حتى إذا رأى قطة عابرة لفّ لسانه الطويل وأغلق حنكه المقرف». حزّت في خاطر النعجة، فقد لمس في قلبها وترًا حساسًا، لأنها تستعّر من ذلك الكلب، ورأت بأم عينها خشيته من القطة.. فضلّت السكوت وعادت أدراجها، لكن الوروار لم يكفّ عنها «أتهربين يا نعجةً لا تملك من أمرها شيئًا؟» تواصل المشي وتستمر في السكوت، كان صباحًا عصيًا بما فيه الكفاية، إلا أن أزرق الخدّين يحاول الاستمرار «يا لكبريائكِ! ألا تملكين جوابًا لي؟» ترفع النعجة رأسها لترى القطيع ولكنهم أشبه بالسراب البعيد، يمينًا ويسارًا لكن دون جدوى، فقدت أثرهم وضاعت! 

تفقد صوابها، وتصيح تنادي علّهم يسمعونها، تزداد حدّة خوفها ونبضات قلبها الصغير، ومن بعيد تسمع العواء المخيف، يحلّق الوروار فوقها ويزيد الطين بلّة «إن الذئاب ليست ببعيدة، ويلٌ للنعجة من شرٍ قد اقترب» .. ترد بصوتٍ تربكه الدموع «يا لك من طائر لئيم! واحسافة صوتك الجميل.. لله حكمته عندما فرض الهجرة عليكم».. تركض النعجة بما أوتت به قوة، يقترب العواء، والوروار فوقها يغيّم الرؤية، يشتد خوفها وتشتت دموعها تفكيرها، وتعلو الأفكار المخيفة صوتها «ماذا لو أكلتني الذئاب! أو ضليت طريق العودة للأبد!».

بعد ساعاتٍ من الركض، تتصلب الشمس في كبد السماء، وتتوقف النعجة لتستجمع أنفاسها، وتجلس في ظل الشجرة باكية، من الوحدة والخوف والضياع والطائر المتكبر وتفكر.. «هل سأعود لقطيعي يا ترى؟»

/انتهى/

برأيك ما هو مصير النعجة؟ شاركني هنا على اكس بقية القصة، وإن كانت نهايتك محبوكة صح سأنشرها في الفصل القادم(: 

كاتبتكم المعهودة صاحبة الفواصل المتعددة: عهد🌷 

*إذا اعجبتك هذه النشرة أطّلع على أخواتها السابقات (:

الــنُــظم - العدد #48 - نشرة نَجوى عهد | هدهد

فـاصل شــعري
gohodhod.com

ثَـمــرة- العدد #57 - نشرة نَجوى عهد | هدهد

فاصل للأكيله (:
gohodhod.com
مشاركة
نشرة نَجوى عهد

نشرة نَجوى عهد

نشرة خميسية تضم تأملاتي الذاتية والكونية وحتى التهكمية!

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة نَجوى عهد