خطأ! - العدد #58

20 نوفمبر 2025 بواسطة عهد #العدد 58 عرض في المتصفح
للقلوب الشجاعة

عندما تمدّ عينيك في النهار وترى السرب يحلّق من فوقك كما الفوج في السماء، هل يطري عليك كيف تطير بكل خفّة؟ واللافت أن العصفور الصغير المرتعش -رغم جنحانه- لا يعرف يطير وإن كان التحليق فطرته! فيسقط من عشّه الدافئ أول مرة، ثاني مرة، وتتكرر المرات ليدرك أخيرًا أن بسطَ جناحيه يخففان ألم الوقوع، ثم يليها ترفيفهما في الهواء الطلق. 

فكم مرةً سقط العصفور الصغير حتى احتضن فطرته وسبح في الغيوم؟

فضيلة السقوط

لافت أليس كذلك كيف تتعلم الطيور التحليق، ويتعلم الطفل المشي؟ كلاهما خطوات أساسية للمضي قدمًا في الحياة، وكلاهما تقتضي السقوط! فإن كان السقوط أحد أطراف معادلة التعلم في الحياة، فمن أين اقتبسنا وسرنا في مفهوم وهم المعرفة ووجوب الإلمام بكل شيء؟

«المثالية» وسعينا المستمر للكمال يحرمنا رفاهية الخطأ والتعلم، وقد تكون هذه أكبر النعم في حياتنا ولكن لتركيزنا -وربما غرورنا- نميلُ لبناء توقعاتٍ كبيرة على أنفسنا والأخرين. وعندما تنهار هذه التوقعات، يتلحفنا (يعترينا) الشعور بالفشل والخزي وفي سياقات أخرى «يا ليت الأرض تنشق وتبلعني». والحقيقة الواضحة وضوح الشمس، أن الخطأ لا يساوي الفشل، وأن العثرة لا تعني زلزلة الأرض تحت أقدامنا بل زلّة..

لكن لماذا نصر على تصعيب حياتنا؟

المعرفة!

المعرفة!

«تحمل الخطأ»

في علم النفس توجد مهارة رائعة تدعى “Mistake Tolerance” أو «مساحة لتحمل الخطأ». ببساطة تعني أن نتعلم كيف نكون أكثر تسامحًا مع اخطائنا، بل وحتى وضعها في مكانها الصحيح والتعلم منها كما يجب. تقر الاخصائية النفسية F. Diane Barth بصعوبة الاعتراف بالخطأ، خصوصًا عندما يرتبط بثقتنا وصورتنا الذهنية عن أنفسنا، ولكن لا يعني تجاهله ونسيانه. وكلما كان الشخص أكثر انفتاحًا على حقيقة حدوث الأخطاء، كان أكثر وعيًا وإدراكًا وتعلمًا. 

الأخطاء تُرينا ما يحتاج تطويره، وبدونها كيف لنا أن نعرف ما نحتاج أن نعمل على تحسينه؟

Author. Peter McWilliams 

في مقالة الأخصائية بارث، أشارت إلى عدة خطوات تجعلنا أكثر تحملًا تجاه اخطائنا، منها: 

- أقرّ بأخطائك، هذه بحد ذاتها خطوة كبيرة لأنك إنسان و «جلّ من لا يخطئ»، واقرارك بها = تحملك مسؤوليتها لتلافيها والحرص ألا تتكرر.

- أفصل بين خطأك وقيمتك، جهلك بأمر ما لا يعني ضعف قيمتك وأهمية دورك، لا يولد أحد وهو عالمٌ بكل شيء حتى وإن كان «كل شيء» أمورٌ للبعض بديهية. والخطأ بدوره يعلّم.

- حلل اخطائك وإن بدت متكررة، فلا يوجد خطأين متناسخة وإلا ما يكون هناك خطٌ فاصل رقيق قد غفلت عنه.

- سامح نفسك، و«لا بأس يا القلب الشجاع»، فالأخطاء دليل على أنك تتعلم وتتطور وتتحرك. 

في المرة القادمة التي تخطئ وهي حاصلة حاصلة -لأنك إنسان- هونها ولا تضيقها. وعلى البال الأولين وهم يقولون «من كان له عينين ورأس يسوي ما سوا الناس» فـ لو لم يسقط العصفور ويتعثر الطفل، ثم رأوا من حولهم يحلقون ويمشون لمـَا اصطفت السرب في السماء ولمَا مشى على الأرض بشري!

ختامًا، الأمور دومًا تقتضي الصواب والخطأ، والخوف من الوقوع فيه يعني تجمد الإنسان في محله دون أي حركة تدلُ على الحياة التي تعشق المغامرة، وكما يقول أبو القاسم الشابي «هو الكون حي يحب الحياة، ويحتقر الموت مهما كبر». وعمومًا المسألة ليست فيمن اخطأ، ولكن كيف تلافى الخطأ؟

جبت العيد (اخطأت) قريب بس تلافيت الموضوع لأنك شجاع؟ شاركني بالتعليق على النشرة أو الرد على الإيميل.

كاتبتكم المعهودة التي تحيا رغم الأعياد: عهد🌷

*إذا اعجبتك هذه النشرة أطّلع على أخواتها السابقات (:

موعد غرامي- العدد #32 - نشرة نَجوى عهد | هدهد

بلا خوف! بنلتقي..
gohodhod.com

الـغرور - العدد #49 - نشرة نَجوى عهد | هدهد

نشرة تحتاجها
gohodhod.com
مشاركة
نشرة نَجوى عهد

نشرة نَجوى عهد

نشرة خميسية تضم تأملاتي الذاتية والكونية وحتى التهكمية!

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة نَجوى عهد