خلاصة دروس باتريك وينستون في الالقاء

1 أكتوبر 2025 بواسطة د. فادي عمروش #العدد 150 عرض في المتصفح
كيف تتحدث بثقة وتأثير

يفتتح البروفيسور باتريك وينستون، الأستاذ الأسطوري في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، محاضرته الشهيرة "كيف تتحدث" بقاعدة حاسمة: "نجاحك في الحياة سيتحدد إلى حد كبير بقدرتك على التحدث، وقدرتك على الكتابة، وجودة أفكارك، بهذا الترتيب". هذه ليست مجرد مقولة، بل هي المبدأ الأساسي الذي يحكم فلسفته في التواصل، حيث يؤكد أن القدرة على التعبير عن الأفكار بوضوح وقوة تفوق في أهميتها الأفكار نفسها. 

- المحاضرة الشهيرة عن فن الالقاء والخطابة

- المحاضرة الشهيرة عن فن الالقاء والخطابة

1. البداية القوية: كيف تفتتح حديثك وتجذب الانتباه

الدقائق الأولى من أي حديث هي الأكثر حسماً، فهي تحدد مسار تفاعل الجمهور بأكمله. في هذه اللحظات، يقرر الجمهور ما إذا كان سيمنحك انتباهه الكامل أم سيترك عقله يسبح في مكان آخر. لذلك، يحدد وينستون استراتيجية واضحة لتأمين هذا الانتباه منذ اللحظة الأولى.

  1. تحليل استراتيجية الافتتاح الخاطئة: يفنّد وينستون الأسطورة الشائعة التي تدعو لبدء الحديث بمزحة. في بداية الحديث، لا يزال الجمهور في مرحلة التكيف الذهني، يستوعبون نبرة صوتك، ويضبطون تركيزهم. في هذه الحالة، يكونون غير مستعدين نفسيًا لاستقبال مزحة، وغالبًا ما تفشل في تحقيق أثرها المرجو.
  2. صياغة "الوعد بالتمكُّن": البديل الأمثل، بحسب وينستون، هو ما يسميه "الوعد بالتمكُّن" (Empowerment Promise) — وهو بمثابة عقد مباشر مع جمهورك يضمن لهم عائدًا على استثمار وقتهم واهتمامهم. بدلاً من محاولة إضحاكهم، أخبرهم مباشرة بما سيعرفونه أو سيتمكنون من فعله بنهاية حديثك. هذا الأسلوب يخلق دافعًا قويًا للاستماع لأنه يقدم قيمة واضحة وفورية. النموذج الذي استخدمه وينستون نفسه في محاضرته كان: "في نهاية هذه الدقائق الستين، ستعرفون أشياء عن فن الخطابة لم تكونوا تعرفونها من قبل، وشيء ما من بين هذه الأشياء سيحدث فرقًا في حياتكم".

بينما يضمن "الوعد بالتمكُّن" جذب الانتباه الأولي، فإن التحدي التالي هو الحفاظ على هذا الانتباه. 

2. أساليب أساسية لضمان الوضوح والاستيعاب

الحديث الفعال لا يعتمد فقط على المحتوى، بل على كيفية هيكلته وتقديمه. يحذر وينستون من أن الجمهور سيسرح حتمًا، ويستخدم استعارة بليغة لوصف مهمة المتحدث: مساعدتهم على "العودة إلى الحافلة" (get back on the bus) بعد الشرود. ولتحقيق ذلك، يقدم أربع أدوات ذهنية تعمل كنظام ملاحة للجمهور، ترشدهم عبر أفكارك وتوفر لهم نقاط عودة واضحة.

  1. الدوران حول الموضوع (Cycling): يؤكد وينستون على ضرورة تكرار فكرتك الرئيسية ثلاث مرات على الأقل. يستند هذا إلى حقيقة بسيطة: في أي لحظة، يكون حوالي 20% من الجمهور شارد الذهن. الدوران حول الفكرة يزيد من احتمالية وصولها إلى الجميع، مما يضمن عدم تفويت النقاط الأساسية ويمنح السارحين فرصة جديدة لـ"العودة إلى الحافلة".
  2. بناء سياج حول الفكرة (Building a Fence): لضمان عدم الخلط بين فكرتك وأفكار أخرى مشابهة، يجب أن تبني "سياجًا" حولها. هذا يعني أن تحدد بوضوح ما هي فكرتك، والأهم من ذلك، ما ليست هي. استخدم وينستون مثال "القوس" لتوضيح ذلك: "هذا قوس. هذا ليس قوسًا. وذلك ليس قوسًا أيضًا". هذا الأسلوب يزيل الغموض بشكل استباقي، ويقلل العبء المعرفي على الجمهور، ويجعل فكرتك الأساسية أكثر قوة ورسوخًا.
  3. علامات الترقيم اللفظية (Verbal Punctuation): تعمل العبارات الانتقالية كعلامات إرشادية في الحديث الشفهي. استخدام عبارات مثل "أولاً..."، "ثانيًا..."، أو "النقطة التالية هي..." يخلق "فواصل" واضحة في الحديث. هذه الفواصل لا تساعد الجمهور على متابعة التسلسل المنطقي فحسب، بل تعمل كمعالم بارزة يمكن لمن شرد ذهنه أن يعود من خلالها بسهولة لـ"اللحاق بالحافلة".
  4. طرح الأسئلة (Asking a Question): طرح الأسئلة يخدم غرضين استراتيجيين: فهو يعيد إشراك الجمهور بشكل فوري ويخلق وقفة مدروسة. يشير وينستون إلى أنه يمكن للمتحدث أن يصمت لمدة تصل إلى سبع ثوانٍ انتظارًا للإجابة. يجب اختيار السؤال بعناية؛ لا ينبغي أن يكون شديد السهولة فيُحرج الناس من الإجابة، ولا شديد الصعوبة فلا يستطيع أحد الإجابة. إنه أداة فعالة لإيقاظ العقول الشاردة وإجبارها على العودة إلى مسار الحديث.

