نشرة نـجد البريدية - العدد #9

24 أبريل 2025 بواسطة نـجد #العدد 9 عرض في المتصفح
قهر ناعم: لوحات خذلتنا

في زوايا القلب، لا على الجدران، تُعلَّق بعض اللوحات لا تُباع، لا تُشترى، ولا تُنسى، كل واحدة منها تُشبه اشخاصًا قد مرّوا بنا أو شعورًا لم يكتمل مروره، كنّا نبحث عن لوحة لا تقول شيئًا، لا تنطق، لا تشرح، لا تتوسل الفهم، ولا تُلقي ظلالها على أحد— لوحةٍ تكتفي بالوجود، لكننا بدلًا من الاكتفاء بالصمت والوحدة اختلطنا بلوحات تهمس بما لم نُرد سماعه لوحات تُشبه أولئك الذين حضروا بهدوء ثم غادروا وتركوا وراءهم ضجيجًا لا يُحتمل.

بعض اللوحات خذلتنا:

رأيت لوحةً تُدعى "السكينة" زرقة باهتة تتسلل من زواياها كأنها تحاول أن تكون سلامًا لكنها لا تجرؤ وقفت أمامها طويلًا، ظننت أنني سأشعر بالراحة لكن الذي حدث هو العكس تمامًا، أيقظت فيني قلقًا قديمًا ذاك القلق الذي يلبس قناع الهدوء ويتحرك بخفة في الظهر، كأنه يقول: "ها أنا ذا من جديد."

ثم جاءت تلك اللوحة الأخرى: "الطمأنينة" اسم أنيق، لكن لا يشبه أثرها الطمأنينة نعرف العناوين المخادعة نعرفها كما نعرف الذين يقولون نحن هنا ثم يختفون، لكننا رغم كل ذلك صدّقنا ربما لأننا أردنا أن نُصدّق، أردنا أن نرى فيها ملجأً، شيئًا يربّت على كتفنا دون أن يسألنا عمّا بنا دخلنا تفاصيلها كما يدخل الحنين على حين غفلة، وفجأة بدأنا نبحث بين طبقات ألوان اللوحة عن وجهٍ قديم، أو ظلّ لصوت لم نعد نسمعه وفي المنتصف كان هناك فراغ، فراغٌ عظيمٌ وصامت… لا يحمل سكونًا بل انسحابًا.

تذكّرنا حينها أولئك الذين وعدونا بالثبات ثم اختاروا التراجع، الذين ابتسموا كأنهم باقون ثم انسحبوا كأنهم لم يكونوا، كانت اللوح تُشبههم — تُشبه ذلك الشعور حين نظن أن شيئًا سيمنحنا الطمأنينة فإذا به يُعمّق وحدتنا، بعض اللوحات لا تُطمئننا بل تُوقظ كل ما حسبنا أننا تجاوزناه نظنها سترتب فوضانا فإذا بها تُعيدنا إلى رسائل لم نُرسلها، كلمات علِقت في الحنجرة، إلى وداعٍ حدث دون أن يُقال.

بعض اللوحات ليست فنًان-، بل ذاكرة حادّة تُقدَّم لنا على هيئة جمال فتأخذنا إليها دون أن نحذر. ليست كل اللوحات قد عُلِّقت لتُبهرنا، بعضها وُجدت لتُفسد صمتنا لتُخبرنا أن الأشياء التي مرّت لم تمرّ فعلاً… بل غيّرت شيئًا فينا وأبقت أثره، بعض اللوحات خيانة ناعمة تدخل إلى داخلنا دون استئذان وتُشير إلى جرحنا وكأنها تعرفه أكثر منا، وهذا أسوء ما في الأمر.

أفكر أحيانًا، أن أرسم لوحة لا تُشبه أحدًا، ولا تُذكّرني بأحد، ولا تفتح علي أبوابًا كنت قد أغلقتها

لوحة بلا اسم، بلا وهم، بلا انتماء

لوحة صامتة، لا تعد بشيء، ولا تسرق شيئًا

  لوحة واحدة فقط، حين أراها لا أجد فيها غير صمتي ذلك الصمت الذي لا يشرح، لا يشتهي، ولا ينتظر.  

📬 إلى من خذلته لوحة، أو نصّ، أو شعورٌ قديم عاد متنكّرًا في صورة فن:

اعلم أن بعض الجمال خادع وبعض الذكريات تتخفّى في الألوان، نحن لا نرى الأشياء كما هي بل كما تسكننا، نراها بقلوبٍ أرهقها الحنين، أكثر من عيونٍ اعتادت الصمت، وهذا أحيانًا لا يُنصف الحقيقة ولا يُنصفنا.

كونوا على الموعد، ففي العدد القادم قد لا نتحدث عن الفن بل عن الفراغ الذي يجعلنا نبحث عنه.

بمحبة، نجد

السُّها1 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة نـجد البريدية

نشرة نـجد البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة نـجد البريدية