نشرة نـجد البريدية - العدد #7 |
6 أبريل 2025 • بواسطة نـجد • #العدد 7 • عرض في المتصفح |
على طاولة الأحد: تساؤل السعادة
|
|
![]() |
في صباح الأحد، ومع أول يوم للعودة إلى العمل، وصلت إلى مكتبي عند الثامنة إلا قليلًا، على غير عادتي. كان المكان شبه خالٍ، لا أحد فيه سواي وعبدالسلام (عامل الشاي)، الذي يسبقنا جميعًا ويفتح المكتب كعادته. جلستُ وفتحت صفحة النشرة، أتهيأ لكتابة العدد السابع لم أحتج للتفكير طويلًا في العنوان؛ كان السؤال حاضرًا في ذهني منذ فترة، يتنقل معي من موقف إلى آخر: هل السعادة اختيار؟ أم أنها طيفٌ يأتينا حين يشاء، دون أن نملك استدعاءه أو الاحتفاظ به؟ |
في كل مرة كنت أقرأ عبارات مثل: “السعادة قرار” أو “كن سعيدًا رغم كل شيء”، كنت أتوقف. بدا لي الأمر آنذاك وكأنه افتراض ساذج، أو محاولة لتبسيط ما لا يُبسّط. هل يمكن حقًا أن نكون سعداء فقط لأننا قررنا ذلك؟ أليس في ذلك شيء من القسوة؟ أن نقول لمن يمرّ بمحنة: “اختر أن تكون سعيدًا”، كأننا نُلقي عليه عبءَ ما يشعر به، وننسحب من محاولة فهمه. |
لكن في المقابل، هناك من يرى أن السعادة لا ترتبط بما يحدث، بل بكيف نراه. أرسطو قال: “السعادة تعتمد على أنفسنا”. وديل كارنيجي كتب: “السعادة لا تعتمد على من أنت وماذا تملك، بل على ما تظنه أنت”. اما في أغنية أسمهان الدافئة، وهي تردد: “إمتى حتعرف.. خلتني أحبك واتمنى قربك.. أسعدني يوم بلقاك، ترحمني فيه برضاك.” وكأنها تُغنّي لسعادة لا تُصنع، بل تُستمدّ من لقاء من نُحب. |
تأملت طويلًا في لحظات شعرت فيها بالسعادة، تلك التي تُباغتنا دون مقدمات بسبب: كوب قهوة في وقتٍ مناسب، ضحكة مفاجئة من صديقة، مشهد بسيط في الطريق. لم تكن مرتبطة بإنجاز كبير، ولا بحل لمشكلة عالقة، بل كانت ومضة. وهنا بدأت أميل لفكرة أن السعادة ليست بالضرورة قرارًا كبيرًا نُعلنه، بل لحظات صغيرة نُدركها عندما نكون حاضرين بكامل وعينا. |
لكن السؤال يبقى: |
هل كل أحد يستطيع أن يختار السعادة؟ |
هل هناك من يعيش عمره في بيئة لا تسمح له أصلًا بأن يشعر بها، حتى لو قرر؟ |
وهل الرضا هو الصورة الأعمق للسعادة؟ |
وهل نحتاج أن نسعى خلفها فعلًا، أم نُخفف من الركض، ونسمح لها أن تمر بنا حين تمر؟ |
وبعد طول مكابدةٍ لهذا التساؤل الذي لازمني كظلٍّ لا يفارقني، وجدت نصف إجابة أو لعلها نصف راحة، أدركت أن السعادة ليست على وتيرة واحدة؛ ففي بعض الفترات تكون اختيارًا محضًا نمدّ أيدينا نحوها رغم ثقل العالم، ننتزعها من بين ضلوع الأيام، نتنفسها قرارًا لا شعورًا، نقرر أن نراها، أن نمنحها مكانًا في أرواحنا، حتى وإن كانت ملامحها باهتة. وفي فترات أخرى تعاندنا الفكرة ذاتها؛ تصبح السعادة ككائن نائي، لا سبيل للوصول إليه مهما توهمنا القدرة على ذلك. حينها لا تكون اختيارًا، بل نعمة لا تُجلب. |
أنا لا أملك إجابة حاسمة ولا أظن أن أحدًا يملكها، لكنني أؤمن أن مجرّد طرح السؤال يُضيء شيئًا فينا، لذا أكتبه اليوم لا بحثًا عن يقين، بل لأقول: إن ترددنا في الإجابة هو من ملامح وعينا بالحياة فربما السعادة ليست ما نختاره، بل ما نُحيي الأسئلة من حولها، ولا أدّعي الوصول إلى إجابة حقيقية لتساؤلي، وربما لا توجد حقيقة واحدة تُناسب الجميع، لكنني أحب أن أترك هذا السؤال مفتوحًا لكم: |
هل ترون أن السعادة تُختار؟ أم أنها تأتي حين تشاء، وتمضي متى أرادت؟ |
شاركوني وجهات نظركم، فربما في اختلاف إجاباتنا ما يُقربنا من المعنى أكثر. |
نلتقي في نشرتنا القادمة، على موعد جديد مع تساؤل آخر، أو قصة، أو لحظة… قد تستحق أن تُروى أو تُشارك. |
![]() |
التعليقات