3. إتقان أدوات المتحدث: المكان، الزمان، والأدوات البصرية

إن اختيار الأدوات المناسبة للخطاب ليس مجرد تفصيل هامشي، بل هو قرار استراتيجي يمكن أن يحدد نجاح التواصل أو فشله. البيئة التي تتحدث فيها، والأدوات البصرية التي تستخدمها، كلها عناصر أساسية تساهم في تشكيل تجربة الجمهور وتؤثر على مدى استيعابهم لرسالتك.

 الشرائح (Slides): فن التبسيط

  1. تحديد الغرض الصحيح: يؤكد وينستون أن الشرائح ليست أداة "للتعليم" (teaching)، بل "للعرض" (exposing). هدفها هو تقديم لمحة موجزة عن الأفكار، وليس شرحها بالتفصيل.
  2. تشخيص جرائم العروض التقديمية: يحدد وينستون عدة أخطاء قاتلة يصفها بـ"الجرائم":الكثير من الكلمات: هذا يجبر الجمهور على القراءة بدلاً من الاستماع. وقد أثبتت دراسة أن الناس يتذكرون ما يقرؤونه على الشريحة أكثر مما يسمعونه من المتحدث.
    - قراءة الشرائح بصوت عالٍ: هذه عادة مزعجة وتقلل من قيمة المتحدث.
    - الفوضى البصرية: الخلفيات، الشعارات، والعناوين غير الضرورية تزيد من العبء المعرفي.
    - الخطوط الصغيرة: يوصي بألا يقل حجم الخط عن 40 أو 50 نقطة.
    وصف الحلول: الحل الذي يصفه وينستون يمكن تلخيصه في كلمة واحدة: التبسيط. وهذا يشمل إزالة الخلفيات والشعارات، وتقليل الكلمات إلى الحد الأدنى، واستخدام الصور بدلاً من النصوص.

4. فن النهاية المؤثرة: كيف تختتم حديثك وتترك بصمة

لا تقل أهمية نهاية الحديث عن بدايته. إنها فرصتك الأخيرة لترسيخ رسالتك، والتأكد من أن الجمهور يغادر وفي ذهنه بالضبط ما أردت له أن يتذكره.

الكلمات الأخيرة

كما أن للشريحة الأخيرة أهميتها، فإن الكلمات الأخيرة التي تنطق بها هي التي سترن في آذان الجمهور.

  1. تقييم خيارات الإنهاء:المزحة: على عكس البداية، فإن إنهاء الحديث بمزحة أمر مقبول. في هذه المرحلة، يكون الجمهور قد تكيف معك. يستشهد وينستون بزميله دوغ لينات: "أنا أنهي حديثي دائمًا بمزحة، وبهذه الطريقة يعتقد الناس أنهم استمتعوا طوال الوقت"."شكرًا لك": ينتقد وينستون هذه العبارة بشدة، واصفًا إياها بأنها "خطوة ضعيفة". هي توحي بأن الجمهور بقي حتى النهاية من باب الأدب فقط. يمكن قولها بعد بدء التصفيق، ولكن لا يجب أن تكون هي الكلمات الأخيرة.
  2. تقديم البديل الأفضل: "تحية الجمهور" (Salute the Audience): هذه هي التقنية الأكثر رقيًا. بدلاً من الشكر، يمكنك التعبير عن تقديرك للجمهور وللتجربة معهم، بقول: "لقد كان من الممتع أن أكون هنا... لقد حفزتني أسئلتكم... وأتطلع للعودة مرة أخرى". هذه الطريقة ترفع من شأن الجمهور وتترك انطباعًا إيجابيًا ومتبادلاً.

وكدليل عملي، اختتم باتريك وينستون محاضرته بنفس الطريقة التي نصح بها. لم يقل "شكرًا لكم"، بل قام بـ"تحية الجمهور" لاهتمامهم بفن الخطابة، مطبقًا الدرس الأخير أمامه مباشرة، ومثبتًا أن التواصل الفعال هو ممارسة مدروسة ومتقنة حتى الكلمة الأخيرة.

Sarah1 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة خارج الصندوق البريدية

نشرة خارج الصندوق البريدية

نشرة دورية تصدر كلّ يوم سبت، يصدرها د. فادي عمروش تتضمن فكرة خارج الصندوق مع اغناءها بالروابط وما بين الكلمات، لتقول وجدتّها

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة خارج الصندوق البريدية