نشرة فسحة صبا الزيود البريدية - العدد #18 |
| 15 نوفمبر 2025 • بواسطة صبا الزيود • #العدد 18 • عرض في المتصفح |
|
السلام عليكم يارفاق، في هذا اليوم المبارك المليء بالأمطار أحببتُ ان اسلم عليكم وأضع هنا في هذهِ النشرة مقال كنتُ قد شاركتهُ سابقاً عن مفاهيم مهمة في عالم الأمومة أتمنى أن ينال استحسانكم.
|
|
|
|
بينما كنتُ أستعد في "غرفة المصادر" أي الغرفةُ المخصصة لتعليم وتدريب الأطفال من ذوي الإعاقة، دخلت عليّ أم ومعها طفل ذو ست سنوات، أسمر البشرة، ضعيف البنية، يحملق في أطراف الغرفة كالمفزوعِ مما يرى، قالت: هذا ابني ست سنوات لديه اضطراب تواصل نمائي، وكنت أفهم حينها أنها تقصد "اضطراب التوحد" وذلك لخبرتي باستخدام مثل هذهِ المصطلحات في المراكز وعند الأمهات الحديثات في معرفة هذا الاضطراب فيستخدمن هذا المصطلح لتخفيف من صعوبة قول "طفل توحدي" بحثاً في ذلك المصطلح عن سلوى ونجاة لتقليل من وقعهِ على أرواحهن المتعبة. |
|
بينما تعمل جزءٌ من الأمهات على تصدير وإظهار أطفالهن للمجتمع والاحتفاء بهم، تعمل أمهاتٌ أخريات على إخفاء كل ما هو من شأنهِ توضيح أي عيب أو تشخيص لأطفالهن بسبب أنهن يتوقعن بأنه قد يقلل من قيمة أطفالهن ومن قيمة وجودهم وفعاليتهم في المجتمع. |
|
بدون الكثير من الأقاويل والمدح والمجاملات لهذهِ أو لتلك النوعية من الأمهات، فكل الأمهات مضحيات ساعيات باذلات كل البذل لأطفالهن ما لا يسعنا الحديث عنه في سطرٍ أو سطرين أو مقالٍ أو اثنين. |
|
ولكن ما أود التطرق لهُ اليوم هنا، هو عن سؤال كثيراً ما جال في خاطري وأردتُ أن أعرف إجابتهُ: هو من أين تأتي تلك الأفكار عند الأمهات بأن على الأطفال أن يكونوا على شاكلةٍ واحدة، مجتهدون محبون للدراسة، أذكياء؟ ولا يسمح للأطفال بأن يكونوا غير ذلك؟ |
|
وبالطبع هذا غير منطقي بالمرة، فالأطفال لطالما كانوا مختلفون وذوو قدرات متباينة، فكما للأطفال صفات جينية مختلفة في لون العينين، والبشرة ولون الشعر فهم يختلفون في قدراتهم العقلية، وليس الذكاء ذكاءاً معرفياً معيناً وذكاء أكاديمياً أو رياضياً معيناً، الذكاءات متعددة ومختلفة وتذهب في كل اتجاه قد يكون غريباً بالنسبة لنا، فالله كما لم يخلقنا على صورةٍ واحدة، خلقنا في ذكاءات مختلفة وقدرات عقلية متباينة، لأن كل مخلوق ميسرٌ لما خُلق له، وكل إنسان له دورهُ واختبارهُ في الدنيا، وليس منا من يشبه اختبار الآخر أو طريقة حياته أو أن قدراتهِ تشبه قدرات غيره، كلنا خلق الله وكلنا بشر مختلفين والله سبحانهُ هو من وهبنا هذا الاختلاف وهذا التباين، فلما نحمل أنفسنا وأطفالنا فوق طاقاتهم بسبب توقعاتنا العالية منهم التي لا تنتهي، مرة نريدهم بلا أخطاء ومرة بذكاء خارق ومرةً بسلوكيات مثالية أقرب للأنبياء منهم للبشر الطبيعيين بغير قدرات خاصة. |
|
