أكرمْ ذاتَكْ

بواسطة قَبس #العدد 11 عرض في المتصفح
اللّهمّ بك أصبحنا وبك أمسينا، وبك نحيا وبك نموت وإليك النّشور 🌤️

تصحو صباحًا، وعقلك في حالةٍ من الصفاء والركود. تتناول هاتفك الذي يبعد عنك مسافة امتداد يدك إلى الطاولة بجانبك. تفتح صفحة الإشعارات لتبحث عن بريدٍ هام أو رسالةٍ تنتظرها، أو تتفقد مواعيد اليوم، أو ترى أحوال العالم والناس. فما إن تدخل إحدى التطبيقات، حتى يهطل عليك سيلٌ من الأفكار والمعلومات، فتفقد إحساسك بالزمن والاتجاه.

تجد نفسك عالقًا بين أمواج الأخبار، والمقاطع القصيرة، والآراء المتضاربة. وبما أن للعقل طاقةً محدودةً لمعالجة المعلومات يوميًا، فقد استهلكت 25% منها قبل أن تنهض من سريرك حتى، وتقضي على نصفها الآخر أثناء تناول وجبة الإفطار أو في طريقك إلى العمل.

الآن، لنرَ عزيزي القارئ كم من معلومةٍ أو فكرةٍ كانت ذات قيمة أو فائدة، أو حتى حركت في سكونك شيئًا؟

أوه! أنت لا تتذكر شيئًا في الأصل!

تلك الساعتان لم تكونا سوى ساعتين تصارع فيهما عقلك مع فيضٍ لا يمكن فرزه وتصنيفه أو حتى الاستفادة منه، تقاذفت خلايا عقلك في تلك الساعتين كمًّا هائلًا من الأفكار، حتى خَفُت إدراكك شيئًا فشيئًا، وأصبحتَ بدورك مجرد متلقٍ ينساق خلف خوارزمية بلا تفكير، بلا تساؤل، وبلا اختيار.

" أعلم أن لكل رفيق ترافقه وكل مكان تحله وكل كتاب تقرؤه وكل رأي تسمعه، لكل من ذلك له أثر في نفسك لا تحس به، لكنه موجود كالبذرة الصغيرة في الأرض" 

الطنطاوي

لقد كرمك الله واصطفاك عن بقية الكائنات بوجود هذا العقل. فكيف تُبخسه حقه ليكون مأوى للمعلومات العابرة والأفكار العابثة والتفاهات؟ كيف تترك أرضك التي ستجني ثمارها يومًا بلا حراسة وتسمح لكل مشهدٍ تشاهده وكل كلمة تقرؤها ولأي رأي تسمعه، أن يزرع بذرته على أرضك دون إذن! ودون تمحيص منك أو اختيار!

عزيزي قارئ نشرة قَبسْ -المُفيدة على غير عادة بقية بريدك الإلكتروني- في الحقيقة نحن لا نستطيع إجبارك على شيء ما أو أن ننهاك عن آخر ولكننا سنحاول ما استطعنا سبيلًا على جرِد بعض الأشياء الدخيلة حتى لا تصل إلى مرحلة تضيع منك ذاتك بين الزحام، زحام كل شيء عداك، عدا أفكارك وقناعاتك وشخصيتك، وعندها ستصبح ممتلئ بما لايشبهك، تائه بين أفكار لم يكونها عقلك وقناعات لم تصنعها مبادئك. 

ما رأيك في قطعة أثاث شاذة اللون في غرفة مُتسقة؟

وما رأيك ببُقعة سوداء في وسط لوحة ناصعة البياض؟

وما رأيك بطعم الملح في الشاي؟

في سياق حديثنا هذا أنت الغُرفة واللوحة وكوب الشاي، وأنت من شرّع عقله وتركه في أيد العابثين. لذلك احذر أن تتبنى عادة تزجية الوقت في حياتك بكثرة وإن حضُرت فـ انفقها بإحسان فلا مشروع دائم وأهم من مشروع ذاتك.

ملاحظة: صدرنا رحب وغرفتنا واسعة لاستقبال أي تعليق أو موضوع ودك نتكلم عنه🚪📬

RMHIbrahimj3 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة قَبس البريدية

نشرة قَبس البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة قَبس البريدية