نشرة نـجد البريدية - العدد #8 |
17 أبريل 2025 • بواسطة نـجد • #العدد 8 • عرض في المتصفح |
حين يمر السمك بأزمة وجودية
|
|
![]() |
![]() |
لم أكن أبحث عن تفسير لما أشعر، بل كنت أهرب من السؤال ذاته. كانت الليلة أوسع من أن أملأها بالقراءة، وأضيق من أن أواجه فيها نفسي. كل ما أردته ببساطة: ظلٌّ وارف، لا يُطالبني بشرح وجودي، ولا يفضحني بنوره الصارخ. أردت مساحةً أختبئ فيها منّي، لا من العالم. وبينما أتصفّح اللاشيء، توقفت أمام ميمٍ سخيف… صورة سمكة تدخّن. شيءٌ في هذا المشهد العبثي استفزّ اضطرابي القديم. |
تخيّلوا سمكة تمرّ بأزمة وجودية. لا تتساءل عن البحر، ولا عن نهاية الحكاية بعد الشباك، بل تتوقّف مرتبكة أمام سؤال عظيم بسذاجة: “هل أدخّن من فمي؟ أم من خياشيمي؟” |
يبدو مضحكًا لكنه من النوع الذي يُضحكك حتى تمسك بوجهك فجأة وتقول: لحظة... هذا ليس مضحكًا تمامًا. ربما نحن جميعًا تلك السمكة، نؤدي أدوارًا لا نفهمها، نحمل أشياء لا تناسبنا، ونعيش في مشهد لا يشبهنا، فقط لأننا وجدنا من سبقنا فيه. نُفكر بأسئلة عميقة، ثم نخفيها خلف ابتسامات جاهزة، أو نفرّغها في نكتة ومع ذلك يظل السؤال معلقًا في صدورنا: هل ما أفعله حقًا هو ما أؤمن به؟ أم أنني فقط أُحسن التكرار؟ |
كتبت لنفسي — وعلى طريقة السمكة — مجموعة من الأسئلة، دوّنتها على مدار الأسبوع: |
• ماذا سيفعل القمر إذا علم بأنه مجرّد عاكس للضوء، لا مصدره؟ |
• كيف تتقاعد المرآة إن تعبت من الصراحة؟ |
• لو قررت الوردة أن تصبح شوكة، هل تبقى جميلة؟ |
• متى سيخجل الصدى من كونه مقلّدًا؟ |
• إذا حلم البحر بأنه صحراء، فهل يفقد ملوحته؟ |
• كيف يحتفل الحبر إذا كتب كذبة وصدّقها القارئ؟ |
• عندما نعلم بأن أحدهم يحبنا… هل نشعر بذلك؟ أم نظن أننا نشعر؟ |
ضحكت على السمكة، ثم صمتُّ، لا لأن النكتة انتهت، بل لأنني خفت أن أكون أنا أيضًا… أعيش فقط لأن الكل يعيش، أتنفّس وأحمل "سيجارتي" في الموضع الخطأ، دون أن أجرؤ على أن أسأل: هل أنا بخير؟ |
وأسوأ ما في هذا النوع من الأسئلة أنه لا يحتاج إلى جواب بل إلى شجاعة. أن تقف أمام مرآتك في صباح عادي، وتقول لنفسك: "أنا لا أعرف ماذا أفعل، لكني سأعترف بذلك." |
أن تتصالح مع فكرة أنك لست مكتملًا، وأنك ربما تسير بخطى غيرك لا خطواتك. أن تُفكّك العبارات الجاهزة التي رددتها طوال حياتك، وتعيد قولها بصوتك… أو لا تقولها أبدًا. أحيانًا، كل ما نحتاجه هو وقفة صادقة، ليس مع الحياة، بل مع أنفسنا في حضرة السخف. نقطة التحوّل لا تأتينا دائمًا من كتب سميكة، ولا من عبارات مُلهمة، بل من لحظة عبث بسيط… تُربكك، ثم تهزّك، ثم تتركك في منتصف الطريق، تتساءل: وماذا الآن؟ |
وأقول لا بأس أن نكون حائرين، لا بأس أن نشكّ في ما اعتقدناه يومًا يقينًا، لا بأس أن نضحك على صورة سمكة تدخّن… ثم نغصّ بعدها بسؤال عميق لا نعرف كيف نجاوب عليه. أنا لا أملك إجابة، لكني أملك قلقًا شريفًا يكفيني لأكتب هذا النص. |
ولعلّي في هذا القلق، أكون قد اقتربت من نفسي أكثر أو ابتعدت عن زيفي خطوة واحدة على الأقل، تصالحت مع حيرتي، ولو على الورق. |
كونوا على الموعد في الخميس القادم… قد نبدأ من ميم، وننتهي إلى شيء يشبه الحقيقة. |
![]() |
التعليقات