تقبل مخلوقيتنا وضعفنا واختلافنا هو أساس التربية، تربية أنفسنا وتربية أبنائنا، فلا بشر كاملين ولا أطفال مثاليين، وذلك لا يعني أبداً أن نهمل تعليم أطفالنا وتطويرهم ولكن ذلك يجعلنا نتقبل أكثر طول مدة تغير سلوكيات أطفالنا أو بطء تعلمهم أو سرعة استجابتهم من عدمها، يجعلنا نكون أكثر منطقية لتقبل كل ما يأتي منهم بدون إفراط أو تفريط، التوازن مطلوب والسعي لتحسين مطلوب أيضاً، فلا تحملن أنفسكن وأطفالكن فوق طاقاتهم إنما نسعى بقدر وعلى قدر المسؤولية والعطاء. |
|
فكيف نبني توقعات طبيعية وغير مثالية؟ |
|
خفض التوقعات ليست مسألة بسيطة وهينة وغير معقدة لدى الجميع، فخفض التوقعات هو تحدي بحد ذاته للأمهات بشكل عام، ومن باب أولى أن تتمكن الأمهات للأطفال من ذوي الهمم من خفض توقعاتهن أفضل وأكثر واقعية وأجدر بهن فعله من غيرهن، ليس لأن أطفالهن بقدرات أقل أو بذكاء أقل وقد يكون، ولكن لأن أطفالهن يحملون الكثير من التحديات التي تجعل أي مهمة عادية وبسيطة عند غيره تحدي بالنسبة له ولإنجازه والنجاح فيه لوحده، فمن أكثر الأمور أهمية والتي تواجه الأمهات فيها تحديات يومياً هي أن يحملن توقعات عادية وطبيعية وغير مبالغ فيها لأطفالهن. |
|
أعرف بأن كل أم تحاول السعي مع طفلها إلى أفضل أداء لديه وأفضل إنجاز وأفضل علامات وأكثر نجاحات، ولكن ذلك ليس بأفضل أسلوب تتبعهُ الأمهات لتعليم أطفالهن، فما بالكن بطفل بتحديات خاصة؟ لا بد وأن الأمر أصعب ويحمل الكثير من الجهد والتعب معه، ويحمل الكثير من الواجبات والمسؤوليات. |
|
ما الذي عليكِ فعلهُ في الوضع الطبيعي لطفلك؟ |
|
على أي حالٍ كانت قدرات طفلكِ وشخصيتهُ وتقدرات أدائهِ العام في المدرسة أو في المراكز الخاصة لتعليم وتأهيل عليكِ أن تدركي بأن لكل طفل قدرات مختلفة وتحديات خاصة وحتى إن كان طفل بقدرات عقلية وجسمية طبيعية، فكل طفل صفحة بيضاء أو إسفنجة تحاول تشرب كل ما يلقى عليها من المحيط بها، كل طفل هو مشروع لإنسان يحيا بأمة إن أحسنا التربية وإن بذلنا ما بوسعنا بدون إفراط أو تفريط، كل طفل يستحق أحسن معاملة مع حزم وأدب وحب والكثير من العمل. |
|
أُحدثكِ اليوم وأنا أم كأمتي لدي طفلان وكل يوم هو تحدي جديد لأمومتي ولأخلاقي ولمحبتي ولإدارتي لوقتي ويومي، يحمل كل طفل منهم صفات خاصة به وشخصية مختلفة وقدرات تختلف كلياً عن الآخر، وأحاول السعي معهما دون الكثير من التوقعات العالية، أحاول بناء فيهما إنسان سوي بعيد عن قلقي وخوفي ما استطعت. |
|
لنحدد التوقعات المناسبة لأطفالنا علينا أولاً وأخيراً أن نحدد "قدرات أطفالنا" القدرات هي ما تحدد ما على طفلك تعلمهُ وفي أي مجال علينا العمل أكثر معه، وقدرتهُ هي ما تجعلنا في توقعاتنا واقعيين وغير مثاليين ومتوهمين. |
|
القدرات هي ما يستطيع طفلك فعله وما لا يستطيع هي نقاط قوته وضعفهُ ولا نقول نسبة ذكائه ودرجات مقياس أدائهِ على مقياس بلا بلا.. |
|
