180 درجة

بواسطة قَبس #العدد 14 عرض في المتصفح
اللّهمّ بك أصبحنا وبك أمسينا، وبك نحيا وبك نموت وإليك النّشور 🌤️

في زحام الصفوف الدراسية والتنقل ما بين مادة وأخرى، لن أنسى هبوط نفسيتي إلى القاع، واستقبالي للسحابةِ السوداء في كل مرة يبدأ فيها درس الرياضيات. لم أكن أستسيغ الدروس؛ كانت تؤرقني القوانين، وتثير تحفظي المعادلات. كنت أشره كثيرًا على مناصري مقولة "الرياضيات هي الحياة". أي حياة؟! في نظري كانت هي من يكدر صفو حياتي...

حتى مرّت السنون، وزال الغمام، ونضُج عقلي، وفهمت المقولة، وأدركت أن في كل زاوية هناك ما يُمثل الرياضيات بشكلٍ أو بآخر!

على سبيل المثال لا الحصر: أول جملة تتبادر إلى أذهاننا حينما يتغير فُلان: "لقد تغيّر ١٨٠ درجة"، ويمكننا قول نفس الجُملة على أي شيء طرأ عليه التغيير.

يحتاج التغيير أن يمضي وقتًا طويلًا داخلنا، يتكوّر في الأعماق حتى ينضج وتكتمل ملامحه. فالتغيير لا يحدث بين عشيةٍ وضحاها؛ وما يُقال عن تغيّر فلان بشكل مفاجئ، هو في الحقيقة ليلةُ اكتمال ما كان يتشكّل داخله بصمت منذ زمن.

فنواة التغيير هي الوعي؛ أن تُدرك أن هناك مشكلة تستدعي إعادة النظر، فتُلقي تلك الفكرة الصغيرة في بحر عقلك، وتمضي في مسارح الحياة، بين المواقف والأحداث والتجارب التي تُغذّيها دون أن تلحظ، حتى تأتي تلك اللحظة الفارقة التي تُحرّك سكون البحر، فيلفظ ما كان مختبئًا في أعماقه.

تلك الفكرة الصغيرة التي بدأت همسًا، تضخّمت شيئًا فشيئًا، حتى غدت أفكارًا متماسكة، وبناءً مشيّدًا يستدعي فعلًا حقيقيًا نحو التغيير.

فمثل هذا حصل لي أنا "🎁". إذ كنت أصلّي الفجر بعد فوات وقتها، بعدما تسبقني الشمس إلى الأفق، خصوصًا في أيام الدوام؛ فلم أكن أتصوّر يومًا أنني قادرة على قطع سير نومي لأصلّي ثم أعود إليه. كانت لي محاولات صغيرة غير جادّة، وكنت أظن أنني "معذورة"، بالرغم من التحذيرات التي أسمعها عن تأخير صلاة الفجر، ورغم ذلك الشعور بالذنب الذي يسكنني.

حتى أتى ذلك الصباح...

دخلت زميلتي إلى القاعة وهي تلهث متأخرة، وأخذت تشرح لنا بتأثر كيف بدأ صباحها قبل وصول الباص بخمس دقائق، وكيف فاتها أداء صلاة الفجر. لم يكن حديثها عاديًا؛ كانت ملامح الندم تعتري وجهها، والحزن يحيط بكلماتها، حتى تسلّل إليّ شعورها وحرقتها على ما فاتها.

كانت في مثل سني! تشبهني في ظروفها!

كلماتها ومشاعرها الواضحة جليًا على وجهها حرّكت سكونًا داخلي، كأن البحر الذي ظلّ يحتوي تلك الفكرة، وجد أخيرًا ما يدفعها للسطح.

أنا "🧭"، وربُما أكون قد داهمتكم بعد حديث "🎁" الذي فاجأني! نحن عمومًا نتفق على عنوانِ النشرة دون معرفة عما ستُصفح به مكنوناتنا. على أية حال، نُقطة التغيير التي انبعثت من صديقتي وصلتني وبنفس الوقع.

وهنا سندرك أحد حقائق الحياة الجلية لنا، وهي أن حدثًا ما أو شخصًا قادرٌ على أن يُحدث سلسلة من التغييرات على أحدهم، مثل سقوط صف أحجار الدومينو.

ففي أحد جوانب حياتي المُهمة، لم يكن المُحفز شخصًا بعينه، بل شعورًا بالذنب قد اعتراني تجاه نفسي في أحد سفراتنا العائلية. في كُل نزهة كانت تتطلب عددًا كبيرًا من الخطوات، كنت أنا آخر الواصلين وأكثر اللاهثين تعبًا. استوقفتني كثيرًا قدراتي الجسدية الهزيلة، وأدركت أنني ساهمت في سحقها وإن كان من غيرِ قصد. فضّلت الجلوس لأوقات طويلة، وإن كانت لأجل الصفوف الدراسية، على أن أعطي جسدي حقه عليّ. لم يكن شعورًا عابرًا؛ بل كنت مطلوبة قسرًا في محكمة الأنا -إن فاتتك نشرة محكمة الأنا فننصحك بقراءتها-، وكان القاضي والمدّعي والشهود جميعهم على حق، ولذلك انصعتُ أنا المُدعى عليه وتداركت نفسي قبل الالتقاء بالعواقبِ الوخيمة.

حقيقة أخرى يجب أن نسلط قبس عليها: التغيير لا يكون دائمًا إيجابيًا؛ فتفسيراتنا للمواقف واستجابتنا لها تختلف من شخص لآخر، فقد يكون حدثٌ معين نقطة تحول إيجابية لشخص، وقد يكون ذاته سببًا في أن ينكِس اخرًا على عقبيه. فاحذر من أن تكون أنت المُسبب في سلسلة تغيّرات سلبية على أحدهم.

ملاحظة: صدرنا رحب وغرفتنا واسعة لاستقبال أي تعليق أو موضوع ودك نتكلم عنه🚪📬

مشاركة
نشرة قَبس البريدية

نشرة قَبس البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة قَبس البريدية