نشرة نـجد البريدية - العدد #6

3 أبريل 2025 بواسطة نـجد #العدد 6 عرض في المتصفح
العيد وعد الفرح الذي لا يخلف موعده

العيد ذلك الزائر الذي لا ينتظر إذنًا

ها هو العيد يطرق الأبواب، لا يستأذن، ولا ينتظر منا أن نكون مستعدين له. يأتي محمّلًا برائحة العود والمسك، بصوت الأطفال المتحمسين، وبطاولات الامتلاء والفرح، كما لو أنه يقول: مهما فرّقتكم الأيام، ها أنا أعود لأجمعكم من جديد.

العيد ليس مجرّد ثوبٍ جديد، بل هو ذاكرةٌ تتجدد، ضحكاتٌ تُختزن في القلب، وصباحٌ لا يشبه أي صباح آخر. إنه وعدٌ بأن الحياة، رغم كل شيء، تستحق أن تُعاش بفرح. وفي كل عيد، تتعدد صوره في الذاكرة؛ فهو أغنيةٌ تسكن المساء، وبيتٌ قديمٌ لا يزال يحتفظ بأثر الأعياد الأولى، وقصيدةٌ كتبها شاعرٌ ليؤرخ لحظةً من فرح.

ابتداءً من يا ليلة العيد… حين يُغنّي العيد في صوت أم كلثوم

في تلك الليلة، تصبح الشوارع أكثر دفئًا، والمنازل أكثر إشراقًا، والذكريات تنفض الغبار عن نفسها وتعود. منذ اللحظة التي تصدح فيها أم كلثوم:

“يا ليلة العيد آنستينا، وجددتي الأمل فينا”

يبدو أن شيئًا من العيد يتسلل إلى القلب، فتعود بنا الأغنية إلى أعياد الطفولة، إلى ليالٍ كان الفرح فيها بسيطًا، لكنه ممتلئ بالحياة.

- YouTube

Enjoy the videos and music you love, upload original content, and share it all with friends, family, and the world on YouTube.
youtu.be

العيد في البيت القديم… الفرح الذي لا يشيخ

في إحدى القرى البعيدة، حيث المنازل تتقارب كما لو أنها تتعانق، كان هناك بيتٌ لا يملّ العيد من زيارته. كلما حلّ، امتلأ بالبخور، وزُيّنت جدرانه بالأنوار، وانشغلت الجارات بصنع القهوة وتوزيع المعمول.

في ذاك البيت، كانت هناك جدة تجلس في صدر المجلس، وعلى محياها نورٌ من نوعٍ خاص. كانت تنظر إلى أبنائها وأحفادها وهم يضحكون، تتأمل حركة العيد في عيونهم، ثم تقول: العيد أن أراكم كما أنتم الآن. كل عيدٍ يأتي، يُذكّرني أن العمر يمضي، لكنه يمضي جميلًا، طالما أنكم هنا.

العيد في القصائد… حين تبتسم الحروف

العيد عند الشعراء نافذة مفتوحة على الدهشة؛ بعضهم رآه فرحًا خالصًا، وآخرون رأوه موصولًا بالحنين، لكنه لم يمرّ أبدًا دون أن يترك أثرًا.

يقول أحدهم مخاطبًا العيد كأنه كائن حيّ:

العيدُ أقبَلَ باسِمَ الثغر

ومُناهُ أن تحيا مدى الدهرِ

حتَّى تعيشَ بغبطَةٍ أبداً

ويُعدَّ من أيامِك الغُرِّ

فاهنأ به واسعد بطالِعه

ماضي العزيمةِ نافذَ الأمر

وافاك يحملُ في بشائِرِه

ما شِئتَ من عِزٍّ ومِن عُمر

ابن المُقري

كما وُصِف العيد في هذه الأبيات بأنه زائرٌ باسِمُ الثغر، لا يأتي خالي الوفاض، بل يأتي حاملًا معه البهجة والأماني:

العيدُ أقبَلَ باسِمَ الثغر

ومُناهُ أن تحيا مدى الدهرِ

حتَّى تعيشَ بغبطَةٍ أبداً

ويُعدَّ من أيامِك الغُرِّ

فاهنأ به واسعد بطالِعه

ماضي العزيمةِ نافذَ الأمر

وافاك يحملُ في بشائِرِه

ما شِئتَ من عِزٍّ ومِن عُمر

مصطفى المنفلوطي

ينما يقول آخر، وقد اتخذ العيد وسيلة لمدح من يعز عليه:

للناس عِيدٌ وَلي عِيدانِ في العِيدِ

إذا رأيْتُكَ يا ابن السَّادَةِ الصِّيدِ

إذا هُمُ عَيَّدُوا عِيديْن في سَنَةٍ

كانت بوجهك لي أيامُ تَعْييدِ

قالوا اسْتَهَلَّ هِلالُ الفطْر قلتُ لهم

وجْهُ الأمير هلالٌ غيرُ مفْقُودِ

بدا الهلالُ الذي اسْتقبْلتُ طَلْعَته

مُقابَلاً بهلالٍ منك مَسْعودِ

ابن الرومي

وهكذا، يظل العيد مصدر إلهامٍ للشعراء، بين من يُغنّي للفرح، ومن يكتب عن غائبٍ افتقده فيه، لكنه لا يمرّ أبدًا دون أن يترك أثرًا

العيد… وما يبقى بعد انقضائه

مضت أيام العيد سريعًا، كما يفعل الفرح دائمًا، لكنه ترك أثره فينا؛ في الضحكات التي ما زالت تتردد في الأروقة، في بقايا العيديات المتبقية بين أيدي الأطفال، في صورٍ حفظناها لنعود إليها لاحقًا، كأننا نحاول الإمساك بظل العيد قبل أن يبتعد تمامًا.

هذا الخميس، بعد خمسة أيام من العيد، لم ينطفئ وهجه بعد. فما زالت رائحة الكعك عالقة في زوايا البيوت، وما زالت رسائل التهاني تصل متأخرة، وكأنها ترفض الاعتراف بانتهاء العيد. فلنحتفظ بهذه اللحظات قليلًا، لنمدّ العيد يومًا آخر في هذه النشرة، حيث الحكايات لا تنتهي، والفرح يظل ممكنًا ما دمنا نؤمن به.

فكل عام وأنتم بخير، وأيامكم ممتلئة بالفرح والرضا. موعدنا مساء الخميس القادم، حيث لقاءٌ جديدٌ ومواضيع أخرى.

السُّها1 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة نـجد البريدية

نشرة نـجد البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة نـجد البريدية