نشرة نـجد البريدية - العدد #12

23 مايو 2025 بواسطة نـجد #العدد 12 عرض في المتصفح
وداع مؤجل: للتطبيق الأخضر الذي خنقني

جمعةٌ مباركة، أحبّتي حيثما كنتم. أنهيتُ هذه النشرة في فجر يوم الخميس، غير أنني آثرت أن أتركها جانبًا حتى صباح الجمعة، كأنّ نشرها في هذا التوقيت سيكون أنسب، أو ربما أردتُ أن أبدأ يومي بنشرها .

في مطلع هذا الأسبوع راودتني فكرة بسيطة، لكنها أثارت ضجيجًا لدرجة طرح الموضوع في منصة اكس. قلت : "الواتس آب التطبيق الذي أتمنّى التخلّص منه، لكن يستحيل وربما إن استقلتُ يومًا، سأحذفه، وسيكون التواصل معي فقط عبر الهاتف، والرسائل الصوتية التي أفعّلها إذا لم أردّ سريعًا، أو عبر الرسائل النصيّة القديمة"، ومن هناك بدأت فكرة طرح الموضوع بشكل مفصل في نشرتي العزيزة 

توقّفت عند هذه الفكرة طويلًا فلم يكن الأمر مجرّد ضيقٍ عابر من تطبيقٍ يتوسّط يومي، بل إحساسٌ متراكم بأنّ "الواتس آب" صار التزامًا مفروضًا علي، على عكس غيره من التطبيقات الأخرى، مهما حاولت الفصل بين مساحتي المهنية ومساحتي الاجتماعية فيه، وفي كلّ محاولة للترتيب يزداد الارتباك، وفي كلّ محاولة للعزل يزداد التداخل.

كلّما حاولتُ تنظيم حياتي وجدتُ نفسي أعيد ضبط الفوضى ذاتها، قسمت "الواتس آب" إلى حسابين: أحدهما للعمل، والآخر لما تبقّى منّي. لكن الحقيقة؟ لا شيء انفصل فالعمل يتسلّل إلى حياتي الشخصية، والرسائل الاجتماعية تأتيني وأنا في معمعة العمل. فلا توقيتٌ يُحترم ولا مزاج يُراعى، وكلّ إشعار مهما كان بسيطًا يحمل معه شيئًا من الثقل… كأنّه تذكير مستمر بأني متاحة… وإن لم أرد.

كنتُ في زمنٍ مضى استطيع أن أُقسم وقتي بين العمل والحياة، بين لقاءٍ مباشر ورسالة مؤجلة، أما الآن فقد بات هاتفي منصةً مفتوحة لا تُغلق لا تُراعي التوقيت ولا تستأذن حتى ذهني قبل قلبي. رسائل متوالية من عملاء لا ينامون وتنبيهات متزاحمة من أصدقاء لا يعرفون صمت الهاتف، ولا قدسية التأخّر في الرد.

كلّما أردتُ التواري أعادني صوت إشعار، وكلّما رغبتُ بالترتيب غلبني التوافر الإلكتروني كأنّ التطبيق ألغى فكرة الغياب، وكأنّ "متصل الآن" صارت مرآة وجودي .

حتى يحين ذلك، أجد عزائي في هذه النشرة، اكتب لكم بأنني سأصل لذلك ذات صباح، حين أضع مفاتيح الاستقالة على الطاولة، واتخذ القرار المنتظر، سأحذف التطبيق وسأستبدله بالصمت النقي، بمكالمات صوتية تحمل من الصدق والحنين أكثر مما تحمله الرسائل القصيرة من اختزال. حتى ذلك اليوم دعوني فقط أقول: إن كنتم تقرؤون هذه النشرة، فأنتم في دائرتي الهادئة، الدائرة التي لا تُقاس بعدد الرسائل، فأنتم الذين لا تُثقلون الرسائل ولكم من الوقت أكثر مما يمنح.

أراكم ـ بمشيئة الله ـ في الأسبوع القادم عند ذات المفترق من الحديث والبوح، وحتى ذلك الحين دمتم بخير وشكرًا لأنكم هنا دائمًا ولو بصمت.

مشاركة
نشرة نـجد البريدية

نشرة نـجد البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة نـجد البريدية