هل نُعلّم أبناءنا فنون الحياة أم نُغذي فيهم ثقافة الاستهلاك؟ |
بواسطة مودة • #العدد 11 • عرض في المتصفح |
في خضم صخب الاستعداد للعام الدراسي الجديد، حيث تتسابق الأقدام لتوفير المستلزمات المدرسية وتزدحم الأحاديث بالتفاصيل اللوجستية وكأنها إعداد لمعركة، يغيب عنا سؤال جوهري: هل نُعد أبناءنا ليكونوا مجرد مستهلكين يتباهون بما يملكون، أم نسعى لتنشئة جيل من المفكرين المدركين لذواتهم وقدراتهم؟
|
|
|
يتخطى التعليم الحقيقي حدود القاعات الدراسية والمناهج المقررة، ليمتد إلى تنمية الأخلاق، وغرس القيم، وتغذية الروح. فلا يكفي أن نوفر لأبنائنا بيئة تعليمية مريحة ومجهزة، بل يتوجب علينا أن نتذكر مسؤوليتنا في تنمية عقولهم ونُشعل شغفهم بالمعرفة. |
هل سنرضى بأن يكون أبناؤنا مجرد متلقين سلبيين للمعلومات، يعتمدون على الملخصات والاختصارات، وربما حتى أدوات الذكاء الاصطناعي، للتفكير نيابة عنهم؟ أم أننا سنشجعهم على البحث والاستكشاف، والتفكير الناقد، والإبداع، والتعلم الذاتي المستمر؟ |
هل سنكتفي بما تقدمه المناهج الدراسية من معلومات سطحية، أم أننا سنستخدمها كنقاط انطلاق لاستكشاف آفاق أوسع وأعمق من المعرفة؟ وهل سنترك مهمة التنشئة الدينية للمدرسة وحدها، أم أننا سنلعب دورًا فاعلاً في غرس القيم والمبادئ في نفوس أبنائنا؟ |
هل نُساعد أبناءنا على إيجاد بوصلتهم أم نُحوّلهم إلى مُجرد أتباع؟ |
إن التحدي الذي يواجهنا اليوم هو إعداد جيل لا يكتفي بمواكبة متطلبات العصر، بل جيل يتمتع بالمعرفة والمهارات والقيم التي تمكنه من فهم ذاته ومن حوله، والمساهمة الفعّالة في مجتمعه. ولن يتحقق ذلك إلا إذا تجاوزنا النظرة الضيقة للتعليم، وعملنا على تنمية العقول وتغذية الأرواح، وغرس حب المعرفة في نفوس أبنائنا. |
ممتنة لوالديّ لأنهم ركزوا في تنشئتنا على حب تعلم القرآن الكريم؛ فاتسعت عقولنا بالتفكر في الجمال والجلال لهذا الكون الفسيح وتدبير الله فيه، وانطلقت ألسنتنا بفصاحة اللغة العربية التي تأسسنا منذ الصغر على حُبها، وأبدعت خيالاتنا بسرد القصص، وخلق الأفكار والمبادرات التي كُنا نقوم بها خارج المناهج الدراسية، كانوا يولون اهتمامً رئيسيا لهذه الأنشطة لأنها تُعدنا كأشخاص نتجاوز أنفسنا؛ نتعاون، ونبادر، ونشعر بمسؤوليتنا تجاه مجتمعنا. |
هل نُعد جيلا من الأميين الجدد*؟ |
اليوم ومع هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، نخشى أن نُخرج جيلاً جديدًا من الأميين، يعرفون القراءة والكتابة ولا يتجاوزون قراءة المنشورات والتعليقات، ويتباهون بما يستهلكون ويرددون ما يشاهدونه دون وعي أو تمحيص. فهل سنشهد بينهم من يشارك تجاربه التطوعية التي قضاها في الصيف، أو يتحدث عن حواراته المثمرة مع أصدقاء جدد من ثقافات مختلفة؟ وهل سيتبادلون الأفكار ويتناقشون حول سبل تطوير أنفسهم ومجتمعاتهم في العام الجديد؟ |
قد تبدو هذه التساؤلات مثالية، لكنها في الحقيقة تمثل تحديًا حقيقيًا يواجه الآباء اليوم. فإذا لم نسع جاهدين لتنشئة أبنائنا على التفكير الناقد وتنمية حسهم الأخلاقي والاجتماعي، فسنواجه مستقبلًا مليئًا بالأفراد الأنانيين والمتمركزين حول ذواتهم، الذين يعتقدون أن المال يمكنه شراء كل شيء. |
إن هذه المخاوف تستدعي منا وقفة تأمل، ومراجعة جادة لأولوياتنا وأساليبنا في التربية. أدعوك صديقي العزيز للجلوس مع أبنائك، ومصارحتهم حول تجديد أهدافنا من التعلم، ولنتذكر بأن الغاية الأسمى هي بناء شخصيات صالحة ومبادرة. فلنعمل معًا على إعداد جيل جديد من المفكرين والقادة، القادرين على بناء مستقبل أفضل للجميع. |
*مقال إثرائي عن الأميّون الجدد |
التعليقات