هي قدراته التي نلاحظها يومياً من خلال ملاحظتنا لكيفية أدائهِ للمهمات ولكيفية لعبهِ واستمتاعه، مدى تغير سلوكه وتبدلهُ، وما هي العوامل التي تغير ذلك. |
|
أشياء بسيطة لا تحتاج إلى مقاييس عالمية، قد تكون المقاييس العالمية مفيدة وناجحة ويمكن الاستفادة منها، ولكن عندما نكون في البيت والمدرسة ما يهمنا أولاً وآخراً هي قدراتهُ التي نستطيع استشفافها من ملاحظتنا له، قد تقول لي بعض الأمهات بأنها لا تعتقد بأنها قادرة على تحديد قدرات أبنائها، إلا أني أقول لكِ بأنكِ لربما لم تلاحظي ذلك قبلاً لم تكوني واعية لذلك، لم تسعي لذلك، ليس لأنكِ لا تعرفين ولكن لم تكوني مدركة لأهمية معرفة ذلك. |
|
كيف أحدد قدرات طفلي بالملاحظة؟ |
|
من أهم المهارات التي عليكِ مراقبتها أو ملاحظتها. |
|
هي أولاً السلوك: والسلوك يدل على كل ما هو مهم بعدهُ فالسلوك يعبر عن الذكاء ونقاط القوة والضعف، فمهما كان الطفل يخفي مثلاً إذا قلنا تجاوزنا بأنهُ يريد أن يقول لكِ بأنه غير مستعد للتعليم وبأن قدراتهُ أقل مثلاً؟ |
|
لن يستطيع إخفاء ذلك من خلال سلوكياتهِ وبالأخص سلوكهُ أثناء اللعب أو اللعب مع أقرانه أو إخوته، لا بد وإن الملاحظة المقننة ستظهر لكِ ما لم تكوني تتوقعين بشكل أفضل أو أسوأ من توقعاتك، ولكنكِ اليوم تتعرفن إلى طفلكِ للمرة الأولى بالطبع إن كانت هذهِ المرة الأولى التي تلاحظين سلوكه وتركزين على ذلك، بالطبع بدون إشعار الطفل بذلك. |
|
ثانياً: ما ينجذب له، هواياته، محبوباته، بالطبع بعيداً عن الشاشات والألعاب الإلكترونية، كل ما عليكِ مراقبتهُ هنا ما الذي يجذبهُ في اللعب مثلاً، أكثر الألعاب المحببة له. |
|
ويحدد ذلك مدة جلوسهِ وثباتهِ فيه، مثلاً يحب قراءة القصص ويقضي وقتاً جيداً فيه، مثلاً يشاركك ما يقرأ يحدثك عنه، وليس بشرط طبعاً الأطفال مختلفين يوجد منهم من تعبيرات قوية وواضحة وطفل آخر تعبيراته ضعيفة وتملؤها الخجل فليس بالضرورة أن يبين عن محبتهِ لتلك الهواية التي ينشغل بها أكثر من غيرها، ولكن المهم المدة التي يقضيها فيها، ومدى اندماجهِ وسعادتهُ بها. |
|
ستقول بعض الأمهات بأن أطفالهن لا يجلس مدة طويلة على أي لعبة، وذلك نسميهِ "بالتشتت" على الرغم من قسوة هذهِ الجملة إلا أن الأطفال دوماً يظهرون لما يحبون اهتماماً مختلفاً، ليس بالضرورة ساعة من اللعب ولكن الاندماج والسعادة البادية عليه تكفي لتعرفي مدى حبهُ لتلك الهواية، وهناك أطفال متعددي الهوايات يظهرون اهتمامات متعددة، ما عليكِ فعلهُ هنا أن تحددي أكثر هواية يلعبها أو يؤديها خلال الأسبوع، ولا تقولي لي لا يوجد، ركزي قليلاً وستعرفين ما أتحدث عنه. |
|
بالطبع توجد الكثير من النقاط التي تحددين فيها قدرات طفلك ولكن سأدع ذلك لمقال آخر أو في كتب أخرى لا أعلم. |
|
إلى نشرات قادمة إن شاء الله عزيزتي الأم المربية المعلمة أو حتى المربي نلقاكم في مواجهات أخرى مع أنفسنا وكيفية فهمها بما يحول بينها وبين أطفالنا. |
|


التعليقات