نشرة مُلهِم البريدية - العدد #34 - سرّ النهوض |
21 يوليو 2025 • بواسطة نشرة مُلهِم • #العدد 34 • عرض في المتصفح |
|
سرّ النهوض |
![]() |
من أكبر القضايا المعاصرة، التي تأخذ حيّزاً في الطرح في ساحات النقاش، وتشغلُ أذهان الكثير، وفي حقيقتها، هي قضيةٌ تستحقّ حيّزها الذي ملأته، وهي: |
قضية الإصلاح، وما يحيطُ بها من سؤالات، وتفسيرات، وتحليلات ومسببات، الرّغبة في الوصول إلى سرّ صلاح النّفس، ومن ثمّ صلاح الأمم، كيف كان حال البدايات والطريق الموصل إلى هذه الثمّرة وما يتخللّه من عقبات ومثبطات. |
وإذا أردنا إيراد كلام العلماء في هذه القضية، فأولى ما يُذكر ويُرتكزُ عليه ما ذكره العلماء، فقالوا: " لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها" |
فالخطوة الأولى إذاً؛ معرفة ما أصلح أولها، والحديث هُنا يُقصد به على وجه الخصوص طلّاب العِلم ذوي الهمم، فعلى كلّ طالب علم راغبٍ في الإصلاح، التوّجه إلى القراءة في قرون خير الأمم، التأمّل في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والقرون من بعده، التأمّل في مقاصد أفعالهم، وتحليل مكونات عصرهم تحليلاً دقيقاً موصلاً بإذن الله، وإذا تأمّلنا حالهم سريعاً، فإنا نجدهم قد حملوا القرآن في صدورهم، والسُّنة في أفعالهم، وكانوا إذا تعلموا، عملوا، وإذا عملوا، أخلصوا، وإذا أخلصوا، نفع الله بهم، ومن أراد الانتفاع حق الانتفاع، وجّه جُهده ونظره لوضع خطوات إصلاحية عملية مُستقاة من نظره لهذه السير. |
وهُنا أستبِق ما يرد في الأذهان من يأسٍ مُسبق، أو استبعادٍ لقدرة الفرد الواحد على التغيير، وأذكر مثالاً حقيقياً، حين يُذكر اسمه تتبادر إلى الأذهان مشاهد تحرير القدس، ورفع الأذان في المسجد الأقصى، إلا إنّ هذا الفرد قد كان ثمرةً من ثمراتِ جيلٍ تربوي متكامل، لم يتكون في ساحات المعركة، بل في زوايا المدارس والمساجد وما بين كتب العلم والعلماء، نذكر: صلاح الدين الأيوبي، الذي ارتبط اسمه بتحرير القُدس. |
نورد ذكر هذه الشخصية على وجه التحديد، لأنّك حين تقرأ عن حال المسلمين في الزمن الذي سبقه، ترى جهلاً متفشياً وتفرقاً مذهبياً، وعقائد فاسدة مندسة، والكثير مما كان يعوق دون تحرر المسلمين من جهلهم ومن ظلم أنفسهم، الذي يستحيل عنده النهضة المرجوة والإصلاح المطلوب. |
وكما ذُكر فإن ّبداية الإصلاح تكون عبارة عن إصلاحٍ فردي ومن ثم جماعيّ، فالنصر الذي وصل له صلاح الدين ومن معه، كان نتيجة لبِنات وُضعت من أفراد عدةّ، قررّ هؤلاء أن يبدأوا بأنفسهم، ويصححوا عقائدهم، ويقوّموا مفاهيمهم، ويُعنوا بكل فكرةٍ تُبنى عليها قناعاتهم، تأمّلوا في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وسيرة أصحابه البررة، عُنوا بكلّ ما يقربّهم من الإصلاح شبراً، ومن ثمّ بدأوا ببذر كلّ بذرةٍ يرجون منها ثماراً يانعةً ولو بعد حين. |
هؤلاء السابقون الأولون، لعلّ فئةً منهم أو لعلّ أكثرهم لم يشهدوا ما وصلت إليه جهودهم، وبداياتهم الوحيدة، لما يروا مراحل اكتمال ثمار ما بذروه، إلّا إن صاحب العلم والفقه لا ينتظر نتيجة جهده عاجلاً، بل يبذُل ساعياً متبصراً موقناً بالنتيجة وإن لم يرها عياناً، وجعلها الله حقّا ولو بعد حين. |
إذاً فأولى ما يتفطّن له صاحب العلم الهادف للإصلاح، أن يجعل من أساس شُغله إصلاحُ نفسه، أن يتفطّن، فيقوّم عقيدته، ويغذي عقله، ويتبصّر في الحال والمآل، ويتغذى بمقاصد الإصلاح، ويتعاهد كتاب الله مستنيراً بنوره طارداً عن نفسه الغفلة، ويسعى جاهداً في كلّ ميدان يظنّ فيه خيراً لصلاحٍ يرجوه، ساعياً لنهضةٍ وصلاحٍ وإن لم يكن هو عليه من الشاهدين. |
أ. جمانة المغامسي |
التعليقات