حَماماتِ اللِّوَى |
9 يناير 2025 • بواسطة محمد • #العدد 4 • عرض في المتصفح |
|
![]() |
تدور به الدنيا وتأخذه الى اقطار يكتوي بها المرء، يفكر ويفسر ويحلل، يضيق صدره، يبحث عن أنيس، لقد اعتاد على هذا الليل! رباه أما من أنيس يشفي ما في الصدر؟ رباه طال هذا الليل وبهت هذا الجسم، اما لأنيس نبثّ له الشكوى؟ يناظر السماء، مظلمة لا شيء فيها، فيتذكر حمامات اللوى بعد ضياع البدن والروح: |
أَلاَ يا حَماماتِ اللِّوَى عُدنَ عَودَةً فإِنّى إِلَى أَصوَاتِكُنَّ حَزينُ |
يناجي تلك الحمائم، يستدنيها افلا تدنُ أم انها تفرّ من الصوت؟! تفر ممن يقرب لها؟! فأكمل قائلا: |
فعدنَ فَلمّا عُدنَ كِدنَ يُمِتنَني وَكِدتُ بأَسرارِى لَهُنَّ أُبينُ |
عدن، فكدن يمتنني! يا له من شطر، ربما كدن يمتنه اذ كاد يبيح لهن بالأسرار، قد يموت المرء اذا كُشف سرّه؛ اي يبقى جثة فاقده لشيء يحركها من الداخل، وأي حياة هذه؟ |
غلب النوم صديقنا، وما يدري ماذا يقول! خاف من السر، استوت تلك الحمائم على غصن، وأصبحت تهتف، وهاج مكنون صديقنا وانشد: |
لَقَد هَتَفَت في جُنحِ لَيلٍ حَمامَةٌ عَلى فَنَنٍ وَهناً وَإِنّي لَنائِمُ |
فَقُلتُ اِعتِذاراً عِندَ ذاكَ وَإِنَّني لِنَفسِيَ فيما قَد أَتَيتُ لَلائِمُ |
ما الذي أتاه صديقنا ليشعر بهذا اللوم؟! |
أَأَزعُمُ أَنّي عاشِقٌ ذو صَبابَةٍ بِلَيلى وَلا أَبكي وَتَبكي البَهائِمُ |
تبكي هذه الحمائم ولا أبكي! وأزعم أنني صاحب عشق؟! |
كَذَبتُ وَبَيتِ اللَهِ لَو كُنتُ عاشِقاً لَما سَبَقَتني بِالبُكاءِ الحَمائِمُ |
ولم يتوقف عند سماع بكاء الحمائم، بل اراد ان يرى دمعا، وتعجّب كيف لهذه ان تشجيه بلا دمع؟ فانشد: |
لَم تَرَ عَينى قَبلَهُنَّ حَمائماً بَكَينَ وَلَم تَدمَع لَهُنَّ عُيونُ |
ما أشدّ لوم صديقنا على نفسه، وما أشد فعل الحمائم فيه، وما أشد ترقّبه لأي شيء منها، ولعلها لا تدري هي أنها اشجت نفسه، وهيّجت مكنونه، كيف ستدري وإن هي الا من صنع شاعر، فلا الحمائم وجدت، ولا بكاءها سُمع، إنما صاحب شوق، هاج له شوقه، فأراد لكل ما في الارض ان يبكي، وأن يكون له قصة. |
التعليقات