الذكاء الاصطناعي يزيد الفروقات بين البشر

9 ديسمبر 2025 بواسطة د. فادي عمروش #العدد 160 عرض في المتصفح
المطلوب ليس سؤال “هل الذكاء الاصطناعي مبدع؟” بل “كيف يغيّر الإبداع البشري ومن يستفيد أكثر؟”. 

مع الانتشار السريع لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي (مثل نماذج اللغة الكبيرة)، ظهر تصور شائع مفاده أن هذه الأدوات «تسوّي الملعب» وتمنح الجميع قدرة إبداعية متقاربة. لكن الأدلة التجريبية الحديثة تشير إلى العكس: الذكاء الاصطناعي يرفع السقف العام للإنتاج، لكنه لا يوزّع هذا الارتفاع بالتساوي، بل يميل إلى توسيع الفجوات بين الأفراد.

ما الذي تقوله الأدلة البحثية؟

أبرز دليل مباشر يأتي من ورقة “Generative AI Does Not Erase Individual Differences in Human Creativity” للباحثين لوتشيني وكوفمان وبيتي. هذه الورقة اختبرت سؤالًا بسيطًا: هل يقلّل استخدام الذكاء الاصطناعي الفروق الفردية في الإبداع، أم يحافظ عليها؟  

تصميم الدراسة

  • أجريت دراستان على مئات المشاركين.
  • قيس الإبداع والذكاء أولًا بدون ذكاء اصطناعي.
  • ثم طُلب من المشاركين أداء مهام إبداعية بمساعدة نموذج لغوي.المنطق هنا واضح: إذا كان الذكاء الاصطناعي «يمحو الفروق»، يفترض أن تتقارب جودة العمل بعد استخدامه. أما إذا كانت الفروق الأساسية ما تزال حاسمة، فستظهر نفس التراتبية حتى مع وجود الأداة. 

النتائج الجوهرية

الورقة وصلت إلى نتيجتين ثقيلتين:

  1. الأشخاص الأعلى إبداعًا/ذكاءً قبل استخدام الذكاء الاصطناعي هم أنفسهم الأفضل بعد استخدامه. أي أن الأداء مع الذكاء الاصطناعي يعتمد بقوة على القدرة البشرية الأصلية، وليس على الأداة وحدها. 
  2. الذكاء الاصطناعي لم يلغِ الفروق الفردية، بل حافظ عليها داخل بيئة إنتاج «مُعزَّزة». هذا يعني أن الذكاء الاصطناعي يعمل كمُضخِّم: يرفع إنتاج الجميع، لكنه يرفع إنتاج الأقوى أكثر.

هذه الخلاصة تتفق مع أعمال أخرى لنهج “الإبداع البشري–الاصطناعي التعاوني”، حيث تبيّن أن النصوص أو الأفكار بمساعدة الذكاء الاصطناعي قد تصبح أكثر جودة في المتوسط، لكنها تميل في الوقت نفسه إلى التشابه فيما بينها، ما يجعل قيمة «اللمسة البشرية المميزة» أكثر ندرة وأعلى سعرًا. 

نتائج الورقة البحثية

نتائج الورقة البحثية

لماذا يزيد الذكاء الاصطناعي الفروقات فعلًا؟

يمكن فهم ذلك عبر ثلاث آليات عملية:

1) فجوة “صياغة السؤال” (Prompting Gap)

الأداة لا تعمل بذاتها؛ هي تستجيب لجودة المدخلات. الشخص القادر على:

  • تحديد المشكلة بدقة،
  • صياغة طلب ذكي،
  • تقييم الرد ونقده،سيحصل على نتائج أعلى بكثير من شخص يكتفي بطلب عام.إذن القدرة المعرفية والإبداعية تتحول إلى رافعة داخل الأداة. وهذا يطابق نتيجة الورقة بأن الإبداع الأساسي يتنبأ بالإبداع بمساعدة الذكاء الاصطناعي.

2) فجوة “التحرير والدمج”

الذكاء الاصطناعي يولّد مسودات. من يمتلك حسًا أعلى في:

  • اختيار الأفضل،
  • إعادة الصياغة،
  • دمج الأفكار في بناء أصيل،سيخرج بمنتَج نهائي متفوق.أما من لا يملك هذه المهارة فسيخرج بمنتج “قابل للاستخدام” لكنه عادي أو مكرّر. وهذا يفسر لماذا ارتفعت الأصالة في المتوسط مع AI لكن بقيت الفروق واضحة.

3) فجوة “رأس المال المعرفي”

المبدع أصلًا يملك مخزونًا من:

  • أمثلة،
  • أساليب،
  • معرفة سياقية،تسمح له بتوجيه الذكاء الاصطناعي إلى مسارات غنية وغير متوقعة.الذكاء الاصطناعي هنا لا يخلق الإبداع من الصفر، بل يوسع إمكانات من يملك مادة خامًا أفضل. وهذا جوهر استنتاج لوتشيني وزملائه. 

ماذا يعني ذلك للمجتمع وسوق العمل؟

  1. ارتفاع المتوسط لا يعني عدالة النتائج. ستتحسن إنتاجية الجميع، لكن توزيع المكاسب سيكون أكثر انحيازًا لأصحاب المهارات العالية.
  2. قيمة المهارة البشرية سترتفع لا تنخفض. لأن الذكاء الاصطناعي يضاعف أثرها بدل أن يستبدلها.
  3. المنافسة ستتحول من “من يملك الأداة” إلى “من يحسن استخدامها”. وهذا يخلق طبقة جديدة من اللامساواة المعرفية.

هذه الصورة متسقة مع طرح أوسع في أدبيات الإبداع والذكاء الاصطناعي: المطلوب ليس سؤال “هل الذكاء الاصطناعي مبدع؟” بل “كيف يغيّر الإبداع البشري ومن يستفيد أكثر؟”. 

ReemAhmad Dabbas2 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة خارج الصندوق البريدية

نشرة خارج الصندوق البريدية

نشرة دورية تصدر كلّ يوم سبت، يصدرها د. فادي عمروش تتضمن فكرة خارج الصندوق مع اغناءها بالروابط وما بين الكلمات، لتقول وجدتّها

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة خارج الصندوق البريدية