نشرة مُلهِم البريدية - العدد #35 - سكة الهداية

28 يوليو 2025 بواسطة نشرة مُلهِم #العدد 35 عرض في المتصفح

سكة الهداية

في فلك الحياة الخضم المليء بالشتات تتراءى لناظرِ كل مسلمٍ الحاجةُ الماسةُ للهداية، أدركوا عظيم أهميتها في القرآن وما جاءت به السنة، يُؤمِّنون عليها صبح مساء ﴿اهدِنَا الصِّراطَ المُستَقيمَ﴾، وبين صفحات الليل المعتم يقنتون (اللهم اهدني فيمن هديت ..) علَّمها رسول الله ﷺ الحسن رضي الله عنه لقنوت الوتر.

ولا يزال الناس يزدادون إدراكًا لأهميتها كلما رأوا كثيرًا ممن كان يدعوهم إلى الهدى ائتنا ثم ما إن فُتح عليه باب من أبواب الدنيا حتى هجر ما كان يدعوهم إليه وزل وتبدل -إلا من رحم ربك-.

تأتي حاجتنا إلى الهداية من حاجتنا إلى الله عز وجل، وهي فينا أصيلة لا يمكن الفكاك عنها بحال.

وإن من طَمَعِ المؤمن الموفق أن يعرف سبل الهداية فيسلكها، وسبل الغي فيجتنبها، ومن أجلّ سبل الهداية ما نحن بصدد الحديث عنه في هذه الكلمات.

أفرأيت لو أن ماشيًا على الطريق يقصد البلد الحرام، قد تزود من كل ما يُتزود منه، وهيّأ نفسه ودابته وطعامه وشرابه، غير أنه جهل علامات الطريق فحسب، ثم تاه في البيداء ما الذي كان ينقصه؟!

ولو أن ربّان سفينةٍ خبيرًا في البحار وشقِّ عُبابِه معروفًا بذلك سنينَ عددًا، ثم تاه فيه فغرق ومات هو ومن معه، ما تكلم الناس إلا بوجود عطل في السفينة أو فُجاءة ريح عاصف أربكتهم، ولاستبعدوا أن يضل هؤلاء طريقهم كغيرهم من البحارة.

يا للعجب! متى حضر العلم بأسباب حصول شيء من الدنيا ثم تخلفت النتيجة بحثنا عن العوارض التي أصابت ولم تكن محسوبة، ومتى غاب هذا العلم فتخلفت النتيجة من الدنيا ما اتهمنا إلا غياب العلم!

أما في القرب من الرحمن والنجاة من النيران والظفر بالجنان يغيب عنا كليًا أو جزئيًا أن غياب العلم مانع منه ولابد!

فعندئذ تدرك عظيم فقه السلف حينما قالوا: من عرف الله خشاه واتقاه، ومن عرف الجنة عمل لها، ومن عرف النار خافها وهرب منها، ومن عرف النبي ﷺ وما قدمه وما يرجوه اتبع سنته وما فرط فيها، وهكذا في سائر أمور الشريعة، والقصد بالعلم هنا ذاك الذي يسكن القلب فيورث العمل لا مجرد مروره على الأسماع، فالله وصف من خطب فيهم لا أي خطيب بل أبلغ الخطباء وأكثرهم علمًا وأجلّهم شرفًا عند الله بأنهم قوم لا يعلمون، مع أن آذانهم مر عليها الهدى بأسمى وسائله منه ﷺ لكنهم لا يعلمون إذ لم يعملوا ويسلِّموا ويذعنوا.

فالعلم يقود ويهدي إلى الإيمان الراسخ بربنا الرحيم الرحمن، فهو -لعمري- من أعظم أسباب الهداية ولهذا قال الهادي عز وجل في كتابه على لسان الراسخين في العلم ﴿وَالرّاسِخونَ فِي العِلمِ يَقولونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلّا أُولُو الأَلبابِ﴾ [آل عمران: ٧] ثم قال في الآية التي تعقِبها في دعائهم ﴿رَبَّنا لا تُزِغ قُلوبَنا بَعدَ إِذ هَدَيتَنا ..﴾ [آل عمران: ٨] لقد حظوا بالهداية ويا له حظ عظيم، وسألوه عدم الزيغ، فالموفق من لم يزغ عن الهداية حتى يلقى الله بها، وهذا الأخير كذلك من العلم.

والعلم وحده غير كاف في تحقيق الهداية، فقد جاء عنه ﷺ عند الترمذي وأحمد قوله: (المغضوب عليهم هم اليهود والضالون هم النصارى)، وعند نظرك في قول ابن القيم -يرحمه الله- في التعليق على الحديث ومد النظر لطرفي الانحراف عن الصراط المستقيم أنهما اثنان: فساد العلم وفساد القصد، تعلم أن من فقد التقوى وهي صحة القصد فما أبعده عن الهداية ولو حصّل العلم الوفير، فالعلم سراجٌ والتقوى زيته، فلو ملأت راحتيك زيتًا وليس معك سراجٌ توقده فيه اتسخت وما انتفعت، ولو امتلكت أغلى السُرج ولا زيت معك كنتَ كمن رَكِبَ البحرَ بقاربٍ غالٍ كله ثقوب مغرقة.

ثم قال ابن القيم -يرحمه الله- عَقِب الحديث عن هذين الانحرافين القلبيين ما فحواه أن هذين المرضين هما مِلاك أمراض القلوب جميعها.

فاللهم زدنا علمًا واجعلنا هداةً مهتدينَ يا جواد يا كريم، والحمد لله رب العالمين.

بقلم: عبدالله بن عبدالرحمن الرشيد

للتواصل مع الكاتب عبر البريد الإلكتروني: [email protected]

Hamad1 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة مُلهِم البريدية

نشرة مُلهِم البريدية

هي نشرات بريدية ترسل أسبوعيًا على مشتركيها ومحتوى هذه النشرة تعظيم أثر طلاب العلم، يشارك في كتابة محتواها كُتّاب مميزون، مهتمون بمجالات تعظيم أثر طلاب العلم.

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة مُلهِم البريدية