نشرة مُلهِم البريدية - العدد #27 - خفوت القناديل |
27 مايو 2025 • بواسطة نشرة مُلهِم • #العدد 27 • عرض في المتصفح |
|
خفوت القناديل |
![]() |
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد، |
فإن البحث في أسباب ضعف الفاعلية من أهم ما يكون؛ لأن استصلاح الشيء ومعالجته فرع عن العلم بسببه ومنشئه. |
إن طالب العلم الفاعل في محيطه بمثابة حامل القنديل الذي يمشي به في الناس يبدّد به ظلمات الجهالة، وخمول طالب العلم يعني خفوت هذا القنديل. ولخمول طالب العلم وقعوده عن الفاعلية أسباب، منها: |
- ضعف البناء، وهشاشة المقوّمات: |
ضعف بناء طالب العلم، وهشاشة مقوّمات الفاعلية في شخصه= من الأسباب الظاهرة لضعف فاعليته؛ ووجه ذلك: أن طالب العلم ربما يكون متينًا في علمه مكينًا في تحصيله؛ لكنه فقيرٌ عارٍ من المقوّمات الأخرى -والتي سبق الإشارة إليها-.. فيؤدي به ذلك لضعف فاعليته. |
وإذا كان طالب العلم ضعيف التحصيل مهتزّ البناء، فإنه يقل الانتفاع به؛ لأن القواعد الضعيفة لا يمكن الابتناء عليها، والنبع الناضب قليل الورود؛ فحتى لو صدّر نفسه وتصدى لمقامات النفع والتأثير، فإن ذلك لا يعطيه الضمانة باستمرار نفعه ودوام فاعليته؛ لأن الزبدَ يذهب جفاءً، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. |
ومن قوة البناء: أن يتماسك ويشدّ بعضه بعضًا؛ وهذا المعنى يدلّ على أهمية اكتمال مقوّمات الفاعلية وأسبابها، وعدم الاكتفاء ببعضها مع إغفال الآخر. |
- ذبول الاهتمام: |
يوجد من طلاب العلم من هو أهل للتفعيل، صالحٌ لأن يتبوأ مقامات الكتابة والتدريس والخطابة والإمامة وغيرها من أوجه الفاعلية، ولو مكّن نفسه من السعي في ميادينها لكان له تأثير ونفع وخير كثير.. لكنّه قليل المبالاة بفكرة «تفعيل العلم»، منصرفٌ عنه إلى ما سواه، ضامر الهم به، وربما كان ذهنه عازبًا غافلًا عن طرق أبوابه. ومثل هذا "الاهتمام الذابل" مما يؤسف له أنّ كثيرًا من حَمَلة العلم وطلابه يرزح تحت وطأته. |
ومعالجة هذا السبب تكون بتذكير طلبةِ العلم أنفسَهم بفضل نفع الناس وتعليمهم وعناية الشريعة بهذه المعاني، واستحضار الأدلة والنماذج المؤيدة لذلك، وتأمل الآثار والفضائل التي تنال طالبَ العلم الفاعلَ في محيطه. ولعل فيما دونته في بعض المقالات إشارةً. |
روى ابن عبد البر رضي الله عنه في كتابه "جامع بيان فضل العلم وأهله" عن مالك بن أنس رضي الله عنه أنه قال: "بلغني أن العلماء يُسألون يوم القيامة كما يُسأل الأنبياء"(الجامع في بيان فضل العلم وأهله 1/ 492)، يعني عن تبليغ العلم. |
- اعتلال المفهوم: |
مِن طلاب العلم من تتوق نفسه لمسالك النفع العلمي، وتتشوّف لفرص التفعيل المعرفي؛ لكنه جنى على نفسه وحرم الناسَ بقعوده؛ إذ ضيّقَ مساحات التفعيل فتصوّرَها منحبسةً على أشكال ورسوم محددة، ونبذ ما عداها. |
وهذا لا شك أنه ضيق في الأفق، وخلل في الوعي؛ ولذا فمعالجة هذا السبب من ضعف التفعيل تكون في توسيع أفق صاحبه وتبصير وعيه بوجود مسالك ومسارات وفرص وأفكار بالحدّ الذي لا يكاد يُعذر فيه طالبُ العلم. ولعلّ فيما سبق تدوينه في مسالك الفاعلية إشارة لهذا المعنى. |
والشاهد في هذا السياق: الإشارة إلى أن من أسباب ضعف كثير من طلبة العلم هو التوهم بقلة الخيارات والفرص، والصحيح خلاف ذلك.. فحيث يمكن تعليم العلم وبذله بأي طريق= تكون الفاعلية به، وفي توسيع المفهوم حثٌّ وتيسير، لا تواكلٌ وتهوين. |
ووجه آخر من اعتلال المفهوم: وهو أن يظن طالب العلم في نفسه أن الفاعلية في العلم أمر منفكٌ عنه، وأن الربانية والعالِمية منزلة تنال بدونها. |
وقد أشار فريد الأنصاري رضي الله عنه في رسالته الموسومة بـ"مفهوم العالِمية" إلى أن العالِم لا يكون كذلك على الحقيقة إلا بأركان، ثم عدّ منها: «القيادة التربوية الاجتماعية»، وقال: "وهي وظيفة العالم الإصلاحية، وحقُّ العلم المتعلّق بذمّته! وإنما منطلقها صريح القرآن، قال الله تعالى (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)، وهي راجعة إلى واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بحقّ النذارة..". |
ولاحظ كيف أنه عالج في ثنايا كلامه سببًا آخر من أسباب ضعف الفاعلية والمتفرعة عن "اعتلال المفهوم واختلال المفهوم"؛ وهو الظن بأن الفاعلية رتبة فاضلة بها يكسب العبدُ الحسنات والأجور دون أن يلزمه منها شيء! فبيّن أن الإصلاحَ حقُّ العلم المتعلق بذمة طالبه، وأنه متفرّع عن أوامر الشرع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. إلخ. والله المستعان.. |
أ. محمد آل إبراهيم |
التعليقات