صور وخواطر

6 يناير 2025 بواسطة محمد #العدد 3 عرض في المتصفح
لعلّ أول مره لي أكتب فيها مراجعة لكتاب بمثل هذه الطريقة، الا أن هذا الكتاب يدفعك أن تكتب عنه، ومثل هذا الكاتب لا يكفي ان تقرأ له ولا تحدّث أحد عنه! وهو المعروف، فأيّنا قرأ للطنطاوي أول مره ولم يندهش؟! وحمله هذا الاندهاش ان يخبر الناس عنه ويقول الم تقرأوا للطنطاوي؟ عجيب أمركم!

"وما هذا المستقبل الذي نسعى إليه ونَكِدُّ من أجله؟ لما كنت طالباً كان مستقبلي في نيل الشهادة، فلما نلتها صار المستقبل في الوصول إلى الوظيفة، فلما وصلت إليها صار المستقبل في بناء الأسرة وإنشاء الدار وإنسال الولد، فلما صارت لي الزوجة والدار والأولاد والحَفَدة صار المستقبل في الترقيات والعلاوات والمال المدَّخَر، وفي الشهرة والمجد والكتب والمقالات، فلما تمَّ لي -بفضل الله- ذلك كله لم يبقَ لي مستقبل أفكر فيه، إلا أن ينوّر الله بصيرتي ويريني طريقي فأعمل للمستقبل الباقي، للآخرة، وإنّي لَفي غفلة عنها."

 

في الكتاب مقالات جاوزت الثلاثين مقالا ودون الأربعين، ولقد انتقى الشيخ الطنطاوي هذه المقالات، وبدأها بمقالة سمّاه "عام جديد" وهي مقالة أضافها بعد الطبعة الأولى، وفي هذه المقالة شيء من نمط الكتاب، ففيها معاتبة للنفس وللناس، وتذكير بأهمية الزمن وترك الغفلة، ولعل هذا أغلب محتوى الكتاب، فإن نظرت في المقالات كلها، وقرأتها بتمعن وجدت فيها عدة امور:                                                      

 اولا: كثرة التشاؤم من الناس، وكثرة بغضه لما كانوا عليه في زمنه، وقد كانت فترة تحوّل فيها ما فيها من الامور العظيمة خصوصا في المجتمعات العربية من ناحية الأخلاقيات، والشيخ بهذه المقالات أكثر وأكثر وزاد من ذكر هذه الأمور، حتى ليكاد القارئ أن يحفظها.. ولعلّ كثرة حديثه عن أخلاقيات بطريقة التشاؤم و"البهدلة" طبيعي فهو قاضي وشيخ، وهم من تمر عليهم اسئلة الناس ومصائبهم، وقصصهم وأمورهم، فلعلّه أُغدق عليه من تلك القصص التي تشيب الرؤوس فما كان منه الا ان يكتب كما كتب.                                                                                      ثانيا: الطرفة، مقالات الأعرابي في الكتاب شيء فاخر، وجميل، ويجعلك تضحك حتى لو لم ترد ذلك، وقد أجاد بصنع تلك الشخصية، وتفنن فيها أيما تفنن، وفي عدة مقالات طرفٌ خفية لا تخفى على القارئ الذكي.                                                                                                           ثالثا: الصدق! ولعلّ المرء مهما أكثر من القول بهذا الباب لما انصفته، فلو أن احدا منكم قرأ مقال "يوم مع الشيطان" وقصة تلك الفتاة الافرنجية التي رآها الشيخ في الترام، لعلم المراد بهذه الكلمة، وذكره لهذه القصة وهو الشيخ المعروف يوحي لك بصفاء هذه النفس وصدقها بالنصيحة، رحمه الله.                                                 

ربما هذا كل ما يدور عليه الكتاب اضافة الى حواراته مع نفسه.                                                                                         وأخيرا، فإن هذا الكتاب حق لكل قارئ ان يقرأه وينصح الناس فيه، ففيه من النصائح العظيمة لكل شاب، والفوائد النافعة لكل متعلم، واللغة الرصينة لكل من يحب الأدب، فكأنما الكتاب شيخ كبير يجلس بجانبك ويحدّثك، ولعل هذه لغة الكتاب، وهذا لم يكن غير متعمدا، بل هو متعمد، فالشيخ ذكر بآخر الكتاب ذلك، فلقد سماه "فن الكلام" ووضعه اياه بآخر الكتاب ذكي، ففيه كيف تحدث الناس، وأهمية تلك الكلمة التي تخرج منك والاسلوب التي تخرجه بها، لذلك كنت أيها القارئ لا تكاد تدخل مقالا الا ورأيت فيه حياة حتى لو كان فيه وصف موت! ولا يخلو من متعة حتى لو كان كله يأس!                                               

رحم الله الشيخ الأديب علي الطنطاوي، وكتب أجره.

محمد هيلات1 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة محمد البريدية

نشرة محمد البريدية

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة محمد البريدية