طرق مضمونة لفقدانك للأبد

28 يوليو 2025 بواسطة مودة #العدد 23 عرض في المتصفح
توقف عن تكرار جملة “أنا أستخدمها بوعي”، بينما تغرق دون أن تشعر

في طريقي من جدة إلى الرياض، نسيت جوالي في المقهى. كنت على وشك الوصول للمطار، وعندي خيارين: الرجوع والمجازفة بتفويت الطيارة، أو أكمل طريقي للمطار بدون جواللو كُتب له يرجع بيرجع".

عشت يومين بدون جوال، وشي ثاني رجع لي؛ "ذهني" كنت حاضرة فعلًا، ما في شي يقاطعني كل دقيقتين، ما في إشعارات، ولا “آخر الأخبار العاجلة”، ولا “إعلانات تتلاعب فيني”. استخدمت اللابتوب فقط لإرسال رسائل ضرورية على واتساب والإيميل، وكملت يومي بدون منبّهات. قرأت بعمق، وعشت براحة، واختفت متلازمة التحديث. ما حسّيت إن شيء فاتني إلا لما رجع الجوال.

إن كنت تفتح تطبيقًا واحدًا فقط وتزعم أن الأمر تحت السيطرة، ففكّر بكلام تريستان هاريس اللي كان يشتغل مصمم أخلاقي في Google: 

“نظن أننا نعرف المشكلة، لكن الحقيقة أن انتباهنا يُدار بتقنيات لا نفهمها. ونقول لأنفسنا: ‘أقدر أوقف متى ما أبغى’، بينما النظام صُمّم بحيث ما نبغى نوقف أبدًا.”

Tristan Harris

كم مرة أغلقت التطبيق وأنت تشعر بثقل في الصدر؟ بتشويش في الذهن؟ بحسد مبهم؟ بتعب غير مبرر؟

هل هذه هي أعراض وعي؟ أم أعراض انسحاب من سُم رقمي نبتلعه قطرة قطرة؟

منصة واحدة فقط تكفي لتبتلعك. تفتح التطبيق بس تشوف، فجأة تمر ساعة ونص، وأنت تتقافز بين حياة ناس تعرفهم ونص ناس ما تعرفهم، وكلهم يبتسمون لك من خلف فلاتر محسوبة، بعناية خوارزمية، وما عادت المشكلة في الوقت اللي نقضيه، بل في الوعي اللي نفقده خلال هذا الوقت.

صرنا نعرف كثير، بس ننسى أنفسنا. نضحك، بس نرتبك بعد الضحكة. نستهلك، ونستهلك، وننسى نسأل: ليه؟

إليك قائمة قصيرة للآثار الجانبية طويلة الأمد (مُجرّبة شخصيًا):

فقدان الدهشة: كل شي تشوفه فيه نسخة أعظم شفناها قبل يومين.

تآكل الخصوصية النفسية: حتى أفكارك تبدأ تسأل: هل تنفع تنقال؟ هل تشتغل كمنشور؟

متلازمة “ما فيه شي كافيني”: اليوم العادي ما عاد يرضي طموح “المشاركة”.

إرهاق اجتماعي صامت: تحس بالتعب حتى من سكرولنق بسيط.

نقص في الإحساس بالحضور: تصير موجود في كل مكان إلا هنا. 

تورّم “الإدراك الزائف”: تحس إنك مثقف لأنك شفت بودكاست عن الفلسفة، بس نسيت اسمه بعد خمس دقائق.

فقدان الحميمية البطيء: تبدأ تفضّل التفاعل مع قلوب عابرة على محادثة حقيقية.

متلازمة “المشاركة أو الفناء”: اللحظة ما تصير حقيقية إلا إذا شاركتها، وكل شيء خاص يتحول تدريجيًا إلى محتوى قابل للمونتاج.

طيّب، وايش الي نفوته فعلًا؟

•لحظة صادقة مع صديق، بدون توثيق.

•مساحة فاضية بين حدث وحدث، ينبت فيها خيال.

•لحظة تكتب فيها لنفسك، بدون جمهور، بدون قلوب.

•إحساس إنك كائن حيّ، ما هو “حساب نشط”.

•فكرة عميقة ما طُرحت للنقاش، ولا تحتاج إعجاب.

جرّب لحظة نقاء حتى لو ما كانت مثالية

ما راح أقولك احذف التطبيق -مع إني أنصح بشدة-

ولا أطلب منك تعيش في كهف، بس جرّب شيء ما يشبه النمط المعتاد:

– امشِ بدون سماعة.

– جلسة صمت مع كوب شاي.

– يوم ما توثق فيه أي شيء.– لحظة تقرأ فيها، بدون ضغط تخلص.

– أو زيي: خلك تنسى جوالك، وشوف وش يرجع معك بدلًا عنه.

ختاما

هل التطبيقات أداة؟ ولا صارت غرفة التحكم في مزاجك وتصورك لنفسك؟

خذ لحظة. احذف التطبيق… وحدث نفسك

م. طارق الموصلليReema GhofailyFayiz Melibary3 أعجبهم العدد
مشاركة
نشرة مودة البريدية

نشرة مودة البريدية

هذه نشرة شخصية أكتبها للأصدقاء حول تأملات تلامس سعينا للحياة الطيبة، وأطرح التساؤلات التي تزعجني أو تلهمني للتفكر بها، أنشر أسبوعيا

التعليقات

جارٍ جلب التعليقات ...

المزيد من نشرة مودة البريدية