نشرة نـجد البريدية - العدد #11

8 مايو 2025 بواسطة نـجد #العدد 11 عرض في المتصفح
ما لا يُكتب في اليوميات
صندوق لا يعرف النسيان و يرفض التفريط بالذاكرة

في هذا الأسبوع، وبينما كنتُ أرتب الخزائن العلوية – تلك التي أؤجل ترتيبها دومًا – لمست يدي صندوقًا قديمًا، تتناثر على سطحه الغبرات، وحين التقطته، عرفت فورًا دون تردد أنه هو. ذلك الصندوق الذي خَبأتُ فيه، بعفوية تامة، قطعة من كل لحظة شعرت فيها أنني "حية، سعيدة، فرِحة". لا شيء ثمين فيه من منظور السوق، لا مجوهرات ولا أوراق رسمية. لكنه أثمن ما أملك: أرشيف اللحظات التي لم أكتبها، لكن قلبي خبّأها بصمت.

فتحت الغطاء بحذر، كمن يوقظ ذاكرة من سباتها وجدت بطاقات، قصاصات، أغلفة، رسائل، حتى رسمة قد لفت بشريط زهري، وعطرًا قديمًا جفّ منذ سنوات. كل شيء بدا تافهًا من الخارج، لكنّه ارتجف بين يديّ كأنه ما زال يحتفظ بالنبض القديم الذي تركته فيه.

📃 قائمة بالأشياء التي احتفظتُ بها، رغم أن لا أحد يفهم لماذا:

  • قصاصات أوراق ملوّنة، كتبها لي إخوتي حين كانوا في السادسة والسابعة من أعمارهم كلماتهم كانت مبعثرة، بريئة، لكنها كانت كافية لأشعر أنّني مهمّة في عوالمهم الصغيرة.
  • صدف وقواقع، جمعتها من شاطئ بعيد أثناء رحلة عائلية ساحلية قبل ما يقارب الثمانية أعوام. لم تكن نادرة، لكني اعتقدت بأنها ستحتفظ بأصواتنا حين كنّا نصرخ ونضحك.
  • ظرف كُتب عليه اسمي بخط بديع، أذكر المناسبة، وأتذكّر الهدية، لكن ما يهمّني أكثر هو أنني حين ألتمسه بين أغراضي، أشعر أن فيه شيئًا يلمس قلبي.
  • رسائل ورقية من صديقات المرحلة، بعضها يبدأ بكلمة "صديقتي العزيزة"، وينتهي بدعوات دافئة وتوقيع الصديقة، وإحداها تتضمّن تحليلًا لشخصيتي أعدّته صديقتنا في المرحلة الثانوية، وكان يُختم بنتيجة التحليل هل هي ايجابية ام سلبية ويسرني ان اخبركم ان نتيجة تحليلي كانت الوحيدة التي تصل إلى مؤشر "إيجابية" .
  • رسمة مهداة من "رنا"، على ورق بسيط، لكنّها تحمل من رقتها أكثر مما تحمله لوحات المعارض.
  • ورقة مطوية على عجل، فيها اقتباس من رواية أحببتها حتى أنني مزّقتها من شدّة التعلّق، لا لكرهي لها.
  • ورود جافة، جمعتها بعناية من كل باقة أُهديت لي في مناسباتٍ لم تكن عابرة. خفتُ أن تذبل داخلي كما ذبلت هي، فاحتفظت بها كأثر لما كنت عليه.

🕯️ تأملٌ طويل في ما لا نقوله عن هذه الأشياء الصغيرة:

نحن لا نحتفظ بهذه الأشياء لأنّها مفيدة أو جميلة... نحن نحتفظ بها لأنّها تمثل فرحةً كانت موجودةً فينا يومًا،. نخاف أن نتخلّى عن هذه الأشياء، لأنّها ربما آخر دليل على أننا عشْنا شعورًا لا نستطيع وصفه الآن. كل غلاف، كل بطاقة، كل قطعة قماش، تشبه الدعاء: لا نراه، لكنّنا نؤمن به، ونخاف أن نفقد أثره إن نسيناه. الاحتفاظ ببعض الأشياء ليس تعلقًا، بل احترام للنسخة القديمة منا.

💭 دعوة للتفتيش في خزائنكم:

هل تحتفظون بشيء لا تعرفون لماذا لم ترموه بعد؟ شيء يقطن في درج قديم، أو جيب نسيتم وجوده؟ حين تقع أيديكم عليه سيتكلم نيابة عنكم عن لحظة لم تُنسَ.

افتحوا خزائنكم، افتحوا ذاكرتكم، ثم اسألوا أنفسكم: ما الذي اخترتُ أن أبقيه؟ وما الذي خفتُ أن أودّعه؟

ملاحظة ختامية: استوحيتُ هذه النشرة من واقعة عائلية طريفة، حين أجبرتني والدتي على ترتيب الخزائن العلوية — التي كنت أتهرب منها منذ أشهر — فوجدتُ ذاك الصندوق، ووجدت معه هذه النشرة.

أراكم الأسبوع القادم في موعدنا المعتاد، ربما نتحدّث عن صندوق لم تصل له يدي بعد، أو عن حكاية أحدٍ ما يُفكّر بجديةٍ أن يودّع عمله دون أن يودّع نفسه.... كونوا على الموعد أحبتي.

مشاركة
نشرة نـجد البريدية

نشرة نـجد البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة نـجد البريدية